Saudi Arabia Saudi Arabia |
VIII. التعذيب والمعاملة غير الإنسانية والمهينة
بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي صدقت عليها السعودية في عام 1997، فإن المملكة العربية السعودية ملتزمة بأن تتخذ: "إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب".354 وكذلك الالتزام بمنع "أي أعمال أخرى من أعمال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب".355
والمادة 2 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي تنص على حق الأشخاص المعتقلين في ألا يتعرضوا للإيذاء "جسدياً أو معنوياً" أو "للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة".356 والمادة 35 تفرض التزاماً إيجابياً على المسؤولين بـ: "معاملته [الشخص المعتقل في حالات التلبس] بما يحفظ كرامته".357 إلا أن المادة 2 والأحكام التالية عليها في نظام الإجراءات الجزائية لا تحدد تعريفاً للـ"تعذيب" أو "المعاملة المهينة للكرامة" ولا هي تنص على عقوبة قانونية لممارسة التعذيب.
وحقوق إجراءات التقاضي السليمة تعتبر ضمانة أساسية ضد المعاملة السيئة أثناء الاحتجاز. وحين يمكن للمحتجزين ممارسة حقهم في التواصل مع العالم الخارجي، وتعيين محامي، والسعي للمراجعة القضائية لقانونية احتجازهم، فإن خطر التعرض للإساءة أثناء الاحتجاز للاكتشاف يصبح أكبر بكثير.
إلا أن الضمانات الإجرائية وحدها لا تكفي لإيقاف المعاملة السيئة. وثمة عنصران رادعان آخران بالغا الأهمية. الأول هو أنه يجب أن يُجرِم القانون أفعالاً محددة تنطوي على المعاملة السيئة ويجعل أي دليل يتم الحصول عليه تحت تأثير أي من هذه الممارسات غير مقبول.358 ولهذا الأمر أهمية خاصة في حماية حق المحتجز في عدم إدانته لنفسه متى شاء. وعلق مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني باستقلال القضاء في تقريره عن السعودية قائلاً: "إن الاعتماد على أدلة الاعتراف يفاقم من مشكلات الاحتجاز المطول وفرض الضغوط على المحقق لاستخلاص التعذيب من الشخص المتهم".359
وتنص معايير المحاكمة العادلة على أنه: "يُحظر استغلال حالة الشخص المحتجز أو المسجون استغلال غير لائق بغرض انتزاع اعتراف منه أو إرغامه على تجريم نفسه بأية طريقة أخرى أو الشهادة ضد أي شخص آخر". كما أنه: " لا يعرض أي شخص أثناء استجوابه للعنف أو التهديد أو لأساليب استجواب تنال من قدرته على اتخاذ القرارات أو من حكمه على الأمور".360
ويبدو أن المادة 102 من نظام الإجراءات الجزائية ترجع صدى الحظر الدولي على المعاملة السيئة للسجناء، وجاء فيها:
إلا أن أجزاء أخرى من القانون السعودي تفتح الباب لمثل هذه المعاملة. فالمادة 34 من نظام الإجراءات الجزائية تفرض ضغوطاً على المشتبه لكي يعترف، باستمرار احتجاز المشتبه به إذا: "لم يأت [المتهم] بما يبرئه".362 والمادة 101 من النظام تقول بأنه في حالة امتناع المتهم من أن "يوقع [أقواله المذكورة في الاستجواب]، المتهم على أقواله بعد تلاوتها عليه، اثبت المحقق امتناعه عن التوقيع في المحضر".363
ثانياً، في القانون الدولي، على الادعاء أن يتحرى عن كل حوادث المعاملة السيئة ويقاضي المرتكبين، وهذا دون اعتبار لرتبهم، وعلى القضاة ألا يمتنعون عن الحكم ضد المسؤولين. ومبادئ التحقيق والتوثيق الفعال لحالات التعذيب وغيرها من أنواع المعاملة أو العقوبة القاسية وغير الإنسانية أو المهينة التي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2000، والمعروفة أيضاً بـ"مبادئ أسطنبول"، تضع دليلاً توجيهياً بشأن ما ينطوي عليه الالتزام بالتحقيق في التعذيب.364 وتتطلب المعايير الدولية أن يتم التحقيق في مزاعم المعاملة السيئة بصورة مستقلة لضمان أن التحقيقات شاملة وفعالة وتتمتع بالمصداقية.365 والمادة 3 ب من مبادئ أسطنبول تنص على أن الأشخاص "المحتمل ضلوعهم في التعذيب أو المعاملة السيئة، يجب أن يستبعدوا من أي منصب أو سلطة، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، على المشتكين والشهود وأسرهم، وكذلك على من يجرون التحقيق". كما جاء في مبادئ أسطنبول أن الظروف قد تملي تنفيذ التحقيقات من قبل لجان مستقلة أو غيرها من الهيئات المماثلة.
