Libya



Libya Libya
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >>

IV. مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي في ليبيا

كانت هذه المرافق مخصصةً في البدء للنساء اللواتي ليس لهن عائلات. [أما الآن] فهي لأشخاصٍ لهم عائلات لكنها تريدهم أن يبقوا هنا، للعائلات التي تريد التخلص من بناتها لأي سبب.
إحدى أنصار حقوق المرأة في ليبيا (تم حجب اسمها) طرابلس.

مهام مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي ولوائحها الداخلية

يتمثل دورنا في تغيير شخصياتهن.
عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي لحماية المرأة، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

تقوم أمينة الشؤون الاجتماعية بإدارة مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي في ليبيا والإشراف عليها. وطبقاً للائحة الداخلية للأمانة، فإن مهمة هذه المرافق هي تأمين سكن "النساء المعرضات للانحراف الأخلاقي".36 وفي حين تخلو اللائحة الداخلية من أي تعريفٍ واضح لكيفية تقرير ذلك، فإنها تحدد الفئات التالية من النساء والفتيات: "القاصرات المعتدى عليهن اغتصاباً؛37 القاصرة التي هتك عرضها نتيجة التغرير بها؛ المتهمة بالدعارة ولم يبت في قضيتها؛ المرأة التي تتخلى عنها أسرتها بسبب الحمل غير الشرعي؛ النساء من دون مأوى لها ولا عائل يتكفل برعايتها؛والمطلقة التي تخلت عنها عائلتها".38

ويقصد بهذه المرافق تحقيق غايتين: حماية النساء والفتيات ممن يتعرضن للخطر من جانب عائلاتهن؛ وإعادة تأهيل النساء والفتيات ممن خرقن المعايير المقبولة اجتماعياً أو خالفن القانون 70 لعام 1973 الذي يجرّم العلاقات الجنسية خارج الزواج. وطبقاً للمادة 1 من اللائحة الداخلية، فإن هدف الدار هو "توجيههن اجتماعياً ونفسياً ودينياً لتقويم سلوكهن وتمكينهن من العودة إلى الحياة العائلية المستقيمة والاندماج في المجتمع".39 ولا يوجد حدٌّ للفترة الزمنية التي يمكن للحكومة خلالها احتجاز النساء والفتيات في مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي.

وضع النساء والفتيات في الحجز "الاحتياطي"

إنها لا تستطيع المغادرة عندما تريد ذلك. ونحن لا نسمح لهن بالخروج إلى الشارع دون حمايةٌ. وهي [مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي] نمطٌ من الحماية لهن. ونحن نوفر كل ما يحتجنه.
محمد يوسف المهطرش، رئيس النيابة، طرابلس، 2 مايو/أيار 2005.

تتم إحالة النساء والفتيات إلى مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي عبر مكتب المدعي العام الذي تبلغه الشرطة بالقضايا عادةً. وقد تتقدم بعض النساء والفتيات للشرطة طوعاً لخوفهن من أذى عائلاتهن عندما تعرف أنهن تعرضن لاعتداءٍ جنسي. بينما يتم تسليم الأخريات إلى الشرطة من جانب العائلات التي لم تعد راغبةً بإيوائهن.

يعمل نظام إعادة التأهيل الاجتماعي للنساء والفتيات في ليبيا استثناءً من المادة 4 من قانون العقوبات الذي ينص على أن "التجريد من الحرية لا يجوز أن يحدث إلا في السجون".40 وقد تأمر النيابة بوضع "النساء المحتجزات احتياطياً والنساء المحكومات بعقوبة التجريد من الحرية (من تجري مراقبة حريتهن) في مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي التي تحددها وزارة الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي وذلك بموافقة وزارة الداخلية".41 ولا توجد آلية أمام النساء والفتيات لاستئناف قرار وضعهن في هذه المرافق.

