Human Rights Watch
HRW World Report 1999
MENA Overview
Human Rgiths Developments
Human Rights Defenders
International Community
Algeria
Bahrain
Egypt
Iran
Iraq & Kurdistan
Israel
Saudi Arabia
Syria
Tunisia
دور المجتمع الدولي

الأمم المتحدة

كان من شأن التصريحات التي أدلى بها في سبتمبر/أيلول 1997، الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، و"مفوضة حقوق الإنسان" ماري روبنسون بشأن إراقة الدماء في الجزائر،أن تمهد الطريق لزيادة اهتمام الأمم المتحدة بأوضاع حقوق الإنسان في ذلك البلد، وإن كان الاهتمام يتراوح شدةً وضعفاً

وربما كانت أكبر خيبة أمل شهدها العام المنصرم تتمثل في التقرير الذي أعده وفد الشخصيات البارزة، برئاسة الرئيس البرتغالي السابق ماريو سواريش، والذي كان الأمين العام كوفي عنان قد أرسله إلى الجزائر تلبية لدعوة الحكومة. وكانت مهمة الوفد تنحصر في "جمع المعلومات عن الأحوال السائدة وتقديم تقرير [إلى الأمين العام]". ومع ذلك فإن زيارة الوفد الذي رأسه سواريش كانت أول زيارة تقبلها الحكومة من الأمم المتحدة وتتعلق بالقلاقل الداخلية

وكان الوفد يتمتع بحرية كبيرة في التنقل أثناء زيارته التي امتدت من 22 يوليو/تموز حتى 4 أغسطس/آب، باستثناء عدم مقابلته لزعماء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، بسبب الحظر الذي تفرضه الحكومة على ذلك، بعد أن أصبح هذا الحزب محظوراً. ولكن أعضاء الوفد قابلوا شتى الأفراد، ومن بينهم المحامون المدافعون عن قضايا حقوق الإنسان، وضحايا الانتهاكات، كما زاروا أحد السجون، وتوجهوا إلى قريتين من القرى التي وقعت فيها المذابح

وفي 16 سبتمبر/أيلول، أصدر الوفد تقريره الذي أدان فيه الإرهاب بشدة، دون أن يتضمن أي نقد مباشر للسلطات المسؤولة عن التعذيب وحالات "الاختفاء" وغيرها من الانتهاكات. ويحث التقرير الحكومة على تدعيم سيادة القانون، والإسراع بالتصدي للشكاوى من الانتهاكات، إلا إن هذه التوصيات اتسمت بالعمومية، وكانت فيما يبدو تشغل مكانة ثانوية بعد المناشدة الموجهة للمجتمع الدولي بمساندة الجزائر في مكافحة الإرهاب و"تدعيم الديموقراطية". وهكذا فإن التقرير يخفف من نغمة بواعث القلق التي أعربت عنها "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة (انظر أدناه)، ويُعتبر بذلك مثالاً على تكرار تقاعس الهيئات السياسية للأمم المتحدة عن إدراج النتـائج التي توصلت إلـيها مؤسسات وآليات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في تحليلاته

وكانت السلطات الجزائرية تصر دائماً، قبل زيارة الوفد وأثناءها، على أن سواريش وزملاءه لا يتمتعون بصلاحيات إجراء التحقيق، كما أقر الوفد نفسه بذلك. ولكن التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف، عندما اطّلع على التقرير، كان يوحي بأنه يعتبر أن الوفد قد أجرى تحقيقاً يتضمن تقصياً للحقائق بصورة قاطعة. إذ قال في 16 سبتمبر/أيلول إن التقرير "يزيل كل شك بشأن مصادر الإرهاب"، وإنه "يؤكد من جديد ما سبق أن أكدته الحكومة الجزائرية من عدم وجود أزمة لحقوق الإنسان في الجزائر، بل عدد من التجاوزات والحالات الفردية التي تم التصدي لها وفقاً لما ينص عليه القانون الجزائري"

