Human Rights Watch
HRW World Report 1999
MENA Overview
Human Rgiths Developments
Human Rights Defenders
International Community
Algeria
Bahrain
Egypt
Iran
Iraq & Kurdistan
Israel
Saudi Arabia
Syria
Tunisia
التطورات في مجال حقوق الإنسان

كان مستوى القلق الدولي الناجم عن الوضع الطارئ لحقوق الإنسان بالجزائر، ومستوى النشاط الدبلوماسي الذي أدت إليه في عام 1998، أعلى مما شهده أي عام سابق منذ أن أصبح العنف ظاهرة مستوطنة بالبلاد عام 1992. وكان الحافز على الفزع الدولي يتمثل في سلسلة من المذابح الواسعة النطاق التي تعزوها السلطات رسمياً إلى الجماعات الإسلامية المسلحة، ولو أن هناك من الأدلة المقلقة ما يُوحي باحتمال تواطؤ قوات الأمن فيها. كما أبرز الإعلام أيضاً بعض الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن، وكانت من بينها حالات "الاختفاء" والتعذيب، وذلك بسبب جهود أقارب الضحايا والمدافعين عنهم، وزيادة اهتمام الصحف المحلية بهذه القضايا، واستعداد بعض النواب لإثارتها في البرلمان، وجهود مجموعات حقوق الإنسان والوفود الأجنبية الزائرة.

وفي يناير/كانون الثاني 1998، أدلى رئيس الوزراء أحمد أويحيى بأول بيان رسمي عن عدد القتلى الذين سقطوا في سنوات الحرب الأهلية الست، وهو 26536 قتيلاً حتى نهاية عام 1997. وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية، في الوقت نفسه تقريباً، إلى أن العدد يُقدر بنحو 70 ألف قتيل، وهو رقم يتفق مع التقديرات السائدة لدى المراقبين الغربيين. ولقد قُتلت آلاف كثيرة أخرى في غضون عام 1998. ولكن معظم الضحايا المدنيين، من قتلى ومصابين، في عام 1998 لم يسقطوا في المذابح التي تصدرت أنباؤها أجهزة الإعلام بل في هجمات ضيقة النطاق، ومن بينها انفجارات القنابل في الأسواق وغيرها من الأماكن العامة، والاعتداءات على السيارات والحافلات في الشوارع والطرق. ولم تكن مسؤولية الجماعات الإسلامية المسلحة عن معظم هذه الأحداث موضع أي شك

ويوجد من الأدلة القاطعة، ومن بينها شهادات الناجين، ما يؤكد ان الجماعات الإسلامية المسلحة قامت منذ عام 1992 بقتل آلاف الأفراد الذين استهدفتهم بسبب معارضتهم أو تحديهم لمطالب الإسلاميين ـ مثل رفضهم تقديم المال أو المؤن إلى الجماعات المسلحة، أو بسبب رفض النساء الالتزام بزي معين ـ أو بسبب قرابتهم أو نسبهم إلى بعض الفئات المستهدفة مثل رجال قوات الأمن. ولقد أقدمت الجماعات الإسلامية على قتل أسر بأكملها، وكانت أحياناً تختطف بعض الفتيات لإجبارهن على ممارسة الجنس في معسكرات رجال حرب العصابات. وقد ذكر الناجون من بعض هذه الاعتداءات لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن قتل أفراد أسرهم كانت تسبقه خطب دينية طويلة. واستمر في عام 1998 وقوع المذابح الواسعة النطاق التي بدأت في أغسطس/آب 1997؛ وقد راح ضحية المذابح التي وقع معظمها في القرى المعزولة في غربيّ البلاد ما لا يقل عن 800 شخص في أواخر ديسمبر/كانون الأول 1997 وأوائل يناير/كانون الثاني 1998. وفي إحدى الهجمات التي وقعت ليلة 11-12 يناير/كانون الثاني في سيدي حامد، التي تقع على بعد 30 كيلو متراً جنوبي الجزائر العاصمة، قُتل ما لا يقل عن 100 شخص. وفي قرية الشواردية في ولاية المدية، ورد أن 40 شخصاً قُتلوا في مذبحة لم تدم أكثر من ثلاث ساعات يوم 27 إبريل/نيسان

