United States



USA Iraq
  

الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >>

I. الملخص

سحبت ذلك الشخص خارجاً [محققٌ في E6] وقلت: ’لقد نظرت ونظرت في هذا الأمر. وهو ليس كما ينبغي أن يكون‘. هل تفهمني؟ كان كمن يقول لي: ’هذه هي الأوامر. وعلينا أن نمضي قدماً وننسى الأمر أيها الرقيب‘. هل تفهمني، لقد كان أعلى مني رتبةً؟ ’انس الأمر أيها الرقيب‘. لطالما أكدوا لي أنه ليس من الحكمة في شيء أن أصر على متابعة الأمر... كانوا يعبرون عن غضبهم، لكن الأمر كان أكثر وضوحاًً: ’لا ننصحك بالاستمرار في هذا الفضول‘. ’عليك نسيان ذلك حتماً؛ ننصحك أن لا تفعل ذلك بنفسك‘.

- رقيب في الشرطة العسكرية الأمريكية يعمل في قاعدة العمليات المتقدمة النمر في القائم بالعراق عام 2003. وهو يتحدث عن محاولته التذمر من كيفية معاملة المحتجزين.

كنت شديد لانزعاج منهم لأنهم كانوا يقولون أشياء من قبيل أننا لسنا ملزمين باتفاقيات جنيف لأن هؤلاء الناس ليسوا من أسرى الحرب... إنهم من محاربي الأعداء. وهم ليسوا من أسرى الحرب. وهكذا فإن بوسعنا أن نفعل كل هذه الأشياء بهم، بل وأكثر... كان الأمر مخالفاً لكل ما تعلمناه في هواتشوكا.

- محقق في المخابرات العسكرية أُلحق بوحدة سرية في معسكر ناما بمطار بغداد. وهو يتحدث عن محاضرةٍ ألقاها محامون عسكريون أوائل عام 2004 بعد أن عبر الجنود عن انزعاجهم من أساليب التحقيق المسيئة.

تنتشر القوات الأمريكية في العراق منذ أكثر من ثلاث سنوات. وخلال هذا الزمن اعتقل عشرات آلاف العراقيين واحتجزوا واستجوبوا على يد الجنود الأمريكيين. وخضع كثيرٌ من المحتجزين (في قواعد العمليات المتقدمة أو في مراكز الاحتجاز المركزية كسجن أبو غريب ومعسكر كروبر ومعسكر بوكا) إلى الاستجواب على أيدي المخابرات العسكرية أو المخابرات المركزية الأمريكية. ورغم وجود بعض المتمردين بين هؤلاء المحتجزين، فقد كان الآخرون من المدنيين الأبرياء الذين يُلقى القبض عليهم أثناء العمليات العسكرية الأمريكية بسبب وجودهم في أماكن معينة في أوقاتٍ معينة.

وثمة أدلةٌ متزايدة تبين تعرض كثير من المحتجزين إلى سوء المعاملة. وقد لفتت فضيحة أبو غريب التي انفجرت في أبريل/نيسان 2004 أنظار العالم إلى قضية الإساءة إلى المحتجزين. لكن من الواضح الآن أن نطاق هذه المشكلة أوسع كثيراً مما تبين في ذلك الوقت. ومنذ عام 2003، درست هيومن رايتس ووتش مئات الادعاءات المعقولة بتعذيب المحتجزين لدى الولايات المتحدة وإساءة معاملتهم إلى حدٍّ خطير. وقد وقع ما يُدّعى به من إساءات في أماكن تمتد على مساحة العراق كله: في مراكز العمليات المتقدمة وفي السجون المركزية؛ وتورط فيها عملاء المخابرات المركزية والمحققون العسكريون وحراس الشرطة العسكرية، وحتى الجنود المقاتلون العاديون. ويُدّعى أيضاً بوقوع نفس الإساءات في مراكز الاحتجاز في أفغانستان وخليج غوانتانامو حيث يُحتجز عددٌ أقل من الناس. وفي بعض الحالات مرت سنوات قبل انكشاف ما حدث من إساءات.

ويستند هذا التقرير إلى درجةٍ كبيرة على رواياتٍ لجنود أمريكيين يعملون في العراق تنشر لأول مرة، وكذلك على وصفٍ للإساءات التي وقعت في ثلاثة مواقع مختلفة في العراق في فترة 2003 – 2005. ويأتي معظمها من جنودٍ شهدوا ارتكاب الإساءات، وشاركوا فيها أحياناً. ففي البداية يتناول التقرير حوادث تتعلق بوحدة عسكرية خاصة تجمع عناصر من الجيش والمخابرات المركزية عملت في معسكر "ناما" قرب بغداد في 2003 – 2004، وقرب "بلد" في 2004 – 2005. ثم يتحدث عن الإساءات التي وقعت في 2003 – 2004 في قاعدة عمليات متقدمة عند الحدود السورية تسمى قاعدة النمر. ثم يبحث التقرير في تفاصيل إساءات ارتكبت عام 2004 في مركز احتجاز بمطار الموصل. وتدعم التحقيقات التي أجراها الجيش، وكذلك تقارير الصحفيين وغيرهم من المراقبين، كثيراً من هذه القصص. وهي تقدم مزيداً من التفاصيل التي أدلى بها الجنود حول الإساءات المرتكبة في هذه المراكز، بما فيها الإساءات المرتكبة عام 2005.

