Saudi Arabia



Saudi Arabia Saudi Arabia
  

III. تقنين القوانين الجنائية

تتضمن جرائم الحد الزنا والاتهام الزائف بالزنا، والردة، وشرب الخمر، والسرقة، والثورة، والسطو المسلح. ويُطبق القصاص عادة في جرائم القتل والقتل غير المتعمد والتعدي البدني أو المادي أو الإضرار بسمعة شخص آخر. والعقاب بالتعزير يشمل كافة المجالات الأخرى التي قد يراها القاضي ضمن الجرائم والمنطوية على فعل عام، مثل عدم الحفاظ على الصلاة أو السلوك الفاحش أو الاحتيال على أشخاص آخرين.

وليس في السعودية قانون عقوبات مكتوب، لكنها تعتمد على تفسيرات القضاة للشريعة الإسلامية في تحديد أي الأفعال تعتبر جرائم وما هي العقوبة اللازمة لها. وتعريفات الجرائم وطبيعة وحدة العقوبات قد تتفاوت من قضية إلى أخرى. وفي عام 2005 تفاوضت السعودية لدخولها منظمة التجارة العالمية، فلجأ المسؤولون السعوديون إلى فكرة كشف عنها الملك عبد العزيز في الثلاثينات من القرن العشرين، وتقضي بمد المواطنين وضباط إنفاذ القانون والقضاة بوثيقة مكتوبة وواضحة تشمل كل ما يعتبر جريمة. وطبقاً للشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي لوزارة العدل وعضو مجلس الشورى السعودي، فإن "القيادة العليا" للبلاد وافقت على خطة لصياغة الفقه الإسلامي على هيئة مواد قانونية "لاستخدامها من قبل المحاكم لكن دون أن تكون مُلزمة لها".15

وعلى الرغم من تأكيدات العبيكان في عام 2005 بخصوص وجود خطة لتقنين الفقه القانوني الجنائي؛ فلم تتم مناقشة مثل هذه القوانين علناً أو تشريعها حتى كتابة هذه السطور.

(أصدرت السعودية قوانين وضعية تخص عدداً محدوداً من الجرائم، مثل الاختلاس، وإساءة استخدام السلطة الرسمية، والجرائم المتعلقة بالمواد المخدرة والمتفجرات. ولم يعد ديوان المظالم، بموجب التنظيم القانوني لاختصاصاته التي تم تعديلها في أكتوبر/تشرين الأول 2007، مسؤولاً عن الاختلاس وإساءة استخدام السلطة وقضايا المتفجرات، التي سوف تقوم بالنظر فيها مستقبلاً المحاكم الجنائية،16  وإن كانت لم يتم تشكيلها بعد. وتنظر المحاكم الشرعية في قضايا الأسلحة والمخدرات، وحتى السنتين السابقتين فقد أصدرت وزارة الداخلية أحكاما بشأن هذه الجرائم بعد أن أقرت المحكمة أحكاما بالجرم).

وما زال غياب قانون للعقوبات يشكل قصورا أساسياً يعتري القانون السعودي وعائقاً محورياً يحول دون حماية المواطنين السعوديين والمقيمين بالسعودية من الاعتقال والاحتجاز التعسفي والمحاكمات غير العادلة. وحين سألت هيومن رايتس ووتش أحد أعضاء لجنة الشؤون الإسلامية والقضاء وحقوق الإنسان بمجلس الشورى عن المطالبة بـ قانون للعقوبات، قال إن الآراء الصادرة عن مختلف العلماء بشأن مختلف الأمور الشرعية، والمكتوبة عادة منذ مئات الأعوام، تكفي كدليل لإرشاد القضاة.17 وقال وزير العدل عبد الله آل الشيخ في مقابلة مطولة شملت موضوعات كثيرة في 10 مارس/آذار 2007 عن نظام القضاء الجديد: "أصدر القصر الملكي موافقته المبدئية