ولم تقم أية دولة من الدول الأعضاء في "لجنة حقوق الإنسان" بتقديم قرار بشأن الجزائر أثناء دورة اللجنة في مارس/آذار وإبريل/نيسان، كما لم تشهد تلك الدورة أية مناقشة رسمية عن ضرورة القيام بالتحقيق في أوضاع حقوق الإنسان هناك، وذلك رغم ما قاله كوفي عنان للصحفيين أثناء الدورة من أنه يأمل أن تسمح الجزائر للمقررين بدخولها، وقول روبنسون للصحفيين إنها تحبّذ أن تصدر اللجنة قراراً يفيد ذلك. ولم تعتمد "اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان"، في دورتها في شهر أغسطس/آب، قراراً مقترحاً يحث الجزائر على السماح للمقررين بزيارتها، إذ لم يحصل القرار على التأييد اللازم لاعتماده

وبعد انتهاء "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" في الأمم المتحدة من فحص تقرير الحكومة والبيان الشفوي الذي قدمته عن أوضاع الحقوق المدنية والسياسية في الجزائر في الفترة من 1992 إلى 1998، أعربت عن أشد إدانة تصدرها هيئة من هيئات الأمم المتحدة حتى الآن لممارسات حقوق الإنسان في الجزائر. إذ أعلنت اللجنة عن "استنكارها البالغ للمذابح الواسعة النطاق التي راح ضحيتها الرجال والنساء والأطفال في عدد كبير من القرى والمدن"، ولأعمال العنف الجنسي ضد النساء. كما أعربت عن قلقها إزاء "عدم اتخاذ تدابير وقائية في الوقت المناسب لحماية ضحايا [المذابح] من جانب مسؤولي الشرطة أو الجيش الذين كانوا بالقرب من موقع المذابح، وإزاء المزاعم المتواترة عن تواطؤ أفراد قوات الأمن في الاعتداءات الإرهابية"؛ والمزاعم المتواترة عن وقوع التعذيب بصورة معتادة، و"عدم تصدي الدولة على النحو الكافي، أو عدم تصديها على الإطلاق" لحالات "الاختفاء". ودعت اللجنة إلى إجراء تحقيقات مستقلة في الانتهاكات، كما طلبت "السماح لمندوبي "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" وغيرهم من المراقبين المستقلين بزيارة الجزائر في أقرب وقت ممكن

كما حثت اللجنة الجزائر على إجراء تحقيقات مستقلة، وعلى أن يُجرَى في أعقاب كل مذبحة "تحقيق مستقل في سلوك قوات الأمن، من أدنى مستوياتها إلى أعلاها، وأن تُوَقَّع عليهم العقوبات الجزائية أو التأديبية، إذا استدعى الأمر"

وساعد إصدار تقرير سواريش في التئام الجرح الذي أصاب صورة الحكومة بسبب ما قالته "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان"؛ ولا يُعرف ما سوف يتخذه الأمين العام من خطوات إزاء هاتين المجموعتين المختلفتين من النتائج. وفي 22 سبتمبر/أيلول قالت المفوضة روبنسون إنها تأمل أن تؤدي بعثة سواريش إلى تشجيع الجزائر على أن تكون أكثر انفتاحاً إزاء "المقرر الخاص المعني بالتعذيب" و "المقرر الخاص المعني بالإعدام الفوري"

الاتحاد الأوروبي

منذ أواخر عام 1997، زاد اهتمام الاتحاد الأوروبي بالأزمة الجزائرية عما كان عليه في أي وقت منذ اندلاعها. وفي العام التالي تطوّر تفكير الاتحاد الأوروبي بصورة كان لابد أن ترضى السلطات الجزائرية. إذ كان المسؤولون في الاتحاد الأوروبي وأعضاء البرلمان الأوروبي يتحدثون عن دعم جهود الحكومة في بناء الديموقراطية ومكافحة الإرهاب، وإن كان ذلك "في إطار سيادة القانون وحقوق الإنسان". وتتابعت تصريحات المسؤولين الأوروبيين الذين نأوا بأنفسهم عن موقفين ترفضهما الجزائر: الأول يتعلق بمزاعم تورط قوات الأمن في المذابح، والثاني بالدعوة إلى إجراء تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان. وقد حدثت هذه التحولات في التفكير الأوروبي حتى أثناء قيام الجزائر بفرض القيود الصارمة على برنامج عمل وتنقلات وفد المجموعة الثلاثية الأوروبية (الترويكا) ووفد البرلمان الأوروبي، ورفض المطالبة المتكررة بزيادة شفافية موقف الجزائر من قضايا حقوق الإنسان. كما أصرت الجزائر على أن يتصدر جدول أعمال أية مناقشات ثنائية موضوع التسامح الأوروبي المزعوم إزاء الشبكات الإرهابية المتعلقة بالجزائر