وقد أعلنت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهي الحركة السياسية التي أصبحت اليوم محظورة، وكانت على وشك الفوز بالانتخابات البرلمانية التي جرت عام 1992 ثم أُلغيت، أنها تدين مذابح المدنيين، وذلك عن طريق المتحدثين رسمياً باسمها والمقيمين في المنفى. وقيل إن جناحها المسلح، وهو "الجيش الإسلامي للإنقاذ" قد التزم إلى حد كبير بالهدنة التي بدأت أول أكتوبر/تشرين الأول 1997، وإن كانت قد وردت أنباء عن وقوع مصادمات عارضة بين الجيش الإسلامي المذكور وغيره من الجماعات المسلحة. وكانت فورة الغضب والاستياء، محلياً ودولياً، من هذه المذابح موجهة ضد مرتكبيها المجهولين ـ والذين قيل في البداية إنهم ينتمون إلى "الجماعة الإسلامية المسلحة" ـ وكذلك ضد عجز قوات الأمن عن حماية المدنيين. وفي بعض الحالات، وقعت المذابح على بعد بضع مئات من الأمتار من ثكنات ومخافر قوات الأمن. ورغم أن المذابح كانت تستمر ساعات متواصلة، وتشتعل فيها النيران، وينبعث الدخان، وتعلو أصوات الانفجارات وصيحات الاستغاثة، فلم تكن السلطات تبذل أدنى جهد للتدخل من أجل وقف الاعتداء أو القبض على المعتدين أثناء انسحابهم، وذلك طبقاً لما قاله الناجون في المقابلات التي أُجريت معهم

أما "الجماعة الإسلامية المسلحة" فهي مجموعة أو مجموعات سبق لها القيام بهجمات وحشية على أفراد قوات الأمن، واعتداءات إرهابية على المدنيين، وليس لها هيكل سياسي ظاهر يصدر تعليقات موثوق بها على أفعالها أو برنامجها. وقد صدرت باسم هذه الجماعة مراسيم ذات لهجة ممعنة في التشدد، وسمحت السلطات بنشرها في الصحف رغم نظام الرقابة الصارم الذي يُطبق على البيانات الصادرة عن زعماء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". ومنذ أن قُتل الزعماء الأصليون لهذه الجماعة في غضون عامي 1994 و1995، أصبحت أعمال القتل الجماعية، بصورة متزايدة، عنصراً من عناصر نمط الفظائع التي تُنسب إليها. وقد وقعت جميع المذابح تقريباً في أحياء منعزلة أو شبه ريفية كان أفرادها قد أدلوا بأصواتهم لصالح "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في انتخابات عامي 1990 و1991، وكان بعضهم يقدم الدعم للجماعات المسلحة منذ عام 1992. وقد فُسرت الاعتداءات في بعض الحالات على أنها بمثابة انتقام من هذه المجتمعات المحلية التي رجعت عن تأييدها للجماعة الإسلامية التي تغالي في تطرفها وكان المعتدون يظهرون قسوة غير عادية، فكانوا لا يكتفون بالأسلحة النارية بل يستخدمون السكاكين والمناشير في اجتزاز الرؤوس وبقر البطون، سواء أكان الضحايا من الرجال أو النساء أو الأطفال. وكان المعتدون يختطفون النساء أحياناً، فيغتصبوهن ويستعبدوهن، وإن كان من العسير تحديد نطاق تلك الممارسات. وقد أوردت صحيفة "الخبر" اليومية الجزائرية، في عددها الصادر يوم 5 أغسطس/آب، بياناً نسبته إلى مصادر وزارة الداخلية يقول إن 2884 امرأة أبلغن عن اغتصابهن على أيدي رجال الجماعات الإسلامية المسلحة في الفترة من عام 1993 إلى عام 1998. وكان من بين المختطفات 319 امرأة ما زلن في عداد المفقودين