وفي هذه المواقع الثلاثة جميعاً شهد الجنود معاملة المحتجزين معاملةً شديدة السوء، وشهدوا التحقيق معهم، بما تضمنه من ضربٍ وتعذيبٍ نفسي متعدد الأشكال، وغير ذلك من صنوف الإذلال وسوء المعاملة الجسدية. ففي معسكر "ناما" مثلاً، جرت العادة على تجريد المحتجزين من ملابسهم وحرمانهم من النوم وتعريضهم إلى البرد الشديد وإرغامهم على اتخاذ وضعياتٍ مؤلمة، وضربهم أيضاً. أما في قاعدة النمر، فكانوا يبقون المحتجزين دون طعامٍ أو ماء لأكثر من 24 ساعة في المرة الواحدة، ويضعونهم في درجات حرارةٍ تتجاوز 135 درجة فارنهايت أحياناً، ثم يذهبون بهم إلى التحقيق حيث يُضربون ويتعرضون للتهديد. وفي الموصل، كان المحتجزون يحرمون من النوم لفتراتٍ طويلة، ويعرضون إلى البرد الشديد، ويجبرون على تنفيذ تمارين رياضية قاسية، ويُهددون بكلاب الحراسة.

ويبدو أن الإساءات في المراكز الثلاثة كلها كانت جزءاً من عمليةٍ منتظمة لإساءة معاملة المحتجزين؛ بل كانت "أسلوباً قياسياً للعمل" حسب تعبير بعض الجنود.

وتقدم القصص الواردة في هذا التقرير أدلةً جديدةً دامغة على أن الإساءة إلى المحتجزين كانت ممارسةً مستقرة؛ ومن الواضح أنها كانت جزءاً من عمليات الاحتجاز والتحقيق في العراق في معظم الفترة الممتدة من 2003 إلى 2005، وكانت تحظى بموافقة السلطات وهي تبين كيف وضعت عقبات كبيرة أمام الجنود الذين شعروا أن الأساليب المسيئة أمرٌ خاطئ ومخالف للقانون، وذلك في كل خطوةٍ قاموا بها للإبلاغ عن الإساءات أو كشفها.

وقد وصف أحد المحققين العسكريين (يرد مقتطف من أقواله في مقدمة هذا التقرير) لهيومن رايتس ووتش ما الذي حدث عندما تذمّر هو وبعض زملاؤه من الإساءات التي ترتكب، وذلك أمام العقيد المسئول: "جاء اثنين من الضباط الاستشاريين القانونيين، أي من المحامين، وقدموا لنا عرضاً لمدة ساعتين يبين ضرورة تلك الأساليب وقانونيتها: إنهم من محاربي الأعداء؛ وهم ليسوا أسرى حرب. وبإمكاننا أن نفعل كل هذه الأشياء بهم، وأن نستمر في فعل ذلك". ويقول المحقق أن الإساءات تواصلت بعد ذلك العرض، وأنه شعر (مع غيره ممن لم يكونوا مرتاحين للوضع) بأن السبل سدت في وجوههم. فلم تكن هناك آليةٌ أخرى للإبلاغ عما يحدث على حد علمه. وقال: "هذا ما كان عليه الأمر. لقد أقفلت القضية". وأضاف: "لم يكن هناك شخصٌ آخر نتحدث إليه".

وعبر كثيرٌ من الجنود الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش حول الإساءة إلى المحتجزين عن غضبهم جراء طريقة التعامل مع شكاواهم ومخاوفهم. وقالوا أنهم قرروا الكلام علناً لأن ما يثير قلقهم هو المشاكل النظامية التي تجعل من الإبلاغ عن الإساءات صعباً إلى هذه الدرجة.

