Human Rights Watch
HRW World Report 1999
MENA Overview
Human Rights Developments
Human Rights Defenders
International Community
Algeria
Bahrain
Egypt
Iran
Iraq & Kurdistan
Israel
Saudi Arabia
Syria
Tunisia
التطورات في مجال حقوق الإنسان

دخل حكم الرئيس زين العابدين بن علي عقده الثاني، وقد أحكم سيطرته على زمام السلطة، وخلت البلاد مـن العنف السياسي وحقق الاقتصاد قدراً لا بأس به من الاستقرار. ومع ذلك لم يظهر ما يشير إلى أن هذه العوامل تحفزه على السماح للتونسيين بقدر أكبر من حرية التعبير. إذ تكاد تونس تخلو من أي نقاش سياسي صريح أو نشاط معارض، وذلك بسبب القوانين التي تجرّم أشكالا مختلفة من التعبير والأنشطة السياسية غير المرخص لها، وبسبب مراقبة الشرطة المستمرة للمواطنين ومضايقتها لهم، وافتقار الصحافة والقضاء للاستقلا

ل واستغلت السلطات القلق من الصراع الدائر في الجزائر المجاورة، فأعادت إلى الأذهان حوادث متـفرقة من أعمال العنف التي قام بها إسلاميون في تونس قبل سنوات، وذلك بغرض تشديد حملتها القمعية ضد الإسـلاميين. وسُجن أشخاص، من المعتقد أن عددهم يربو على الألفين، بسبب ما نُسب إليهم من تهم ذات دوافع سياسية. وقد أُدين معظمهم بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مرخص لها، وهي تحديداً "حركة النهضة الإسلامية"، أو بتهم أخرى ذات صلة لا تنطوي على استخدام العنف، مثل توزيع منشورات أو حضور اجتـماعات. وكان من السجناء أيضاً عدد قليل يشتبه في انتمائهم لعضوية أحزاب يسارية محظورة، أُدينوا بنفس التهم، وكذلك أشخاص جلبت عليهم مساعدتهم البسيطة لأسر السجناء أحكاماً بالسجن بتهمة جمع أموال أو تبرعات بصورة غير مشروعة

وقد تركز نشاط ما تبقى من "حركة النهضة" أساساً في الخارج، ولم تقم بأية أنشطة واضحة داخل تونس. وظل زعيم الحركة المقيم بالمنفى راشد الغنوشي يصفها بالاعتدال، والديمقراطية ومعارضة كل أشكال العنف، بينما استمرت الحكومة في الحمل عليها على اعتبار أنها متطرفة وإرهابية

وكانت الأحوال في السجون متردية، حسب ما ورد في تقارير من محامين وسجناء سابقين. ومن مظاهر ذلك أن الازدحام في السجون شديد. وهذا وضع لا تمليه ضائقة اقتصادية، حيث تتمتع تونس بمستوى من أعلى مستويات الدخل الفردي في القارة. كما شاع تعرض السجناء للضرب على أيدي الحراس، وكانت الإجراءات التأديبية قاسية ومهينة. واستمر نقل السجناء السياسيين بلا توقف بين السجون، مما كان يضطر الأسر إلى السفر مسافات طويلة لزيارتهم. واحتُجز عدد من زعماء "حركة النهضة" بمعزل عن العالم الخارجي لأشهر، بل ولسنوات متصلة

