Syria



Syria Syria
  

III. خلفية عامة: ظهور مجتمع حقوق الإنسان في سوريا

تعتبر السلطات السورية أن مراقبة ورصد حقوق الإنسان من الأنشطة السياسية، ولهذا فهي تنظر إليها بريبة وتفرض عليها رقابة شديدة. ومنذ عام 1963، حينما وصل حزب البعث إلى السلطة، مر على نشاط حقوق الإنسان ثلاث فترات متميزة.

ففي عام 1976 قام أعضاء اتحاد المحامين السوريين – المعادل لنقابة المحامين الوطنية – بتشكيل لجنة لحقوق الإنسان بهدف نشر حوادث الإساءة إلى الحقوق في البلاد. وبين عامي 1978 و1980 نادى الاتحاد ولجنة حقوق الإنسان به مراراً بإلغاء حالة الطوارئ (المفروضة منذ عام 1963) ودعى الحكومة إلى إلغاء المحاكم الخاصة وأن تصون استقلال القضاء. وحين دعى اتحاد المحامين إلى إضراب لمدة يوم واحد في مارس/آذار 1980 على سبيل الضغط لكي تنفذ الحكومة مطالبه، انتقمت الحكومة بقسوة بأن صرفت اللجنة التنفيذية المنتخبة للاتحاد وحلت لجنة حقوق الإنسان به و اعتقلت بعض اعضائها.3

أما المرحلة الثانية من مراحل تطور حركة حقوق الإنسان في سوريا فقد بدأت في 10 ديسمبر/كانون الأول 1989، حينما قام مجموعة من النشطاء بتشكيل مجموعة لحقوق الإنسان، وهي لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا. ومع استقلالها عن أي حزب سياسي، أخذت المجموعة تعمل بنشاط من فرنسا وألمانيا وإن ظل تواجدها في سوريا سرياً غير معلن. وفي أبريل/نيسان 1990، بدأت المجموعة تنشر نشرة دورية باللغة العربية باسم صوت الديمقراطية، وتنشر موضوعات عن حقوق الإنسان وغيرها من القضايا. وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1991، أصدرت المجموعة بياناً بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة والأربعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانتقدت فيه الاستفتاء الذي جرى عقده في 2 ديسمبر/كانون الأول 1991، والذي انتهى بالموافقة على إعادة انتخاب حافظ الأسد لمنصب الرئاسة بنسبة موافقة بلغت 99.98 في المئة من إجمالي الأصوات.4

وقامت الحكومة باعتقال النشطاء العاملين بالمجموعة في أواخر 1991 وأوائل عام 1992. وتم الحكم على عشرة منهم في شهر مارس/آذار 1992 بالسجن لفترات تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات. وقد تسبب هذا من الناحية العملية إلى انهيار حركة حقوق الإنسان الوليدة في سوريا.5 إلا أن السوريين المقيمين بالخارج استمروا في إصدار التقارير حول حالة حقوق الإنسان في سوريا، وأحد أنشط المجموعات هي اللجنة السورية لحقوق الإنسان التي تعمل من لندن.

والمرحلة الثالثة لنشاط حقوق الإنسان في سوريا بدأت بعد تولي بشار الأسد السلطة بعد أبيه كرئيس للجمهورية في يوليو/تموز 2000. وقد لخص محامي حقوقي مشاعره الأولية تجاه تولي الابن بعد الأب الرئاسة، ليعكس الحالة المزاجية القائمة ومشاعر الكثيرين في سوريا، قائلاً: "كشف خطاب بشار الأول عن هامش من الأمل بعد سنوات الحكم الشمولي للرئيس حافظ الأسد. وكأنه كابوس وقد انتهى".6

وكان الأمل في أن بشار الأسد سيكون متسامحاً أكثر من أبيه يستند جزئياً إلى صورته كممثل للجيل الأكثر شباباً وانفتاحاً من القادة السوريين، وتركيزه المتكرر على الحاجة إلى التغيير في الخطابات التي ألقاها أثناء مراسم توليه الرئاسة في أعقاب أبيه.7