وتركزت سلسلة المذابح التي وقعت ما بين أغسطس/آب 1997 ويناير/كانون الثاني 1998، في المناطق المتاخمة للجزائر العاصمة، والتي تتميز بوجود مكثف للمنشآت العسكرية، وفي ولاية غيليزان، بالقرب من ميناء أرزيو، الذي اشتهر بتصدير النفط، غربيّ الجزائر. وتقع بلدية بني مسوس على مشارف الجزائر العاصمة، وتكاد تحيط بها المنشآت العسكرية من جميع النواحي؛ وهي التي ذكرت الصحف أن نحو 80 شخصاً قُتلوا بها يوم 5 سبتمبر/أيلول 1997. وفي اليوم التالي لمذبحة الشواردية، قال الناجون للصحفيين الجزائريين إن قـوات الأمن لم تصل إلا بعد أربع ساعات ونصف ساعة من انتهاء المذبحة، رغم أن مخفر قوات الدرك شبه العسكرية لم يكن يبعد سوى كيلو متر واحد عن الموقع. وقد ثارت الشكوك في أن تكون جميع أعمال القتل المنسوبة إلى الجماعة الإسلامية المسلحة قد ارتكبتها منظمة واحدة، تمارس أفعالها بمفردها. ومما يدعم تلك الشكوك الموقف الذي اتخذته قوات الأمن تجاه مرتكبي المذابح في عامي 1997 و 1998، إلى جانب سلسلة من البيانات التي أدلى بها بعض مسؤولي الأمن السابقين والمقيمين في المنفى حالياً، حيث زعموا أن جهاز الاستخبارات العسكرية الجزائري، وهو جهاز الأمن العسكري، قد نشر بعض قواته المتنكرة في صورة أفراد الجماعات الإسلامية فتسللت إلى صفوفها واستغلتها لتحقيق مآربها

ولم تبرز إجابات قاطعة على التساؤلات التي تكتنف تلك المذابح؛ فلم تقم أي هيئة جزائرية مستقلة حتى شهر سبتمبر/أيلول بإجراء تحقيق دقيق فيها، ولم تسمح الحكومة الجزائرية لأية منظمة دولية لحقوق الإنسان، أو للمقررين المعنيين بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بالتحقيق في أعمال العنف

ولكن الشكوك تدعّمت من خلال المقابلات التي أجرتها منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" خارج الجزائر، والمقابلات التي أجرتها جهات أخرى ميدانياً مع الناجين من المذابح، والشهود من الأحياء المجاورة، والعاملين في مجال الإغاثة، والصحفيين، ورجال الأمن السابقين. وقد ظهر أن المعتدين، الذين كان يصل عددهم أحياناً إلى 200 شخص أو أكثر، كانوا يدخلون القرية ويرحلون منها عبر المنطقة العسكرية دون قيود ودون أن تبذل قوات الأمن الموجودة أدنى جهد لحماية المدنيين أو للقبض على أحد في الحال. ففى ليلة 29 أغسطس/آب 1997، على سبيل المثال، بدأت عمليات القتل في ضاحية الريّس، والتي ورد ان عدد ضحاياها بلغ 335 قتيلاً، عندما وصل رجال يرتدون الزي العسكري دون حياء في شاحنتين مفتوحتين، وأطلقوا النار على رجال كانوا يلعبون "الدومينو" عند مدخل القرية، وذلك وفقاً لما قاله الناجون لأحد عمال الإغاثة وصل بعد فترة وجيزة من انسحاب المعتدين

أما المعتدون الذين قتلوا ما يزيد على 250 شخصاً في بلدة بن طلحة، ليلة 23 سبتمبر/أيلول 1997، فقد دخلوا القرية سيراً على الأقدام عابرين بساتين البرتقال، ولكن بعضهم وصل، وفقاً لما تقوله رواية واحدة على الأقل، في شاحنات مفتوحة. وورد أن القتلة قد تمكنوا، حتى بعد وصول الجيش والشرطة والحرس البلدي إلى مشارف القرية، من نقل ما نهبوه وسلبوه في الشاحنات والرحيل دون أن يعترضهم معترض