وينص القانون الدولي على أن الحكومة مُلزمة بإخطار الخاضعين لولايتها بالأمور التي تعتبر جريمة. وهذا المبدأ مذكور في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي جاء فيها: "لا يُدان أي شخص من جراء أداة عمل أو الامتناع عن أداة عمل إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي وقت ارتكاب الجرم".19 والمادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يؤكد على هذا الحكم القانوني بنفس النص تقريباً. وهذا المبدأ القانوني ينص على أنه بموجب القانون الدولي، لا يحق للدولة أن تعاقب الأشخاص أو تفرض العقوبات عليهم إلا جراء ارتكاب أعمال يحظرها القانون. والقوانين المحددة للأعمال الإجرامية يجب أن تكون متاحة لكل الأشخاص المعنيين وأن تكون صياغتها بقدر من الدقة يكفي لتمكين المتهمين من المعرفة المسبقة، وبمشورة من محامين إذا لزم الأمر، تبعات القيام بتصرف معين. وحين لا يحظر القانون تحديداً فعلاً معيناً بطريقة تمكن المرء من الاطلاع عليه وأن يدرك تبعات أفعاله التي يحظرها القانون إذا ارتكبها بالحد المعقول، فلا يمكن اتهام الشخص حسب القانون بارتكاب جريمة.

ومبدأ المشروعية هذا يكمن في جوهر مبدأ سيادة القانون. ويمثل ضمانة هامة ضد التجريم التعسفي لأفعال غير خاضعة للتجريم من حيث المبدأ. والقوانين الفضفاضة واسعة التعريف بشكل مبالغ تنتهك هذا المبدأ وتقوض من سيادة القانون.

وقال محام وقاض سابق من الرياض لـ هيومن رايتس ووتش إنه يشعر بالإحباط والغضب من القيود المفروضة في نظام الإجراءات الجزائية في ظل غياب قانون للعقوبات، وقال: "لا أقبل قضايا جنائية لأنه لا يوجد قانون يمكنني أن أضع حججي تبعاً له".20 وأيد محام آخر من جدة هذا الرأي بقوله: "حالياً لا يوجد حوار قائم حول قانون العقوبات". وأضاف: "والسبب هو أن نظام الإجراءات الجزائية موجود، لكن نظام للإجراءات الجزائية دون قانون عقوبات أشبه بطائرة بجناح واحد، لا يمكنها الطيران".21

والحاجة إلى تدوين قانون للعقوبات هي حاجة مركزية فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، إذ أنه في غياب مثل هذا القانون فإن ممارسة حقوق الإنسان الأساسية في السعودية في الوقت الحالي قد تنطوي على مخالفة للقانون. والنظام الأساسي للحكم لا يشتمل على حماية إيجابية لحق التجمع أو تكوين الجمعيات على سبيل المثال، ويترك للقاضي تقرير إن كان فعلاً ما يتجاوز خطاً أحمر غير مكتوب ينطوي على عدم "طاعة ولي الأمر" و"المصلحة العامة". وهذه المفاهيم الخاصة بالطاعة والمصلحة العامة هي جزء من مساحة غير مُعرفة خاصة بالحاكم – بواسطة المراسيم – والقاضي – بواسطة الحكم على الأفعال الفردية – أن يضع حدوداً مؤقتة غير متوقعة لما يعتبر عملاً إجرامياً.

وقد شكل النشطاء الحقوقيون السعوديون لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية في عام 1993. ولم توافق السلطات السعودية على تأسيسها واعتقلت غالبية أعضاءها. وتطالب الجماعة بمزيد من الحماية لبعض حقوق الإنسان وتعارض تواجد القوات الأميركية في المملكة العربية السعودية. وجاء تأسيسها واعتقال أعضائها إثر صياغة النظام الأساسي للحكم في عام 1992، والذي جاء فيه: "تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية".22 وفي هذه الحالة كان المستخدم من النظام الأساسي للحكم الفضفاض للغاية في ضماناته في المادة 39 منه، حُكم قانوني استخدمه القضاة للحكم على النشطاء المعارضين بالسجن لمحاولة تكوين تنظيمات أو التحدث ضد السياسات والأفعال الحكومية.23 وتنص المادة 39 على: " يحظر ما يؤدي الى الفتنة أو الانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقتها العامة أو يسيئ الى كرامة الانسان وحقوقه". وتحتوي أحكام الشريعة على بعض الإشارات إلى ما يعتبر عصياناً أو شقاقاً (فتنة) لكن في غياب قانون عقوبات لا توجد قواعد يمكن التنبؤ بها في هذا الصدد ولا يوجد ما يكفي من قواعد لمعرفة ما يمثل جريمة.