وخلال المحاكمة الجماعية التي أُجريت عام 1992 أمام محكمة عسكرية للمشتبه بأنهم من زعماء وأعضاء "حركة النهضة"، نقلت الصحف التونسية مزاعم المتهمين عن تعرضهم للتعذيب خلال الاستجواب. واستمر التعذيب في 1998، لكنه بات موضوعاً يُحظر على وسائل الإعلام الخوض فيه. فعلى سبيل المثال لم تكن هناك تغطية إعلامية عندما عذبت قوات الأمن، حسبما ورد، بعضاً من الطلاب الستة عشر الذين أُلقي القبـض عليهم بين فبراير/شباط وإبريل/نيسان للاشتباه في انتمائهم لعضوية منظمة إرهابية يسارية غير مرخص لها، وعقد اجتماعات دون رخصة، والتشهير بالسلطات وغير ذلك من التهم. ووفقاً لشهادات كتابية موقعة حصل عليها المحامون من موكليهم وموكلاتهم، فقد قام الحراس في سجن منوبة للنساء بضرب إيمان الدرويش ضربا مبرحا، بينما كان لطفي الحمامي في حاجة إلى جراحة من جراء إصابات لحقت بأعضائه التناسلية، حسبما ورد، ولم تكن الجراحة قد أُجريت له حتى أكتوبر/تشرين الأول. وعند إعداد هذا التقرير للطباعة، كان لا يزال محتجزاً هو والطلاب الخمسة عشر الآخرون بانتظار المحاكم

ة وزعمت الحكومة في تقريرها إلى "لجنة مناهضة التعذيب" التابعة للأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 1997، أن التعدي على المحتجزين بدنياً لم يقع إِلا نادراً وأن مرتكبيه قد عُوقبوا. وعرض التقرير بالتفصيل مجموعة جديرة بالإعجاب من القوانين التي يمـكن أن تضمن، في حالة تنفيذها، عدم وقوع التعذيب. أما في الممارسة العملية، فنادراً ما أدت الشـكاوى من التعذيب إلى عدم اعتداد المحاكم بالاعترافات كأدلة. وإذا حدث وجرى التحقيق في الشكاوى فإن النتائج لم تكن تبلغ إلى المتهمين ومحاميهم. وتعرض السجناء السياسيون المفرج عنهم لمضايقات مكثفة، وأُمروا في كثير من الأحيان بالتوقيع مرة أو أكثر يومياً لدى الشرطة، وكان ذلك أحياناً في مراكز بعيدة للغاية عن منازلهم. غير أن تنفيذ هذا الشرط بدا أقل تعسفاً خلال عام 1998 . وحُرم السجناء السياسيون السابقون في كل الأحوال تقريباً من استصدار جوازات سفر، كما استُبعدوا على وجه العموم من شغل وظائف في القطاع العام، ومُورست ضغوط على أصحاب الأعمال في القطاع الخاص لعدم توظيفهم

ولجأت السلطات إلى مضايقة أفراد أسر منتقدي الحكومة، بل وسجنت بعضهم كوسيلة لتخويف ومعاقبة هؤلاء المنتقدين. وكان هذا هو الحال، على ما يبدو، مع السجين السابق محمد علي البدوي، الأخ غير الشقيق لداعية حقوق الإنسان النشط منصف المرزوقي. فقد حُكم على البدوي، في يناير/كانون الثاني، بالسجن ستة أشهر لعدم ذهابه للتوقيع يومياً في مركز الشرطة المحلي، رغم أن الشرطة أبلغته في وقت سابق، حسبما ورد، بأنه لم يعد يتعين عليه أن يفعل ذلك وخضع أفراد عائلات النشطاء لمراقبة الشرطة وتفتيش المنازل في أية ساعة من ساعات اليوم، وصودرت جوازات سفرهم في بعض الأحيان دون سبب ظاهر غير قرابتهم لأولئك النشطاء. وفي عام 1998 حُكم بالسـجن على راضية عويديدي، وهي مخطوبة للاجئ سياسي تونسي مقيم في فرنسا، لمحاولتها مغادرة تونس بصورة غير مشروعة بعد أن حُرمت تعسفاً من استصدار جواز سفر. وأُلقي القبض على رشـيدة بن سالم، وهي زوجة أحد النشطاء المقيمين في الخارج، وحُكم عليها بالسجن عام 1997 في قضية مماثلة. وأبلغ شاب في غرب تونس منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن سجنه في الماضي لصلته بأنشطة "حركة النهضة"، كان هو السبب الذي قُدم لأخيه عندما فُصـل من عمله في مصنع، وعندما فسخ خطيب أخته، وهو من أفراد قوات الأمن، الخطبة. وتتفق أقواله مع أقوال آخرين جُمعت من شتى أنحاء البلاد