وكان المعتدون في بلدة بن طلحة، شأنهم شأن المعتدين في القرى الأخرى، يفعلون ما فعلوه واثقين ثقة واضحة من أن قوات الأمن الموجودة في مسرح الأحداث لن تقوم بمهاجمتهم. وقد أخبر أحد الناجين، الذي تمكن من الفرار إلى سقف أحد المنازل مع بعض السكان، منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأنه شاهد عربتين مصفحتين من ناقلات الجنود تصلان إلى الموقع، قائلاً إنهما "توقفتا على مسافة تبلغ نحو 100 متر من موقع الاعتداء، ثم أضاءتا الأنوار العالية، ولا أدري لماذا، ما دامتا لم تقوما بإنقاذنا. وبدأ الناس يصيحون قائلين إن رجال الجيش قد أتوا لإنقاذهم، ولكنهم [قادة المعتدين] ردوا قائلين ‘اعملوا في هدوء! لن يأتي رجال الجيش! لا تقلقوا!’ ". وفي نحو الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء يوم 29 أغسطس/آب 1997، وهو الوقت الذي أُطلقت فيه أول طلقات في ضاحية الريّس، صدرت الأوامر إلى عمال الإغاثة، الذين كانوا يتولون جمع الجثث بصفة منتظمة بعد كل مذبحة، بأن يتأهبوا للعمل. وذكر أحد عمال الإغاثة لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن الفريق الذي يعمل به في الجزائر العاصمة صدرت له الأوامر بأن يوجه 20 سيارة من سيارات الإسعاف إلى نقطة تجمع بالقرب من ضاحية الريّس، ولكن رجال الدرك حجزوا السيارات هناك لمدة ساعتين تقريباً، ثم سمحوا لها بالدخول إلى القرية التي شهدت المذبحة في نحو الثانية صباحاً. ورغم كثرة إشارة المصادر الرسمية إلى خطر الألغام والكمائن التي تدبرها الجماعات المسلحة، تبريراً لتقاعس السلطات عن التصدي للمذابح أثناء وقوعها ووضع حد لها، فإن رجال الشرطة الذين كانوا يرافقون فريق الإنقاذ لم يعبأوا بأية ألغام أو متفجرات مفخخة أثناء دخولهم ضاحية الريّس، ولم يبدوا أي اهتمام بالاحتفاظ بالأدلة التي تثبت وقوع الجرائم التي ارتُكبت هناك. ووفقاً لما قاله أحد عمال الإغاثة، لم يكن أحد من رجال الجيش حاضراً عندما وصل فريق الإغاثة، رغم أن الجيش أتى برجال الصحافة إلى الموقع في الفجر. كما قال إن رجال الدرك تدخلوا لمنع القلة القليلة من الناجين من الحديث مع عمال الإغاثة، ومنعهم فيما بعد من الحديث مع غير أبناء المنطقة. وأضاف قائلاً إنه قام مع زملائه بنقل 335 جثة من موقع المذبحة، وتمكنوا من معرفة هوية الجميع عدا نحو 40 قتيلاً، وإن الرقم الكلي يبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم الذي أذاعته السلطات رسمياً للقتلى وهو 98 فقط

وقد وقعت مذابح ولاية غيليزان في القرى القريبة من نقطة التقاء أنابيب النفط والغاز الرئيسية، الممتدة من مناطق الإنتاج في أقصى الجنوب إلى ميناء أرزيو وإلى أنابيب الضخ إلى الجزائر العاصمة. وورد أن "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، وهو الجناح العسكري "للجبهة الإسلامية للإنقاذ"، كان يمارس عملياته في هذه المنطقة ذات الحساسية الاستراتيجية منذ عام 1993، كما ورد أن قوات هذا الجيش ساعدت الناجين في دفن موتاهم بهد انتهاء المذبحة

وكان من بين الناجين من ولاية غيليزان رجلٌ أرغمه المعتدون على إرشادهم إلى القرية ثم فر منهم واختبأ في مضيق جبلي؛ وقال بعض الناجين للصحفيين الجزائريين إن المعتدين كانوا غرباء عن المنطقة، ولم يكن معظمهم يتكلم اللهجة المحلية، وكان بعضهم يرتدون الزي العسكري. وقال أبناء القرية، في مقابلات أجراها معهم أحد دعاة حقوق الإنسان الجزائريين، إن أفراد الحرس البلدي ورجال الدرك العاملين في سوق المنطقة طلبوا منهم في صبيحة يوم من أيام المذابح أن يغادروا مساكنهم في اليوم نفسه، وأنذرهم أحدهم قائلاً "إن لم تفعلوا، فسوف تَعُدّون أرواح أطفالكم الليلة أمامنا". واستمر ورود أنباء عن أحداث القتل الثأرية وحالات الإعدام خارج نطاق القضاء التي ترتكبها قوات الأمن والآلاف من المدنيين المسلحين الأعضاء في مجموعات "الدفاع الذاتي"، التي تمارس نشاطها بصفة رئيسية في المناطق الريفية وتحت الإشراف الظاهري لرجال الجيش والشرطة. وفي إبريل/نيسان، ألقت الشرطة القبض على رئيسيّ بلدية في ولاية غيليزان، وقالت الصحف إن السبب هو الاشتباه في أنهما يتزعمان مجموعات "الدفاع الذاتي" التي تظاهرها الحكومة، والتي أعدمت أكثر من 70 شخصاً، معظمهم من المدنيين، في الفترة من عام 1995 إلى عام 1997. وقد أُطلق سراح العمدتين ريثما يحين موعد محاكمتهما بعد قضاء بضعة أيام في الحجز

