Saudi Arabia



Saudi Arabia Saudi Arabia
  

الجزء الأول: القانون السعودي

I. الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

تعتبر المادة 1 من النظام الأساسي للحكم (1992) الخاص بالمملكة أن القرآن والسنة النبوية هما دستور الحكم: المملكة العربية السعودية "دستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله".6 وتطبق المملكة العربية السعودية الشريعة (الشريعة الإسلامية) باعتبارها قانون البلاد. والشريعة تستند إلى تفسير القرآن والسنة المؤكدة وأحاديث النبي محمد لاشتقاق بشكل مباشر وغير مباشر القواعد المعيارية الحاكمة لسلوك المسلمين وفي بعض الحالات غير المسلمين.

والمعرفة بالشريعة ليست سهلة أو يسيرة على عامة الناس، ولا هي مجموعة مقننة من القواعد المحددة. إذ أنه لكي يفهم المشرعون ودارسو القانون الشريعة وتطبيقاتها وأصولها وأحكامها، فهم يدرسون القرآن والسنة وكتب مختلف العلماء الكبار السابقين، وتستغرق هذه الدراسة سنوات في العادة. ويتبنى علماء الشريعة منهجيات معينة تدعى (أصول الفقه)، مثل تدارس اللغة وسنة النبي المحققة المثبتة،7 ثم تتم دراسة الفقه، وهذا في العادة تبعاً لمذهب فقهي محدد. وفي العادة يتبع السنة إحدى أربعة مذاهب فقهية، وكل منها على اسم مؤسس المذهب، وهي الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية. وغالبية الشيعة يتبعون المذهب الجعفري أو الزيدي، لكن توجد مذاهب أخرى.

وقد تبنى الحاكم المؤسس للسعودية أفكار التغيير التي أطلقها محمد عبد الوهاب بعد أن منحه اللجوء، وهو عالم ورجل دين متجول من القرن الثامن عشر. وتحت تأثير الفكر الوهابي، فإن السعودية في الوقت الحالي خاضعة لتأثير التفسير الحرفي للقرآن والسنة. وعلى الرغم من أن عبد الوهاب أسند تفسيراته إلى فهمه الخاص للنصوص الأصلية، فإن منهجه قريب من منهج المذهب الحنبلي الفقهي. ويمتنع أتباع المذهب الحنبلي عن استخدام المصادر المشتقة للشريعة المتمتعة بالإجماع للحكم في أي موضوع. وبينما تعتبر المذاهب الفقهية الأخرى المصادر التي يوجد إجماع عليها مصادر فقهية مُلزمة، يراها الحنابلة أحياناً تجديداً لا ضرورة له لمنح السلطات التشريعية للقضاة. كما أن المذهب الحنبلي لا يشجع على الاستعانة بالسوابق. بل يفضل القضاة الحنابلة استخدام اجتهادهم الخاص بهم في الفقه والتشريع حسب القرآن والسنة، لإصدار الأحكام المناسبة في القضايا التي ينظرونها.8 وفي العموم يتبع القضاة السعوديون والمحكمون الرسميون للأخلاق العامة المذهب الحنبلي، ويُدعون كثيراً باسم "الوهابيين"، وهو مصطلح يشير إلى انتماءهم الفقهي إلى عبد الوهاب.

وقد استمر تقسيم السلطة بين الحكم المطلق لآل سعود من جانب والمؤسسة الدينية الوهابية من جانب آخر، على مدى القرون وفترات من الاضطراب المؤقت في الدولة السعودية.9 وللمؤسسة الدينية السعودية تأثير واسع على كل مظاهر الحياة اليومية. فعلماء الدين والمسؤولون بهذه المؤسسة يكتبون ويراجعون الكتب المدرسية. ومسؤولو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلقون المحاضرات على التجمعات العامة ويعلمون القرآن في السجون والمؤسسات الاجتماعية، ويراقبون السلوك الأخلاقي للعامة.10 ويخطب المسؤولون الدينيون في المساجد المحلية حيث حضور الصلوات إجباري. والقضاء و تكاد المؤسسة الدينية أيضاً مسؤولة عن القضاء بالكامل.