وبدأت مجموعات غير رسمية في عقد الاجتماعات في المنازل الخاصة لمناقشة حالة حقوق الإنسان وجهود الإصلاح وغيرها من الموضوعات، مما أدى إلى ظهور فترة من الانفتاح النسبي يُشار إليها عادة باسم "ربيع دمشق". واتسمت فترة "ربيع دمشق" بظهور عدة منتديات، إذ كانت تجتمع مجموعات من الأشخاص ممن تجمعهم أفكار متشابهة في المنازل الخاصة لنقاش القضايا السياسية (وكان الإعلان عن الاجتماعات يتم بالترويج له شفهياً من شخص لشخص). وأشهر هذه المنتديات كان منتدى رياض سيف ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الوطني.

وبعدها بقليل بدأ المثقفون والنشطاء في التحرك بخصوص مجموعة من المطالب السياسية، تم التعبير عنها في "بيان الـ 99": رفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الإستثنائية، وإطلاق سراح كل السجناء السياسيين، وعودة المنفيين السياسيين دونما خشية الملاحقة القضائية، والحق في تشكيل الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية.8

وقد انتهز نشطاء حقوق الإنسان فرصة الانفتاح الجديد لاستئناف أنشطتهم. وعادت مجموعة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا للعمل في سبتمبر/أيلول 2000، وأصبحت أنشطتها علنية. وطبقاً لأحد مؤسسيها: "كان قد تم إطلاق سراح معظمنا في ذلك الحين، وعقدنا اجتماعاً في سبتمبر/أيلول 2000. وقررنا أن عملنا سيصبح علنياً، ونشرنا أسماء أعضائنا".9 كما تم تشكيل مجموعات حقوق إنسان أخرى مثل جمعية حقوق الإنسان في سوريا، والتي تم تأسيسها في 7 مايو/أيار 2001 بهدف الدفاع عن حقوق الإنسان.10

وكان معظم نشطاء حقوق الإنسان في ذلك الحين من النشطاء السياسيين السابقين الذي أمضوا فيما سبق فترات في السجون. فمثلاً كان هيثم المالح – رئيس جمعية حقوق الإنسان في سوريا في ذلك الحين – قد أمضى سبع سنوات في السجن جراء أنشطته في لجنة الحرية وحقوق الإنسان التابعة لاتحاد المحامين السوريين، وكذلك سليم خيربك، ناشط آخر من جمعية حقوق الإنسان في سوريا، أمضى 13 عاماً في السجن بسبب انخراطه في الحركة العمالية، ودكتور أحمد فايز الفواز، ممثل جمعية حقوق الإنسان في سوريا، قضى 15 عاماً في السجن جراء أنشطته في الحزب الشيوعي، وأكثم نعيسة الذي تم الحكم عليه عام 1991 بالسجن تسعة أعوام جراء أنشطته مع لجان لدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا (كان أحد مؤسسيها) لكن تم إطلاق سراحه بعد ستة أعوام بسبب تدهور حالته الصحية.

وانتهت فترة تسامح بشار الأسد القصيرة فجأة في أغسطس/آب 2001. وقامت السلطات السورية باعتقال 10 من زعماء المعارضة، ومنهم اثنين من أعضاء البرلمان، وقامت بشن حملة على جماعات المجتمع المدني التي تدافع عن حقوق الإنسان.11 وتم اعتقال الزعماء العشرة بعد مشاركتهم في ندوة في بيت رياض سيف، وقد تمت الدعوة خلالها إلى الإصلاح السياسي والانتخابات الديمقراطية و تعديل الدستور وناقشوا فيها إصدار دعوة إلى حملة للعصيان المدني. وتم اتهام عضوي البرلمان – مأمون الحمصي ورياض سيف – بـ"محاولة تغيير الدستور بأساليب غير قانونية" و"إثارة المشاعر العنصرية والطائفية" وتم الحكم عليهما من قبل محكمة الجنايات بدمشق بالسجن خمس سنوات. والنشطاء الثمانية الآخرون هم رياض الترك وعارف دليلة، ووليد البني، وكمال اللبواني، وحبيب صالح، وحسن سعدون، وحبيب عيسى، وفواز تللو، الذين تمت إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا التي أصدرت أحكاماً بالسجن تتراوح بين عامين إلى عشرة أعوام.