ولم تُعاقب الغالبية العظمى من مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، ولم تستجب السلطات لطلب واحد من الطلبات العديدة التي تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان للحصول على معلومات محددة بشأن معالجتها للانتهاكات التي زُعم وقوعها؛ ولم تكن أجهزة الإعلام الجزائرية تنشر مثل هذه المعلومات إلا فيما ندر. وقال التقرير الذي رفعته الجزائر إلى "اللجنة المعنية بحقوق الإنسان" بالأمم المتحدة إن المحاكم كانت قد فرضت، حتى ديسمبر/كانون الأول 1997، عقوبات على 128 فرداً من أفراد قوات الأمن ومجموعات "الدفاع الذاتي" بسبب "التجاوزات في أداء واجباتهم"؛ ولكن التقرير لم يتضمن من التفاصيل ما يمكن التحقق من صدقه. وذكر وفد من وفود الأمم المتحدة أنه تلقى قوائم رسمية بهذه الحالات، ولكن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" لم تكن قد راجعت هذه القوائم حتى مثول التقرير الحالي للطباعة

وانخفض كثيراً عدد من قتلتهم الجماعات المسلحة من المفكرين، والمثقفين، والأجانب، ورجال الدين، والصحفيين عما كان عليه الحال في منتصف التسعينيات. وكان المغني القبائلي الشهير معطوب لوناس، المعروف بدافعه عن الثقافة الأمازيغية، من بين الشخصيات البارزة التي قُتلت؛ والأرجح أنه قُتل بسبب آرائه الصريحة؛ وذكرت الصحف بعد عدة أيام من إطلاق النار عليه في يونيو/حزيران، أن "الجماعة الإسلامية المسلحة" قد ادعت مسؤوليتها عن قتله؛ والمعروف أن معطوب لوناس كان ينتقد الحكومة ويعارض الإسلاميين معارضة شديدة

واستمر "اختفاء" مواطنين جزائريين في عام 1998؛ ورغم إنكار المسؤولين، فثمة أدلة تشير إلى مسؤولية الحكومة في العديد من الحالات؛ حيث روى الشهود أنهم رأوا الضحايا أثناء قيام جماعات من المسلحين باعتقالهم، وقالوا إنهم كانوا من رجال قوات الأمن؛ كما كان أفراد الأسرة يسمعون من مصادر غير رسمية أن الشخص المفقود قد شُوهد في أحد المعتقلات

وقام وفد الأمم المتحدة، الذي زار الجزائر في يوليو/تموز وأغسطس/آب، بمقابلة أفراد من عائلات بعض "المختفين" ومحاميهم وإثارة القضية مع المسؤولين. وبعد رحيل الوفد بثلاثة أسابيع، أعلنت وزارة الداخلية أنها أنشأت مكاتب خاصة لتلقي الشكاوى عن المفقودين في شتى أرجاء البلاد، ولكنها لم تعترف بأن للحكومة يداً في "اختفائهم". وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول أصدرت وزارة الداخلية بياناً قالت فيه إنها تلقت استفسارات عن عدد من المفقودين يبلغ 1735 شخصاً، ولكنها لم تقدم إلا معلومات محدودة، أو لم تقدم أية معلومات مؤكدة على الإطلاق، عن مصير هؤلاء الأشخاص حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول. ولم يمض أسبوع واحد على صدور ذلك البيان، حتى ذكرت إحدى الجمعيات التي تضم أسر "المختفين" أنها قد سجلت أكثر من 3000 حالة مما يُعتبر من حالات "الاختفاء"، وإن كانت هناك تقديرات أخرى تشير إلى عدد أكبر من هذا بكثير. وشاع قيام قوات الأمن بتعذيب المعتقلين على ذمة القضايا الأمنية في الفترة السابقة لتوجيه الاتهام لهم. وكان مما يسهل هذا التعذيب وجودهم لفترات طويلة قيد الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي في مراكز اعتقال لا تقر بها السلطات، واستعداد القضاة لإدانة المتهمين استناداً إلى اعترافاتهم، حتى لو توافرت الأدلة على أنها قد انتُزعت منهم بأساليب الإكراه التي لا تتفق مع الإجراءات الواجبة. وحظرت السلطات الكثير من المظاهرات والتجمعات استناداً إلى مرسوم حالة الطوارئ التي ظلت سارية المفعول في البلاد منذ عام 1992. ففي أعقاب الانتخابات المحلية التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 1997، والتي فاز فيها أحد الأحزاب الموالية للحكومة، خرج ما يربو على 15000 شخص من مؤيدي الأحزاب الرئيسية الأخرى إلى الشوارع للتظاهر احتجاجاً على ما زعموا أنه تزوير للانتخابات. ومنعت الشرطة الجمهور من تنظيم مسيرة ثانية بعد بضعة أيام. وفي 12 فبراير/شباط و 30 يونيو/حزيران، قامت الشرطة باستعمال القوة لتفريق المسيرات السلمية التي نظمها حزب "جبهة القوى الاشتراكية"، وهو من أحزاب المعارضة المسموح بها قانوناً