وفي 16 مارس/آذار 2004 اعتقلت الحكومة 12 معارضاً من حركة الإصلاح السياسي والدستوري. وثلاثة من الرجال الـ 12، وهم علي الدميني وعبد الله الحامد ومتروك الفالح، رفضوا توقيع تعهد أثناء احتجازهم يتعهدون بموجبه بعدم الانخراط في أي جهود للإصلاح في المستقبل، وهو شرط لإطلاق سراحهم. وحكمت محكمة الرياض العامة عليهم في 15 مايو/أيار 2005 بالسجن لتسعة وسبعة وستة أعوام على التوالي، جراء صياغة شكوى ضد الملك وتوزيع هذه الشكوى على آخرين والترويج لها بواسطة المنافذ المحلية والدولية الإخبارية. ووجد القضاة أن المتهمين مذنبين بمناقشة قضايا الإصلاح التي "لا يعتبرونها مصلحة مرسلة24 وبالتالي فالحاكم [وحده له الحق في] ينظر ويقرر ما الذي [بين قضايا الإصلاح] يعتبر لصالح بلاده".25 وحين أصبح ولي العهد الأمير عبد الله ملكاً في أغسطس/آب 2005، أصدر فوراً عفواً عن الإصلاحيين الثلاثة وكذلك عن محاميهم ومناصريهم الذين تم احتجازهم أيضاً.

ويظهر من هذه القضية مدى اتساع سلطات القضاة في غياب قانون عقوبات مكتوب وواضح، في تحديد ما هو قانوني وما هو مُحرم. وهذا النطاق الواسع يمكن القضاة من تجريم المطالبات السلمية بالحقوق والإصلاحات. وفي هذه القضية أسفر هذا عن صدور أحكام بالسجن بحق أشخاص كانوا ببساطة يمارسون حقوقهم المحمية بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان

وفي أغسطس/آب 2006 اعتقلت الشرطة الناشطة بمجال حقوق المرأة وجيهة الحويدر جراء الوقوف على جسر يربط بين البحرين والسعودية ومعها لافتة عليها "اعطوا المرأة حقوقها".27 وكانت نية الحويدر بالتظاهر علناً وبشكل سلمي واضحة، لكنها لم تكن تعرف أنها بممارستها لحقها في حرية التعبير، وربما كان مخاطرة اجتماعية لها، فهي أيضاً جريمة يمكن اعتقالها لارتكابها. وبعد ستة أسابيع اعتقلتها المباحث وهي تعتقد أن الحويدر ترتب لوقفة احتجاجية للنساء في يوم المرأة السعودية في 20 سبتمبر/أيلول. وأطلقوا سراحها فقط بعد أن وقع شقيقها، وصيها الشرعي، على تعهد بأنها لن تحتج علناً ثانية.

ولم يكن أحمد محظوظاً؛ إذ شارك في مظاهرة سلمية في الرياض للمطالبة بالإصلاح في أكتوبر/تشرين الأول 2003، وكان سعد الفقيه، المعارض السعودي البارز المقيم في بريطانيا،28 قد دعا عليها عن طريق وسائل الإعلام. وبعد اعتقال أحمد في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2003 حكم عليه أحد القضاة بالسجن لعام ونصف العام لمشاركته في المظاهرة. وتم الإفراج عنه بعد انقضاء 10 أشهر، لكن في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2004 تم اعتقاله مجدداً وقضي عامين في السجن قبل أن يحكم عليه القاضي إبراهيم عبد الرحمن العتيق في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2006 بالسجن ثلاثة أعوام ونصف العام جراء "تحريض الرأي العام".29

وصياغة الجرائم في قانون مكتوب ينسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد لا يزيل القمع السياسي للمظاهرات السلمية، إلا أنه سوف يقلل من قدرة قوات إنفاذ القانون السعودية والمسؤولين القضائيين على الزعم بوجود أساس قانوني لمقاضاة واضطهاد الأشخاص جراء ممارسة حقوقهم.

وتدابير الحماية من القرارات التعسفية التي يوفرها تقنين قانون العقوبات تتجاوز بكثير تأمين حقي تكوين الجمعيات والتجمع باعتبارهما من حقوق الإنسان. ويبدو أن أنصار تقنين الشريعة الإسلامية يتقدمون. فحين أصدر الملك في عام 1990 نظاماً يقنن بموجبه قواعد إجراءات المحاكم الشرعية، و"راجعه بالكامل" كبار العلماء، تعين "إلغاء القانون خلال أسابيع نتيجة للاعتراضات الكثيرة من القضاة" وهذا طبقاً لأحد المعلقين.30 وبعد عشرة أعوام تمكن الملك من إصدار القانون، وبعد عامين من هذا التاريخ صدر نظام الإجراءات الجزائية. ومع عودة الخلاف حول تقنين الجرائم وعقوباتها إلى السطح، كتب المحامي السعودي خالد النويصر في عام 2007 أن "تقنين القواعد القضائية سوف يساعد على سد الثغرة في القواعد القانونية" وسوف يؤدي إلى مزايا هامة، منها "معالجة العيوب الموجودة في التشريعات".31