وفي بعض الأحيان سُجن أشخاص ممن ينددون بالقمع، بعد إدانتهم بتهم جنائية ملفقة. ففي يوليو/تموز أعلن طارق السوسي، وهو معاق وسجين سابق في بنزرت، أنه لن يوقع ثانية لدى الشرطة، بعد أن ظل على مدى ست سنوات يفعل ذلك بأمر صدر إليه خارج الأطر القضائية. وعلى إثر ذلك هددته الشرطة بالسجن، وبعد خمسة أيام ألقت القبض عليه واتهمته بالاعتداء بالضرب على بائع متجول، وهو أمر يصعب تصديقه نظراً لإعاقته البدنية. ورفض القاضي خلال محاكمته طلب الدفاع إحضار من زُعم أنه المجني عليه إلى المحكمة. وفي 3 سبتمبر/أيلول، حُكم على السوسي بالسجن خمسة أشهر

ومن الضحايا السابقين للسجن بتهم ملفقة شخصيتان أكثر شهرة، هما السياسي المعارض محمد مواعدة والمحامي نجيب الحسني. فقد حُرم الحسني، الذي جاهر بالحديث في الداخل والخارج عن انتهاكات حقوق الإنسان في تونس، من جواز سفره وهاتفه، ومُنع من استئناف العمل بالمحاماة. كما اشتدت الضغوط على مواعدة بعد أن سافر إلى أوروبا في أواخر عام 1997 والتقى ببرلمانيين أوروبيين ومنظمات لحقوق الإنسان. فلدى عودته استجوبه المحققون عن اتصالاته في الخارج وحققوا معه بتهمة القيام بأنشطة هدامة. وقد وُضع من الناحية الفعلية رهن الإقامة الجبرية الجزئية في منزله، إذ مُنع من مقابلة الناس بحرية، كما حُظر عليه مغادرة منطقة تونس العاصمة

ويجيز القانون التونسي محاكمة المواطنين عن سلوكهم خارج البلاد، حتى لو كانت الأفعال التي يُنسب إليهم القيام بها مشروعةً في البلد الذي وقعت فيه، وتحظى بالحماية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي تعد تونس أحد أطرافه. وقد أُلقي القبض على عشرات من الطلاب العائدين إلى تونس في زيارات من أوروبا، واستجوبوا عن اتصالاتهم ولقاءاتهم بتونسيين في الخارج. وأُدين كثيرون منهم وسُجنوا بسبب ممارسة حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. ففي 29 مايو/أيار قبض على نزار الشعري الذي كان يقضي عطلة في بلاده بعد أن نال درجة الدكتوراه من جامعة تولوز. وعُرض على قاضي التحقيق يوم 16 يونيو/حزيران، أي بعد تسعة عشر يوماً من إلقاء القبض عليه، وبعد تسعة أيام من انقضاء الحد الأقصى الذي يحدده القانون التونسي للاحتجاز قبل العرض على سلطات التحقيق. وقد اتُهم بالانتماء إلى منظمة غير مشروعة والارتباط بعناصر إجرامية. وظل قيد الاعتقال لحين المحاكم

ة وفي 1997، أعلنت الحكومة مشروع قانون من شأنه أن يضع تحت سلطة القضاء كل القرارات المتعلقة بإصدار جوازات السفر وفرض قيود على السفر. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول دعت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" وأربع منظمات تونسية أخرى إلى سحب مشروع القانون. وقالت تلك المنظمات إن الأسباب التي يمكن على أساسها للقاضي المنع من السفر، وفقاً لمشروع القانون، فضفاضة وتنتهك مبدأ افتراض البراءة. وقال دعاة لحقوق الإنسان بشكل غير رسمي إن وضع هذه القضايا تحت إشراف القضاء لن يغير من الأمر شيئاً ما لم يُبد القضاة مزيداً من الاستقلالية