وتم تبرير الحملة من قبل الحكومة على أساس أن حركة المجتمع المدني تعمل على زعزعة استقرار البلاد وخدمة مصالح "قوى أجنبية"، لكن الدافع الحقيقي كان تخوف السلطات من أن تتحدى حركة المجتمع المدني السلطة الحكومية. وفي 29 يناير/كانون الثاني 2001، أعلن وزير المعلومات السوري عدنان عمران أن المجتمع المدني "مصطلح أمريكي" تم إضفاء "معانٍ إضافية" إليه مؤخراً من قبل "جماعات تسعى لأن تصبح أحزاب (سياسية)"12، وبعد هذا بشهر كرر بشار الأسد تحذيره لحركة المجتمع المدني:

فعندما تكون نتائج أي فعل تمس الاستقرار على مستوى الوطن فهناك احتمالان

وعلى الرغم من الحملة القمعية، فقد استمرت جماعات حقوق الإنسان الوليدة في العمل برغم عدم إضفاء الصفة القانونية عليها، وسرعان ما انضمت إليها جماعات أخرى. وقام مجموعة من النشطاء بتشكيل المنظمة العربية لحقوق الإنسان في فبراير/شباط 2004.14 وبعد شهور قليلة في سبتمبر/أيلول 2004 قام أعضاء سابقين من مجموعة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا المنشقين عنها بتشكيل المنظمة السورية لحقوق الإنسان – سواسية.15

كما شهد عام 2004 ظهور جمعيات حقوق الإنسان الكردية. فطبقاً لأحد النشطاء الأكراد، اجتمع أعضاء من المجتمع الكردي لتشكيل منظمات عديدة في أعقاب أحداث مارس/آذار 2004، حينما قتلت قوات الأمن الحكومية 30 شخصاً على الأقل وأصابت أكثر من 160 آخرين أيام الاحتجاجات التي بدأت في 12 مارس/آذار في أعقاب مصادمات بين مشجعين أكراد وعرب لمباراة كرالة قدم في القامشلي، وهي مدينة  تقع في شرق سوريا. وقد أطلقت قوات الأمن السورية النيران على المتظاهرين وقامت باعتقال مئات الأكراد.16 وفي رأي الناشط الكردي، فإن منظمات حقوق الإنسان السورية المتواجدة لم تكن كافية لتغطية أحداث القامشلي، وهكذا ظهرت الجماعات الكردية لتملأ هذه الفجوة.17

وتوجد الآن ثلاث منظمات حقوق إنسان كردية هي: "ماف" (والكلمة تعني "الحق" في اللغة الكردية، واسمها باللغة العربية هو اللجنة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان)، وداد (الكلمة تعني "العدل" في اللغة الكردية، واسمها باللغة العربية هو المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا)، واللجنة الكردية لحقوق الإنسان.18

وتعمل المجموعات الكردية في سرية أكثر من نظيراتها من المنظمات العربية. وطبقاً لعضو مؤسس في المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا: "استغرقنا عاماً ونصف العام قبل أن نعقد الاجتماع التأسيسي للمنظمة. وأثناء تلك الفترة الأولية لم يكن معروفاً غير أربعة أسماء من الأعضاء. وكنا نخشى للغاية أن يتم اعتقالنا".19

وعلى الرغم من تزايد عدد جمعيات حقوق الإنسان في سوريا، فإن موقفها يبقى ضعيفاً ومهتزاً للغاية. فالنشطاء مستمرون في العمل بشكل غير قانوني دون وجود هياكل تنظيمية لهم. وكثيراً ما تؤدي المصادمات الشخصية والريبة في الأشخاص من أن النشطاء الآخرين مخبرين للأجهزة الأمنية؛ إلى انقسام المنظمة الواحدة إلى منظمات عدة منبثقة عنها.