والمدخل إلى المبادرة بالتحقيق – "الأسس المعقولة" – لا يتطلب أن يكون المشتكي أو الضحية قادراً على إثبات دليل لا يمكن دحضه على تعذيبه. والمادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب تلزم الدول بأن تضمن "لأي فرد يدعى بأنه تعرض للتعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة".366
ويحتوي القانون السعودي على ثغرات واسعة في التحقيق بمزاعم التعذيب والمعاملة السيئة، وحماية من يتقدمون بهذه المزاعم وحقوقهم الخاصة بالحصول على تعويض. والمادة 38 من نظام الإجراءات الجزائية تمنح المحتجزين الحق في تقديم الشكاوى – المفترض أنها تشمل شكاوى عن التعذيب أثناء التحقيق – إلى هيئة التحقيق والادعاء العام. والادعاء يعمل تحت سلطة وزارة الداخلية ولهذا فهو ليس مستقلاً تماماً عن سلطات إنفاذ القانون.
وأخيراً فإن المادة 14.1 من اتفاقية مناهضة التعذيب تلزم الدول الأطراف بإنصاف ضحايا التعذيب، وبتعويضهم وإعادة تأهيلهم.367
الاعتراف بالإكراهفي إجراء يُدعى تصديق الأقوال، يُطلب إلى المتهم أن يصدق على أقواله التي أدلى بها أثناء التحقيق. ولا يمثل المتهم دائماً أمام قاضٍ أثناء هذه العملية، التي تشمل وضع بصمة إصبعه على بيانات مكتوبة للتصديق عليها ولاستخدامها في المحكمة لاحقاً، وكثيراً ما تعتبر نقطة نهاية للاستجواب الرسمي. وما إن يتم تصديقها فإن الأقوال تدخل ضمن نطاق الأدلة، ولا يشكك القضاة في صحتها.
وقد تنامى إلى علم هيومن رايتس ووتش روايات متكررة ومتسقة حول كيف يلقى المحتجزون المعاملة السيئة ويجبرون على توقيع الاعترافات التي تستخدم ضدهم لاحقاً في المحاكمة.