وساعدت جهود اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي في تسليط الضوء على حقوق الإنسان، حيث عقدت جلسات خاصة بالجزائر، يومي 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني 1997، قدم فيها شهود من الجزائر ومن المنظمات الدولية شتى وجهات النظر في هذا الصدد. وقد حضر أحمد عطّاف وزير الخارجية الجزائري جلسة اللجنة الفرعية يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني، وعندما سُئل عن حالات "الاختفاء" أجاب قائلاً "نعم، توجد بعض الحالات ولكن عددها أقل مما تزعمون، ونحن نتابع هذه الحالات"

وفي يومي 19 و20 يناير/كانون الثاني 1998، قام نواب وزراء خارجية المجموعة الثلاثية الأوربية (الذين كانوا يمثلون الرئيس السابق والرئيس الحالي والرئيس المقبل للمجلس الأوروبي) بأول بعثة سياسية رسمية من الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر منذ عام 1992. وقد فرضت السلطات قيوداً شديدة على الزيارة الخاطفة، ورفضت الطلب الذي تقدموا به لزيارة موقع مذبحة من المذابح للإعراب عن تعاطفهم رمزياً مع الضحايا

وفشل نواب وزراء المجموعة الثلاثية في إقناع الحكومة بقبول المعونة الإنسانية أو السماح لمقرري الأمم المتحدة المعنيين بالتعذيب والإعدام الفوري بزيارة الجزائر على الفور. ورَدّ المجلس الأوروبي على ذلك بأن دعا الحكومة الجزائرية في 26 يناير/كانون الثاني إلى "إبداء المزيد من الشفافية بشأن الأوضاع التي تواصل الجماعات الإرهابية في ظلها ارتكاب اعتداءات وحشية خسيسة على المدنيين الأبرياء"، معرباً عن "أسفه" لأن الجزائر "لا تستطيع تمكين المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وأجهزة الإعلام من زيارة الجزائر دون قيود"

وفي الفترة من 8 إلى 12 فبراير/شباط، قام وفد من أعضاء البرلمان الأوروبي بزيارة الجزائر، وكان قد شُكّل خصيصا لهذه المهمة ويتكون من تسعة أعضاء. وقد تعرض لضروب فظّة من الرقابة، إذ فرضت السلطات عليه أن يقيم طول الوقت تقريباً في بيت الضيافة الحكومي في الجزائر العاصمة، حيث جرت جميع اجتماعاته ولقاءاته تقريباً. كما وضعت الحكومة جدول هذه اللقاءات، ومنعت الوفد من مقابلة بعض الجزائريين الذين طلب الوفد الاجتماع بهم، وكان من بينهم محاميان يعملان في مجال حقوق الإنسان وأحد الصحفيين المعارضين للحكومة

وقدم أعضاء الوفد تقارير متضاربة عن تلك البعثة، وإن كانوا قد أجمعوا على ضرورة الحوار مع القوى الديموقراطية في الجزائر، بما في ذلك المجلس الوطني المتعدد الأحزاب. وحث رئيس الوفد أندر سوليار الأوروبيين على نبذ فكرة إجراء تحقيق دولي في حقوق الإنسان، بوصفها فكرة "ذات شهرة سيئة"، والسؤال عمّن يقوم بارتكاب أحداث القتل. وقال إن أيادي رجال الجيش قد لا تكون "بريئة تماماً"، ولكن الجيش لم يتورط في أحداث القتل الجماعي. كما قال إن أفضل وسيلة للتصدي لقضايا حقوق الإنسان هي اتباع القنوات البرلمانية الدولية