وأحدث جماعات حقوق إنسان تظهر في سوريا هي مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، وهو مركز أبحاث يدرس قضايا حقوق الإنسان في سوريا، وأيضاً المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، والتي قام عدد من نشطاء المنظمة العربية لحقوق الإنسان السابقين بتشكيلها في فبراير/شباط ومارس/آذار 2006.20




3  لمزيد من التفاصيل عن نشاط حقوق الإنسان في سوريا في تلك الفترة، راجع: ميدل إيست ووتش (أصبحت هيومن رايتس ووتش)، الكشف عن خبايا سوريا: قمع حقوق الإنسان في نظام الرئيس الأسد (نيو هافين: مطبعة جامعة يال، 1991)، الصفحات من 85 إلى 88.

4  لمزيد من المعلومات عن البيان الذي أصدرته اللجنة، انظر ميدل إيست ووتش (أصبحت هيومن رايتس ووتش، قسم الشرق الأوسط)، سوريا - العاملون بحقوق الإنسان يخضعون للمحاكمة، مجلد 4، عدد 5، مارس/آذار 1992، صفحة 3 و4.

5  لمزيد من المعلومات عن محكمة أمن الدولة العليا، انظر الفصل الرابع أدناه. لمزيد من التفاصيل عن اللجنة ومحاكمة النشطاء، انظر ميدل إيست ووتش، سوريا: العاملون بحقوق الإنسان في سوريا يخضعون للمحاكمة، و هيومن رايتس ووتش/قسم الشرق الأوسط، سوريا: ثمن المعارضة، مجلد 7، عدد 4، يوليو/تموز 1995.

6  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ناشط حقوق إنسان سوري (تم حجب الاسم)، دمشق، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

7  لقراءة المزيد عن موقف الشعب ورؤيته في سوريا وقت تولي بشار الأسد السلطة خلفاً لأبيه، انظر: آلان جورج، سوريا: لا الخبز ولا الحرية (لندن: زيد بوكس، 2003)، الصفحات من 30 إلى 33.

8  لقراءة "بيان الـ 99" بالإنجليزية، يمكن الاطلاع عليه في: http://www.meib.org/articles/0010_sdoc0927.htm

9  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحد مؤسسي مجموعة لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

10  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو بمجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

11  لمزيد من المعلومات عن الحملة على حركة ربيع دمشق، انظر منظمة العفو الدولية، "سوريا - تدمير حرية التعبير: احتجاز المنتقدين السلميين"، فهرس منظمة العفو الدولية: MDE 24/007/2002 6 يونيو/حزيران 2002، على: http://web.amnesty.org/library/Index/ENGMDE240072002 (تم الاطلاع عليه في 15 فبراير/شباط 2007)، وأيضاً: جورج، سوريا: لا الخبر ولا الحرية، الصفحات 47-63. وقد سمحت الحكومة ببقاء منتدى واحد هو جمال الأتاسي للحوار الوطني، وقد استمر في العمل حتى 2005، لكن تم إغلاقه بعد أن قرأ أحد الأعضاء به علناً بياناً من جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة، وهي منظمة إسلامية سنية تمردت على حكومة حافظ الأسد في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين.

12  "قانون الطوارئ موجود لكنه مجمد"، الدستور (عمان، الأردن)، 30 يناير/كانون الثاني 2001.

14  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة العربية لحقوق الإنسان (تم حجب الاسم)، دمشق، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2006. وموقع المنظمة هو: http://www.aohrs.org.

15  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة السورية لحقوق الإنسان، (تم حجب الاسم)، دمشق، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

16  لمزيد من التفاصيل عن الحادث، راجع: "سوريا: يجب تناول الحساسيات الكامنة وراء عدم الاستقرار الكردي"، بيان هيومن رايتس ووتش، 19 مارس/آذار 2004، على: http://hrw.org/english/docs/2004/03/19/syria8132.htm

17  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أحد أعضاء المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

18  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو مؤسس من المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وأيضاً: مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو مجلس إدارة من المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

19  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو مؤسس في المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا (تم حجب الاسم)، دمشق، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.

20  مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عضو مؤسس بالمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان (تم حجب الاسم)، دمشق، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2006.