وفي سجن الحائر قابلت هيومن رايتس ووتش مجموعة من ثمانية سجناء قالوا جميعاً إن المحققين كانوا يضربونهم بشكل منهجي في مركز الشرطة، بمنافض رماد السجائر، والركلات واللكمات والعصي والأسلاك الكهربية، وهذا لدفعهم إلى الاعتراف السريع. وقالوا إنهم تعرضوا للتعليق من أذرعهم وأقدامهم و/أو تم رش مياه باردة عليهم. وزعم أحد السجناء أن بعض المسؤولين قاموا بضربه ضرباً مبرحاً حتى إنه نُقل إلى المستشفى، وضربوه ثانية حينما عاد من المستشفى.368 كما قالوا إنهم رفضوا في البداية الاعتراف بالجرائم المنسوبة إليهم وإنهم تم نقلهم إلى قسم الأدلة الجنائية، لمزيد من التحقيق. وقال سجناء في سجن الحائر لـ هيومن رايتس ووتش إن قسم الأدلة الجنائية الذي تم استجوابهم فيه كان "مركز استخلاص اعترافات" منفصلاً، حيث ترسل السلطات المشتبهين الذين لا يعترفون في مركز الشرطة.369
وقالت مجموعة الثمانية سجناء إنه تم تدوين إصاباتهم في الاستمارات الطبية على أنها إصابات جراء "إصابات عمل".370 واتفق السجناء الثمانية جميعاً على أن أسوأ أشكال الضغوط جاءت من الشرطة التي استخدمت أقاربهم للضغط عليهم لكي يعترفوا.371
وقال السجناء في سجن الحائر لـ هيومن رايتس ووتش إنه مع رفض الاعتراف تم نقلهم أيضاً إلى الحبس الانفرادي في زنازين بمساحة متر في متر ونصف في مركز الشرطة.372 وفي هذه الزنازين يتراوح الحبس الانفرادي من تسعة أيام إلى ثلاثة اشهر. وزعم غالبية المحتجزين إنهم تعرضوا للاحتجاز لفترات تراوحت بين شهر وشهرين.
وقال أمجد، المحتجز بسجن الحائر، لـ هيومن رايتس ووتش كيف أدى به الضغط المتزايد، سواء النفسي أو البدني، إلى الاعتراف. وفي مركز الشرطة:
وحين استجوبت المباحث بادي باتهامات خاصة بالانتماء إلى حزب سياسي، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه اعترف تحت تأثير التعذيب. وبعد عيد الفطر في يناير/كانون الثاني 1999:
وقام جهاد بالتمييز في إدانته في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وكان قد أدين لأنه قابل مهرب أسلحة مشتبه به، والحكم على أساس من مزاعم المدعي العام فقط، وهي تخص اعتراف بالإكراه تم انتزاعه أثناء التحقيق. وفحصت هيومن رايتس ووتش طلب التمييز الذي حدد فيه جهاد زعمه بأن ضباط المباحث اعتدوا عليه وأهانوه وقاموا بسبه وقذفه وركلوه في وجهه بالأحذية الثقيلة، ثم ضربوه بعصا على جسده كله، قبل أن يتم استجوابه، وقبل أن يعرف بسبب اعتقاله. وأثناء الاستجواب الذي استغرق عدة أسابيع، كسر رجال إنفاذ القانون فكه بإدخال حذاء في فمه، وحتى "سال الدم من وجهه وغالبية أجزاء جسده"، طبقاً للبيان الذي أعده محاميه.375
وحين قابلت هيومن رايتس ووتش فواز، كان في سجن نجران العام بانتظار محاكمته منذ اعتقاله في 12 مارس/آذار 2005، بتهمة إخفاء مجرم. وقال لنا إنه لا ينكر أنه قابل موظف خزانة من شركة الأهلي بعد أسبوع من سرقة الموظف لنقود من الشركة، لكنه قال إنه لم يلعب دوراً في السرقة. وقال فواز لـ هيومن رايتس ووتش إنه تعرض للضرب عدة مرات أثناء الشهور الثلاثة أتي قضاها في مركز التحقيق الجنائي، حيث استجوبه ضباط التحقيق الجنائي والادعاء العام. وإلى جانب الضرب زعم أن الضباط حرموه من النوم لفترات مطولة. وقال إنه اعترف نتيجة للتعذيب وصدق على أقواله في تصديق الأقوال. ويخشى أن تستعين المحكمة بأقواله المصدقة المنتزعة بالإكراه.376
وروى أسامة لـ هيومن رايتس ووتش قصة مماثلة عن الاعتراف بالإكراه الذي تم تصديقه فيما بعد في إجراء موجز بالمحكمة. وكانت الشرطة قد اعتقلت أسامة في نقطة تفتيش بعد حادث تضمن إطلاق أعيرة نارية في مظاهرة كبيرة على مقربة من سكن حاكم نجران في أبريل/نيسان 2000. ووصف أسامة تعرضه لتهديدات بالاعتداء الجنسي والانتقاص من إيمانه وتعرضه للضرب وإجباره على اتخاذ أوضاع مجهدة لفترات مطولة، والحرمان من النوم الذي كابده منذ سبعة أعوام. وقال لـ هيومن رايتس ووتش:
وأضاف أسامة:
أما إيبوت، الكاميروني السجين منذ عام 2006، فقال لـ هيومن رايتس ووتش إنه أثناء فترة شهرين وعشرين يوماً قضاها في مركز الشرطة، قامت الشرطة بضربه مرتين بشدة حتى إنه احتاج للعلاج في المستشفى. وأوضح إيبوت أن الشرطة جلبته إلى مدخل المستشفى الخلفي وقالوا للممرضة التي عالجته وهو مقيد اليدين والقدمين، إن إيبوت سقط في زنزانته. وقال إنه اعترف بعد الضرب لثاني مرة وتم نقله إلى كاتب المحكمة في محكمة جدة الجزئية في شارع التحلية بعد يومين، حيث قال له الكاتب إنه لا يوجد ما بوسعه أن يفعله بشأن إصاباته الظاهرة. وأخذ الكاتب أقوال إيبوت إلى القاضي وأعادها ووضع عليها بصمة إصبع إيبوت على سبيل التصديق.378 354 اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب)، تم تبنيها في 10 ديسمبر/كانون الأول 1984، G.A. res. 39/46, annex, 39 U.N. GAOR Supp. (No. 51) at 197, U.N. Doc. A/39/51 (1984) ودخلت حيز النفاذ في 26 يونيو/حزيران 1987، مادة 2. 355 المرجع السابق مادة 16. 356 نظام الإجراءات الجزائية، مادة 2. 357 المرجع السابق، مادة 35. 358 " تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال". اتفاقية مناهضة التعذيب، مادة 15. 359 المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، داتو بارام كوماراسوامي، وفيه أسئلة عن استقلال القضاء وإدارة القضاء والإفلات من العقاب E/CN.4/2003/65/Add.3 14 يناير/كانون الثاني 2003، فقرة 100. 360 مجموعة المبادئ، مبدأ 21. 361 نظام الإجراءات الجزائية، مادة 102. 362 المرجع السابق، مادة 34. 363 المرجع السابق، مادة 101. 364 مبادئ التحقيق والتوثيق الفعال لحالات التعذيب وغيرها من أنواع المعاملة أو العقوبة القاسية وغير الإنسانية أو المهينة (مبادئ أسطنبول)، الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرار رقم 55/89 ملحق 1، 4 ديسمبر/كانون الأول 2000. 365 جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب، المادة 12: "تضمن كل دولة طرف قيام سلطاتها المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية". وطبقاً لمبادئ أسطنبول (المبدأ 5 (أ))، فإنه "يجب تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الحالات التي لا تكفي فيها إجراءات التحقيق القائمة بسبب نقص الخبرة أو اشتباه التحيز، أو بسبب وجود نسق واضح للإساءة أو لأسباب جوهرية أخرى". 366 اتفاقية مناهضة التعذيب، المادة 13، جاء فيها: "ينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى والشهود من كافة أنواع المعاملة السيئة أو التخويف نتيجة لشكواه أو لأي أدلة تقدم". 367 اتفاقية مناهضة التعذيب، مادة 14.1. 368 مقابلات هيومن رايتس ووتش مع محتجزين في سجن الحائر، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2006. 369 المرجع السابق. 370 المرجع السابق. 371 المرجع السابق. 372 المرجع السابق. 373 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أمجد، محتجز في سجن الحائر، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2006. 375 جهاد، تمييز ضد حكم القاضي فهد بن عبد الله الصغير، رقم 179/2، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2006. أعده المحامي إسماعيل. 376 مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع فواز، نجران، 15 ديسمبر/كانون الأول 2006. 377 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أسامة، 14 ديسمبر/كانون الأول 2006. 378 مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش مع إيبوت، 4 مارس/آذار 2007.
|