وأبدى اثنان من أعضاء الوفد اختلافهما مع سائر أعضائه، إذ شددا بصورة أكبر في تقريرهما على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن وعلى القيود التي فرضتها السلطات على الوفد. وحاولت إحداهما، وهي آن أندر ليونارد، تقديم قائمة بأسماء الجزائريين الذي ورد أنهم "اختفوا"، ولكن محاولتها رُفضت ولم يقترح الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بشأن الجزائر في اجتماع "لجنة حقوق الإنسان" بالأمم المتحدة، وانتهى الأمر بعدم التقدم بأية قرارات. ومع ذلك فقد أصدر الاتحاد الأوروبي إعلاناً غير ملزم ينتقد فيه الجزائر لرفضها السماح لمقرري الأمم المتحدة بزيارتها، ويعد فيه بإعادة طرح القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي دورة اللجنة في العام المقبل إذا لم يتحقق أي تقدم في هذا الصدد

وأعرب الاتحاد الأوروبي عن تأييده للوفد الذي أرسله كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى الجزائر، وعن ترحيبه بالنتائج التي توصل إليها، قائلاً إنه يأمل "أن يساعد تقرير الوفد الحكومة الجزائرية في جهودها لترسيخ سيادة القانون وتدعيم الخطوات والإصلاحات الديموقراطية التي أعلنت الجزائر عن التزامها بها" وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول، قال رئيس الاتحاد الأوروبي فولفغانغ شيوسل، وهو من النمسا، إن هناك صلة ما بين حقوق الإنسان والكفاح ضد الإرهاب الذي تريد الجزائر التركيز عليه في علاقاتها الثنائية. وقد عقد شيوسل اجتماعاً مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف، ووصف مناقشاته معه بأنها كانت صريحة، ثم أعقب ذلك بقوله إن "زيادة الشفافية وزيادة الإصرار على سيادة القانون والشرعية والحساسية لحقوق الإنسان يمكن أيضاً أن تصبح عاملاً بالغ الأهمية في الكفاح ضد الإرهاب" أما الظواهر التي اتسمت بالثبات على مدار العام فكان من بينها احتلال أوروبا للمكانة الأولى بين الدول المستهلكة للصادرات الجزائرية، وعلى رأسها النفط والغاز، وبطء التقدم في المفاوضات حول اتفاقية الشراكة، والتي من شأنها تخفيض التعريفات الجمركية بين أوروبا والجزائر، وتقديم معونة متواضعة للجزائر

فرنسا

لم تشهد السياسات الفرنسية تجاه الجزائر تحولات كبرى في العام الأول الذي قضاه الزعيم الاشتراكي ليونيل جوسبان في رئاسة الوزارة؛ إذ استمرت فرنسا في تأييدها الهادئ لحكومة الجزائر، تاركةً محاولة القيام بالمبادرات الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وواصلت فرنسا الوفاء بالتعهد الذي قطعته على نفسها في عام 1997 بتحرير سياسات تأشيرات الدخول، بحيث أصبح من الأيسر على الجزائريين الذين يخافون العنف في وطنهم أن يظلوا في فرنسا كما سعت فرنسا إلى الحفاظ على مكان الصدارة الذي تشغله بين مصدري السلع للجزائر، وتفادي أي إجراء من شأنه المخاطرة باستئناف تفجيرات القنابل الفتاكة في الأراضي الفرنسية، على نحو ما حدث في عام 1995 وعُزيت أسبابه إلى الصراع الدائر في الجزائر. أما نغمة السياسات الفرنسية فقد أفصح عنها وزير الخارجية الفرنسي هوبر فيدرين في مقابلة تليفزيونية أُذيعت يوم 7 ديسمبر/كانون الأول 1997؛ إذ قال إن "الأسئلة التي كانت تطرح منذ عامين أو ثلاثة أعوام عن العمر المتوقع للنظام الجزائري أصبحت غير ذات موضوع اليوم". وقال فيدرين، في سياق الإشارة إلى المجلس الوطني المتعدد الأحزاب، إن الجزائر تمر بعملية مصالحة سياسية "معقدة ورهيفة"، مضيفاً أن فرنسا "تشجع السلطات الجزائرية على استكمال عملية بناء المؤسسات بعملية لإضفاء الديموقراطية الحقة عن طريق الإصلاحات". وكان رد الفعل الفرنسي على المذابح التي وقعت في الجزائر يتمثل في عبارات الإدانة الصارمة والمتكررة للإرهاب، وإن لم تقل فرنسا علناً شيئاً يُذكر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الحكومة الجزائرية في غضون العام. ومع ذلك فقد أدلى المتحدث بلسان وزارة الخارجية، يوم 5 يناير/كانون الثاني، بتصريح تسبب في غضبة شديدة من جانب الجزائر، حين أشار إلى "الحق المشروع للشعب الجزائري في أن يتمتع بالحماية" من الجماعات المسلحة، قائلاً: "إن واجب أية حكومة هو تمكين مواطنيها من العيش في سلام وأمان".