دار الأحداث الإناث في بنغازي

"إنهم لا يريدون منا إلا الصمت. لا يريدون إلا التزام الهدوء".
فتاة محتجزة في دار الأحداث الإناث في بنغازي،
23 أبريل/نيسان 2005.

تم إنشاء دار الأحداث الإناث في بنغازي في ثمانينات القرن الماضي بتمويل من الصندوق الاجتماعي في الأمانة العامة للشؤون الاجتماعية. وهي موجودةٌ ضمن مجمعٍ كبير يؤوي المعاقين والأحداث الذكور المدانين بجرائم، وتؤوي هذه الدار فتيات (ليبيات وغير ليبيات) دون سن 18. وتصف مديرة الدار إجراءات القبول المعتادة والتي تشمل الفتيات الخائفات على سلامتهن إذا علمت أسرهن بأنهن قد مارسن الجنس (الرضائي أو القسري): "عادةً ما تكون الفتيات خائفات. وهنّ يذهبن إلى الشرطة التي تحيلهن إلى المدعي العام الذي يأمر باحتجازهن بشكلٍ مؤقت. وإذا كان الأب (أو العائلة) متسامحاً، فإنهن [الفتيات] يحصلن على إذنٍ بالبقاء في المنزل".42

وعندما زارت منظمة هيومن رايتس ووتش الدار في أبريل/نيسان 2005، كان فيها خمس فتيات محتجزات (ثلاث ليبيات ومصريتان)، وتراوحت أعمارهن بين 16 و17 عاماً. وقد جرى إخضاع جميع الفتيات لاختبار للكشف عن الأمراض السارية من غير موافقتهن،43 كما جرى إجبار أربعة من الفتيات الخمس على الخضوع لاختبار العذرية الذي أجراه طبيب شرعي ذكر.44 وقد قالت ثلاثةٌ من الفتيات لهيومن رايتس ووتش أنهن وقعن ضحية الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب. وقد جرى إحضارهن إلى الدار من قبل عائلاتهن التي لم تعد راغبةً بإيوائهن.

تُعامل الفتيات في دار الأحداث الإناث في بنغازي، وكثيرٌ منهن من ضحايا الجريمة لا من مرتكباتها، معاملة البهائم. فما أن يصبحن في الدار حتى يُحتجزن إلى أجل غير مسمى ويصرن بحاجةٍ لموافقة الأهل للمغادرة. وأثناء الاحتجاز، لا يقدم لهن أي تعليم باستثناء الإرشاد الديني الذي يقوم به شيخٌ يزور الدار مرةً في الأسبوع لتعليم القرآن. وقد اشتكت الفتيات من تعرضهن للضرب ومن الوضع في العزل الانفرادي إذا "ردَدن الكلام" أو أسأن السلوك مهما تكن تلك الإساءة بسيطة. يتيح نظام الدار للسلطات احتجاز الفتيات في العزل الانفرادي حتى سبعة أيام. لكن العاملين في الدار أقرّوا بعزل بعض الفتيات لمددٍ تصل إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وعرضن سجلاً يبين أيام احتجاز الفتيات في العزل الانفرادي. وقالت الفتيات اللواتي جرت مقابلتهن أن الإدارة تقيّد أيديهن أحياناً أثناء العزل الانفرادي. ومع أن مقادير الطعام المقدمة كافية، فقد قالت الفتيات أن المواد المتعلقة بالصحة العامة غير كافية. وقالت واحدةٌ منهن: "إنهم يزوّدوننا بالصابون وصابون الشعر مرة في الشهر. وهم لا يبالون إذا نفذ ما لدينا".45 ولا يُسمح للفتيات باستقبال الزوار إلا بموافقة النيابة.