*   *   *   *   *

لكن الظاهر أن الجيش وإدارة بوش ينكران الأمر. فلطالما عملا على إظهار أن حالات الإساءة بحق المحتجزين في العراق أمورٌ عرضيةٌ ارتكبها أشخاصٌ يتصرفون من تلقاء ذاتهم ("تفاحات فاسدة")، وذلك رغم قيام الدليل على أن ضباط المخابرات العسكرية وكبار القادة المدنيين والعسكريين كانوا على علم بالأساليب المسيئة المستخدمة بحق المحتجزين؛ بل لعلهم هم من سمحوا بها. لقد كان من شأن هذا الإنكار الكامل، وكذلك امتناع الجيش عامةً عن إلقاء مسئولية الإساءات المرتكبة على القيادة، أن عرقل التوصل إلى تقييماتٍ نزيهة حول مشكلة الإساءة إلى المحتجزين.

ولنأخذ مثلاً دور المخابرات العسكرية الأمريكية في صياغة سياسات التحقيق والاحتجاز في العراق وتنفيذها. فثمة مؤشراتٌ واضحة على أن وحدات المخابرات العسكرية جعلت من استخدام الأساليب المسيئة أمراً منهجياً في العراق في عامي 2003 و2004، وعلى أن محققي المخابرات العسكرية (بمن فيهم الضباط) متورطون في انتهاكاتٍ واسعة النطاق حدثت في تلك الآونة. وكما يفصل هذا التقرير، تبين السجلات العسكرية الداخلية، وكذلك روايات الجنود أنفسهم، أن محققي المخابرات العسكرية كانوا يستخدمون الأساليب المسيئة خلال الشطر الأكبر من فترة 2003 – 2005. كما تبين أنها كانت مقبولة على امتداد التسلسل العسكري. وحتى هذا اليوم، لم يوجه أي اتهام جزائي بحق أيٍّ من ضباط المخابرات العسكرية الذين خدموا في العراق لا بوصفهم متهمين رئيسيين ولا بموجب مبدأ مسئولية القائد. أما المحاكمات العسكرية القليلة التي أجريت فيما يتعلق بالإساءة إلى المحتجزين في العراق فكان معظمها بحق أفراد الشرطة العسكرية الذين ادعى أكثرهم في المحكمة أنهم تلقوا الأوامر (أو الإذن) باستخدام الأساليب التي يحاكمون بسببها من محققي المخابرات العسكرية.

وجديرٌ بالذكر أن الجنرال باربرا فاست، رئيسة المخابرات العسكرية في العراق في الفترة التي شهدت ارتكاب أكثر الإساءات جسامةً (أواخر 2003 حتى نهاية 2004)، تلقت ترقيةً لقاء عملها في العراق. وهي الآن تدير مركز المخابرات العسكرية، وهو مدرسة التحقيق لدى الجيش الأمريكي الموجودة في فورت هواتشوكا، أريزونا.

أما أفراد المخابرات العسكرية فقد أفلتوا من العقاب أيضاً. وقد أحيل عددٌ كبيرٌ من حالات الانتحار التي تتعلق بمحتجزين ماتوا أثناء استجوابهم على يد المخابرات العسكرية إلى وزارة العدل للنظر القضائي فيها في عامي 2004 و2005. لكن الاتهام لم يوجه إلى أيٍّ من عملاء المخابرات المركزية حتى الآن. وكثيراً ما حثّت هيومن رايتس ووتش مسئولي وزارة العدل على المضي في التحقيق مع المدنيين المتورطين في هذه الإساءات ومقاضاتهم. لكن، وحتى يونيو/حزيران 2006، لم يوجه الاتهام إلا إلى مقاول مدني واحد بسبب قضيةٍ في أفغانستان. وثمة أشخاصٌ أفلتوا من التحقيق أيضاً مثل القضاة العسكريين الكبار، وأفراد القوات الخاصة، والقيادات المدنية في وزارة الدفاع.

تدرك هيومن رايتس ووتش أن القوات الأمريكية في العراق تحارب جماعاتٍ مسلحة لا تبدي استعداداً للتقيد بالقانون الإنساني الدولي. فكما ورد في تقارير سابقة لهيومن رايتس ووتش، كثيراً ما تنتهك الجماعات العراقية المتمردة القانون الإنساني الدولي وتقوم بأعمال الخطف وبمهاجمة المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية، كما فجرت مئات القنابل في الأسواق والمساجد وغيرها من الأماكن المدنية. وتقول هيومن رايتس ووتش أن المسئولين عن هذه الانتهاكات، بمن فيهم قادة تلك الجماعات، يجب أن يخضعوا للتحقيق والمحاكمة إذا ألقي القبض عليهم، وذلك جراء خرقهم القانون العراقي وقوانين الحرب معاً.

لكن جرائم المتمردين ليست مبرراً مقبولاً للانتهاكات التي ترتكبها الولايات المتحدة. فالانتهاكات التي يقدم عليها أحد أطراف النزاع، مهما بلغت جسامتها، ليست مبرراً للانتهاكات التي يقوم بها الطرف الآخر. وهذا مبدأٌ أساسي في قوانين الحرب.



الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >> August 2006