ولم تعرب فرنسا عن تأييدها للدعوة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان وبعض قوى المعارضة الجزائرية بإجراء تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر. بل إن العدد الصادر في 14 سبتمبر/أيلول من الجريدة الرسمية نشر تصريحاً لوزير الخارجية فيدرين يثني فيه على الجزائر بسبب قبولها زيارة بعثة البرلمانيين الأوربيين، ووفد المجموعة الأوروبية الثلاثية، ووفد الأمم المتحدة

الولايات المتحدة

أعلنت الولايات المتحدة قبولها، رغم بعض الحذر، للإصلاحات السياسية التي أجراها الرئيس زروال، وألمحت إلى إمكان تحسين العلاقات إذ أبدت الحكومة الجزائرية مزيداً من الصراحة إزاء حقوق الإنسان. ولم تتوقف الولايات المتحدة عن إدانة الإرهاب على مدار العام، ولكنها أبدت استعداداً أكبر من استعداد الاتحاد الأوروبي أو فرنسا لانتقاد نمط الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن

وكانت الولايات المتحدة تشغل المكانة الثانية بين كبار المستوردين من الجزائر والمصدرين إليها، وفقاً للبيانات الخاصة بعام 1997. وكانت الشركات الأمريكية تتميز بنشاطها الكبير في قطاع المحروقات، وكثيراً ما انتفعت بضمانات القروض المتوافرة من مصرف التصدير والاستيراد لعملائها الجزائريين. ولكن الولايات المتحدة لم تقدم إلى الجزائر أية معونة عسكرية أو ثنائية، وواصلت سياسات رفض إصدار تصاريح بيع المعدات التي تنتجها الشركات الأمريكية للجزائر، إذا كان من الممكن أن تستخدمها قوات الأمن لأغراض عدوانية. ولم تكد تعقد أي اجتماعات رفيعة المستوى خلال العام، إذ كان أرفع مسؤول أمريكي يزور الجزائر في الشهور العشرة الأولى من عام 1998 هو مارتن إنديك مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. ولم يتعرض الرئيس كلينتون أو وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت للأزمة الجزائرية علناً في أية مرحلة من المراحل، ولم تصدر عن أي منهما أية بيانات في هذا الصدد تبرزها وسائل الإعلام

وكانت سياسات الولايات المتحدة إزاء حقوق الإنسان يشوبها الاضطراب في مطلع العام، إذ بدا أنها تؤيد فكرة إجراء تحقيق دولي في أحداث العنف في الجزائر، ثم عادت فتنكرت لتلك الدعوة. فعندما سُئل جيمس روبين، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، في أول السنة عن سلسلة المذابح التي وقعت، قال، يوم 5 يناير/كانون الثاني، إنه يحث الحكومة الجزائرية على "بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين"، وأضاف قائلاً "إننا نريد أن نرى تحقيقاً دولياً يتقصى جذور هذه المسألة"

وفي 6 يناير/كانون الثاني، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الأمريكي كاميرون هيوم لإبلاغه "رفضها القاطع" لدعوة الولايات المتحدة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية. وفي 9 يناير/كانون الثاني، أوضح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تسعى لإنشاء لجنة تحقيق دولية، بل للسماح لمقرري الأمم المتحدة الخاصين ولمنظمات حقوق الإنسان بزيارة الجزائر. وبعد أسبوع تقريباً، قام السفير هيوم بزيارة الناجين من مذبحة سيدي حامد وتبادل الحديث معهم؛ والمعروف أن عدد ضحايا تلك المذبحة التي وقعت ليلة 11 و12 يناير/كانون الثاني لم يكن يقل عن 100 قتيل