وحتى كبار العلماء الآن يفضلون تقنين الجرائم. وقال عضو من هيئة كبار العلماء، وهو الشيخ عبد الله المنيع، لصحيفة الشرق الأوسط اليومية والتي توزع في أرجاء العالم العربي في مارس/آذار 2006:

إنني أطالب [بوضع القوانين] منذ 25 عاماً. طالبت بالتقنين طبقاً لمذاهب الفقه الأربعة، وليس فقط المذهب الحنبلي. وإذا قامت جهة رسمية بتولي هذه المسؤولية فسوف تقلل كثيراً من المصاعب وتشكل عاملاً قوياً في التعجيل بإصدار الأحكام في القضايا. كما سيجعل الأحكام أوضح بكثير بالنسبة للخصوم المتقاضين حين يذهبون إلى المحكمة.32




15  عدوان الأحمري، "العبيكان يكشف عن تواجد الإخوان المسلمين في السعودية"، الوطن، أبها، 18 مايو/أيار 2005، تم نشره مترجماً تحت عنوان: Saudi Adviser on Judicial Reform, Jihad in Iraq, Muslim Brotherhood's Presence,” Global News Wire – Asia Africa Intelligence Wire ثم في البي بي سي في 26 مايو/أيار 2005.

16  نظام ديوان المظالم، 2007، مادة 11. هـ، الوطن، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2007.

17  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو من لجنة الشؤون الإسلامية والقضاء وحقوق الإنسان بمجلس الشورى، الرياض، 3 ديسمبر/كانون الأول 2006.

19  الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تم تبنيه في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948، G.A. Res. 217A(III), U.N. Doc. A/810 at 71 (1948) المادة 11.

20  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عبد العزيز القاسم، محامي، الرياض، 6 ديسمبر/كانون الأول 2006.

21  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عصام البصراوي، محامي، جدة، 11 ديسمبر/كانون الأول 2006.

22  النظام الأساسي للحكم، مادة 26.

23  مقابلات هيومن رايتس ووتش مع المفكرين الإسلاميين والنشطاء، الرياض، 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وجدة، 10 ديسمبر/كانون الأول 2006.

24  "الجدل بشأن مصلحة مرسلة يعني الوصول إلى استنتاجات قانونية لاتستند إلى أحكام إلهية قائمة، بل إلى المنطق القانوني بشأن ما هو في الصالح العام ولصالح رفاهية المجتمع". انظر: Asifa Quraishi, “Interpreting the Qur’an and the Constitution: Similarities in the Use of Text, Tradition, and Reason in Islamic and American Jurisprudence,” Cardozo Law Review, Vol. 28:1, 2006 صفحة 104.

25  محكمة الرياض العامة، جلسة النطق بالحكم، 15 مايو/أيار 2005.

27  انظر: “Saudi Arabia: Lift Gag-Order on Rights Campaigner. Women’s Rights Activist Forced to Sign Oath Not to Protest,” بيان صحفي لـ هيومن رايتس ووتش، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2006، على: http://hrw.org/english/docs/2006/10/31/saudia14483.htm.

28  تمت إضافة اسم سعد الفقيه إلى قائمة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في 24 ديسمبر/كانون الأول 2004.

29  مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع أحمد، سجن الحائر، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

30  انظر: Abdulaziz H. Al Fahad, “The Prince, The Shaykh – and The Lawyer,” Case Western Reserve Journal of International Law, vol. 34, issue 2, Supplemental (2000), . .. صفحة 315.

31  انظر: Dr. Khalid Al-Newaisier, “The Importance Of Codifying Judiciary Judgments and Recording Fiqh (Jurisprudence) Scholars Diligences (Edicts),” Al-Eqtisadiah Business Daily, 3 مارس/آذار 2007، العدد رقم 4894، الترجمة على موقع: www.saudilaws.net (تمت الزيارة في 12 مارس/آذار 2007).

32  هدى الصالح، "حوار مع عضو مجلس كبار العلماء السعودي الشيخ عبد الله المنيع"، الشرق الأوسط، الطبعة الإنجليزية، 23 مارس/آذار 2006، على: http://www.aawsat.com/english/news.asp?section=3&id=4254 (تمت الزيارة في 19 مارس/آذار 2007).