وفي حالتين تلقيان ظلالاً على دور القضاة المحتمل في الدفاع عن الحق الدستوري في حرية الانتقال والسفر، أوضحت السلطات أن قضاة يحققون في تهم جنائية هم الذين فرضوا حظر السفر على داعيتي حقوق الإنسان سهام بن سدرين ومصطفى بن جعفر. وكان الكشف عن هذه المعلومة في أواخر عام 1997، في رسالة إلى برلمانيين أوروبيين، هي المرة الأولى التي يسمع فيها بن جعفر وبن سدرين أنهما موضع تحقيق رسمي، وذلك منذ سحب جواز سفر الأول في عام 1994 والثانية في عام 1995. ولم تُوجه إلى أي منهما أية اتهامات رسمية

ونص قانون جديد للبريد، صدر في 2 يونيو/حزيران، على أن من أهدافه ضمان سرية المراسلات. غير أن القانون نص أيضاً على أن المواد المرسلة بالبريد التي... قد تُلحق الضرر بالنظام العام أو الأمن غير مقبولة، و أنه في حالة العثور على [ مثل] هذه المواد ... فسوف تُصادر بما يتفق مع القوانين المعمول بها

وكان الرئيس بن علي قد ناشد الصحفيين التونسيين، في خطاب ألقاه في نوفمبر/تشرين الثاني 1997، تجنب الرقابة الذاتية وضمان التعددية في الصحافة. لكن الصحافة واصلت خلال العام التالي تأييد السياسات الحكومية الرئيسية بالإجماع وبلا تحفظ، وتجاهل مشاكل حقوق الإنسان الداخلية. وعندما عرض توفيق بن بريك، الذي يكتب لمطبوعات أجنبية، تفاصيل عن مراقبة الشرطة الصارمة للمعارضين في عدد 12 يونيو/حزيران من الصحيفة الفرنسية اليومية "لا كروا"، استُدعي لمقابلة مسؤول بوزارة الداخلية. وقد مارس عليه هذا المسؤول ضغوطاً لحمله على تغيير مهنته. وواصل بن بريك عمله، لكنه ظل تحت المراقبة. وفي تطور أكثر إيجابية لم تُطبق بشكل صارم القوانين التي تنظم استخدام أطباق استقبال بث الأقمار الصناعية، وهو الأمر الذي سمح لعدد متزايد من التونسيين بمشاهدة إرسال محطات التلفزيون الأجنبية إلى جانب التلفزيون المحلي الذي تسيطر عليه الدولة

كما كان الرئيس بن علي قد أعلن، في نوفمبر/تشرين الثاني 1997، عن إجراءات تضمن لأحزاب المعارضة 20 في المائة على الأقل من مقاعد مجلس النواب في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في عام 1999 . إلا إنه لم تظهر أية بادرة تشير إلى أن هذه المبادرة لدعم التعددية ستشمل أحزاباً تتحدى صراحة العناصر الأساسية لبرنامج الحكومة. ولا تزال مثل هذه الجماعات كلها غير مشروعة قانوناً أو مستبعدة من البرلمان ومهمشة

وظهرت بعض الدلائل المحدودة على تزايد الجرأة السياسية، ومن بينها الإضرابات الطلابية لتحسين الأحوال في الجامعات، وبعض البيانات الجريئة عن أوضاع حقوق الإنسان التي وقعها نشطاء مستقلون، ونتائج الانتخابات في نقابة الصحفيين الوطنية وجمعية المحامين الشبان، والتي نُظر إليها على أنها بمثابة رفض لحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم

وشدد المسؤولون التونسيون على دور الهيئات الحكومية الكثيرة التي أُنشئت لمراقبة ومعالجة قضايا حقوق الإنسان. وحُلت مشكلات فردية في بعض الأحيان عندما قدم مواطنون شكاوى إلى الوحدات التي أُنشئت في الوزارات المختلفة بما فيها وزارة الداخلية. لكن الكثيرين من دعاة حقوق الإنسان يرون أنه لا يمكن معالجة الحالات الكبرى والانتهاكات الراسخة إلا بقرارات سياسية على مستوى عال

Return to the Top