وعلى الرغم من أنها ليست الرؤية الوحيدة القائمة، فإن الآراء المحافظة تهيمن على مجريات عمل المؤسسة الدينية، من رفض حريات شخصية أوسع مثل اختيار المرأة لملبسها، وضد اتخاذ خطوات باتجاه التحديث، مثل تقنين الشريعة أو تيسير عمل المرأة. وفي مارس/آذار 2006 نشر محسن العوضي – وهو صاحب صوت مسموع بين المحافظين – على موقعه نقداً قاسياً للجهود التحديثية لوزير العمل غازي القصيبي. وفي الشهر نفسه تهجم بعض المحافظين، ومنهم من تربطهم الصلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على معرض الرياض الدولي للكتاب وقاموا بمضايقة الكُتاب، خاصة الكاتبات من النساء. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2006 هاجم محافظون شباب في أغلبهم مسرحية تؤديها فرقة مسرحية في جامعة اليمامة. وفي مارس/آذار 2007 وقع بعض الرجال المتدينين شكوى ضد دعوة النساء إلى منتدى الطائف الأدبي.

ولا تنشر الحكومة السعودية تفسيرات رسمية للشريعة. ولم تنشر الحكومة في مجال القانون الجنائي نصاً تفسيرياً له قوة القانون يضم التعريفات الدقيقة للأفعال التي تعتبر جرائم، مثل "عصيان الحاكم". وعلى النقيض من قطر، التي تتبع بدورها المذهب الحنبلي، فإن السعودية ليس فيها قانون عقوبات مكتوب.

وترجع مهمة تفسير وتطبيق الشريعة بالأساس إلى القضاء، المكون من المحاكم والقضاة والمجلس الأعلى للقضاء، هيئة كبار العلماء، والمفتي ووزارة العدل. والمادة 48 من النظام الأساسي للحكم تنص على أن: "تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة".11 إلا أن الشريعة صامتة إزاء بعض المجالات التي طرأت في الحياة المعاصرة والتي تستلزم تطبيق قواعد قانونية دقيقة. ولملء هذه الثغرة فإن رئيس الوزراء السعودي (وهو منصب يتولاه حالياً الملك) قد يُصدر بعض القوانين الوضعية – تسمى أنظمة لتفرقتها عن قوانين الله الموضوعة في الشريعة – طالما هي لا تعارض الشريعة. والمادة 48 من النظام الأساسي للحكم، وهو ذاته قانون وضعي، تلزم المحاكم أيضاً بتطبيق الشريعة الإسلامية "وفقاً... لما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة". وقد نشرت المملكة العربية السعودية المئات من هذه القوانين الوضعية لتنظيم مجالات لا توجد فيها أحكام شرعية أو تفسيرات من الشريعة بعيدة الصلة عنها، مثل أنظمة المرور والبنوك.




6  النظام الأساسي للحكم، صحيفة أم القرى، عدد رقم 3397، مكة، 6 مارس/آذار 1992، مادة 1.

7  يعتمد منهج الإسناد على التحقق من درجات الدقة والصدق في أقوال أشخاص كثيرين مرروا قولاً ما من جيل إلى آخر. وكلما تزايد عدد الأشخاص الذين قاموا برواية نفس القول أو العمل دون وجود ثغرات من جيل إلى آخر؛ زاد صدق هذا القول أو العمل. ويختلف الشيعة والسنة حول ما يعتبرونه قولاً أو عملاً يتمتع بالمصداقية. فالسنة يفترضون صدق أقوال وأعمال السنة النبوية المذكورة من قبل عالمين إسلاميين هما بخاري ومسلم.

8  انظر: Natalie de Long Bas, Wahhabi Islam: From Revival and Reform to Global Jihad (Oxford University Press, 2004)

9  في عام 1818 غزت قوات مصرية تحت قيادة إبراهيم باشا التابع للإمبراطورية العثمانية، عاصمة السعودية الدرعية، لتضع حداً لأول حقبة من حكم المملكة السعودية. وبدءاً من عام 1824 استعاد حاكم من آل سعود الرياض، ووسع من حكمه بدءاً من هناك ليستعيد أراضٍ من اليمن – الحجاز والقاسم والأحساء – كانت قد فقدت أثناء الغزو المصري. وبين عام 1887 و1902 حكم آل رشيدي من الحائل شمال غرب الرياض المناطق الوسطى من السعودية، لتضع حداً لثاني مملكة سعودية. وفي عام 1902 عاد حاكم من آل سعود من المنفى في الكويت ليؤسس المملكة الثالثة. وهذا الحاكم، الذي أصبح فيما بعد الملك عبد العزيز، قام بغزو المناطق الأساسية في السعودية الحالية، وهذا في غزوات استغرقت حتى عام 1925. انظر: Madawi al-Rasheed, A History of Saudi Arabia, (Cambridge University Press, 2002) صفحات 14 إلى 49.

10  هذه الهيئة (الحسبة) هي مؤسسة قديمة كانت في الدولة الإسلامية، وفي مصر على سبيل المثال كان لمسؤوليها سلطات واسعة في تنظيم الأوزان والقياسات والمعاملات التجارية في الأسواق.

11  النظام الأساسي للحكم، مادة 48.