وفي 30 يناير/كانون الثاني، أكد جون شاتوك مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون حقوق الإنسان أن "ثمة ضرورة واضحة لإرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق تتمتع بالمصداقية". ولكن الإدارة الأمريكية دعت الحكومة الجزائرية بعد أسبوع واحد إلى التقدم بالخطة التي تراها مناسبة لإثبات صراحتها. وفي 5 فبراير/شباط أدلى رونالد إ. نُويمان، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، بشهادة أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية بمجلس النواب قال فيها: "ما دام الاختلاف قائماً بين الرواة عما يحدث في الجزائر، وما دامت هناك أسئلة كثيرة عن أسباب حرمان المدنيين من الحماية المثلى، فسوف تظل الحاجة قائمة إلى المزيد من الصراحة". وينبغي أن ينصب التركيز على "نوعية المعلومات، لا على الوسيلة المحددة التي تتحقق بها الشفافية"

وواصلت الولايات المتحدة حثها للجزائر علناً على الموافقة على زيارة "مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب"، و "مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالإعدام الفوري"، ولكنها رفضت تقديم قرار عن الجزائر إلى "لجنة حقوق الإنسان" بالأمم المتحدة، وبذلك ساهمت في إبقاء أزمة من أشد أزمات حقوق الإنسان إلحاحاً خارج جدول الأعمال

وكانت التوصيفات التي وضعتها الولايات المتحدة للانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة توصيفات صريحة ومباشرة، سواء ما ورد منها في الوثيقة التي أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية بعنوان "التقارير القطرية لوزارة الخارجية بشأن ممارسات حقوق الإنسان لعام 1997"، أو في غضون التصريحات التي أدلى المسؤولون بها علناً. إذ قال نُويمان، في الشهادة التي أدلى بها في 5 فبراير/شباط، إن "الجماعة الإسلامية المسلحة" مسؤولة عن الغالبية العظمى من الفظائع التي وقعت، وإن الحكومة "لم تضع سياسات لإرسال فرق الموت للعمل"، ولكنه أضاف قائلاً "قد يكون بعض أفراد قوات الأمن أيضاً متورطين إلى حد ما في أحداث القتل". وقال نُويْمان أيضاً إنه، رغم الانتخابات المحلية والقومية التي أجريت في الفترة من عام 1995 إلى 1997، فإن الحكومة "ما زال أمامها شوط طويل لابد أن تقطعه" حتى يشعر الجزائريون بأنهم "يشاركون حقاً" في نظامهم السياسي وأثار إنديك، مساعد وزيرة الخارجية، بعض بواعث القلق بشأن أحداث القتل التي ارتكبتها قوات الأمن في لقائه مع المسؤولين الجزائريين يوم 14 مارس/آذار، وذلك وفقاً لما رواه مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في اجتماع إعلامي مع الصحفيين يوم 19 مارس/آذار. كما عقدت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت اجتماعاً قصيراً مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف في واشنطن يوم 29 سبتمبر/أيلول، ولكنها لم تدل بتصريح علني بعد الاجتماع.

وقد سعت الولايات المتحدة، شأنها في ذلك شأن الاتحاد الأوروبي، إلى دعم صلاتها بالمجتمع المدني والبرلمان في الجزائر، إذ موّلت واشنطن بعض الزيارات التي قام بها أعضاء البرلمان ورجال المجتمع المدني الجزائري إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. كما خصصت منحاً صغيرة من "الصندوق الإقليمي لدعم الديموقراطية" لبرامج التدريب التقني لهذين القطاعين

وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول قامت القوات البحرية الأمريكية والجزائرية بإجراء تدريب محدود على الإنقاذ البحري في البحر المتوسط. ورغم أن الولايات المتحدة هوّنت من أهمية تلك المناورات العسكرية المشتركة التي قامت بها الدولتان معاً لأول مرة، فإن الصحف الجزائرية أعلنت أنها دليل على زيادة احترام واشنطن لحكومة الجزائر

Return to the Top