وبالرغم من حصول حزبين إسلاميين على مقاعد في البرلمان وحصول أحدهما على مناصب وزارية، فقد ظل الحظر المفروض على "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" قائماً. أما من خرج من السجن من زعمائها فقد ظل خاضعاً لشتى ألوان القيود، ومن بينها منعه من الإدلاء بتصريحات علنية، أو مقابلة الوفود الزائرة. وقد أمضى علي بلحاج، نائب رئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" معظم فترات العام محتجزاً في معتقل سري، ولا يزال سجيناً؛ وقد قابل أسرته في سبتمبر/أيلول، وذلك للمرة الأولى منذ سنتين. واتسمت الصحافة الخاصة في الجزائر، وكذلك محطات التليفزيون والإذاعة الخاضعة لسيطرة الحكومة، بتوسيع نطاق التغطية الإعلامية في عام 1998. إذ ألغت السلطات لجان القراءة التابعة لوزارة الداخلية والتي كانت تتمتع بسلطة فرض الرقابة على المواد الصحفية قبل نشرها، وخففت من صرامة تطبيق شرط الحصول على إذن مسبق قبل نشر أي موضوع يتعلق بالأمن

ومع ذلك، فقد حدث في أعقاب نشر مجموعة كبيرة من المقالات الشديدة اللهجة، التي لم يسبق لها مثيل، والتي تستهدف بعض الوزراء، أن أعلنت المطابع التابعة للدولة أنها سوف تتوقف عن طباعة أربع من الصحف اليومية الخاصة التي نشرت تلك المقالات، ما لم تسدد المبالغ التي تدين بها للدولة في غضون 48 ساعة. وهكذا بدأت تلك الصحف اليومية الأربع وثلاث صحف أخرى إضراباً دون أجل مسمى يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول للاحتجاج على ما وصفته بأنه عمل انتقامي من جانب الحكومة له دوافعه السياسية، ويُعتبر انتهاكاً للاتفاقات المبرمة والقائمة بين الصحف والمطابع. أما التليفزيون فقد ظل، بصفة رئيسية، بوقاً لآراء الحكومة؛ ومع ذلك فقد ازدادت المساحة المخصصة في إرساله لآراء المعارضة وآراء المنتقدين؛ وكان من أسباب ذلك إذاعة المناقشات البرلمانية، واستجواب النواب للوزراء، الذي كان يتسم بالحدّة أحياناً. وبدأت الصحف الخاصة تنشر بمزيد من الجرأة أنباء المذابح التي ينقلها مراسلوها مباشرة من مواقع الأحداث، وتزيد من تغطيتها لأنباء انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها قوات الأمن ومجموعات "الدفاع الذاتي". ولكن الأنباء التي كانت تنشرها عن تلك المصادمات، لا تشير بصفة عامة إلى القتلى والمصابين من قوات الأمن، وتكتفي بالإشارة إلى القتلى باعتبارهم "إرهابيين" وحسب، دون أن تذكر أسماءهم أو أعمارهم أو الظروف التي ماتوا فيها. وكان الكثير من الجزائريين يشاهـدون نشرات الأخبار التي تذيعها محطات أوروبا والشرق الأوسط عبر الأقمار الصناعية


Return to the Top