لقد احتجزت منى أحمد46 في دار الأحداث الإناث في بنغازي لأكثر من سنة. وقد حملت منى بعد اغتصابها وأحضرت إلى الدار من قبل والدها. وفي حين كانت الأسرة أول الأمر تشك في أن الفتاة قد تعرضت للاغتصاب فعلاً، فإن المغتصب قد أقر بفعلته في النهاية. لكن والدها مازال يمنعها من المغادرة حتى توافق على التخلي عن الطفل الموجود برفقتها في الدار. وقد قالت لهيومن رايتس ووتش: "لقد اعترف المغتصب بفعلته، لكن والدي يعقد الأمور. وهو وحده من يستطيع الإذن لي بمغادرة الدار. ولن يوافق والدي إلا إذا تخليت عن الطفل بحيث يستطيع تزويجي لواحدٍ من أصدقائه". وهي لا تعرف ما إذا كان سيتاح لها مغادرة الدار في يومٍ من الأيام.

أما ندى منير، وهي في السابعة عشر، فقد أحضرت إلى الدار في 21 أبريل/نيسان 2005 بعد موت قريب لها حاول أن يغتصبها. وقد هاجمته بسكين دفاعاً عن نفسها، ثم مات جراء المضاعفات التي أصيب بها. وقد قالت لهيومن رايتس ووتش: "حاول اغتصابي لكنه لم ينجح. لقد كان أهلي في منزلٍ آخر، فجاء من خلف المنزل وحاول تقبيلي. كان بحوزته سكين، وقد شدني من شعري وقال أنه سيفعل ذلك بي؛ لكنني اختطفت السكين وطعنته بها. أخبرت والدتي بالأمر فأخذتني إلى مخفر الشرطة، وأخذتني الشرطة إلى النيابة التي وضعتني هنا".47 ترفض عائلة ندى زيارتها وترفض الموافقة على تولي الوصاية عنها. وليس لديها محامٍ.

البيت الاجتماعي للنساء في تاجورا

نعرف أن الثقافة العربية مختلفةٌ عما في الغرب. هي هنا، رغم أنها نفذت حكمها، لأن والديها لا يريدان أخذها، إنها هنا لحمايتها. وهي هنا حتى لا تضل ثانيةً. وبغير ذلك تكون هذه النسوة خطراً على المجتمع.
سعيد الشفط، مدعٍ عام، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

زارت منظمة هيومن رايتس ووتش "البيت الاجتماعي" للنساء الراشدات في 4 مايو/أيار 2005. وفي وقت الزيارة، كان هذا البيت الموجود في بلدة تاجورا بضواحي طرابلس يحوي ست عشرة امرأة (بينهن فتاة واحدة48)، وهو قادرٌ على استيعاب أربعين امرأة. ويجري احتجاز هذه النساء في مكانٍ مغلق إلى أجلٍ غير مسمى، وكثيرٌ منهن لم يرتكبن أية جريمة، بينما أنهت الأخريات أحكامهن. وهن محتجزات لأن عائلاتهن (وغالباً آبائهن) غير مستعدةٍ لتولي الوصاية عليهن. وعندما تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى النساء الإثني عشر في البيت ذلك اليوم، قالت إحدى عشرة امرأة منهن أنهن يرغبن بالمغادرة. وقد مضى على وجود إحداهن ثماني سنوات. بينما قالت واحدةٌ بأنها لا تتخيل أن تعيش وحدها وأنها تشعر بأن بقاءها رهن الاحتجاز هو أملها الوحيد في المأوى.

سمح المسئولون الحكوميون لباحثي هيومن رايتس ووتش بلقاء عدداً من المحتجزات في البيت على انفراد. لكن واحدةً من النساء اللواتي جرت مقابلتهن أفادت بأن مديرة البيت قالت لها: "هذه المرأة آتيةٌ من الخارج [من خارج ليبيا]. وعليك إعطائها صورة إيجابية عن مجتمعنا. وهي غير قادرةٍ على إيجاد حل لوضعك على أية حال". ولعل هذا النوع من الضغط قد منع النساء اللواتي جرت مقابلتهن من إعطاء صورة كاملة عن أوضاعهنّ.

وعند السؤال عن سبب اشتراط تولي أحد أفراد الأسرة الوصاية على امرأة راشدة حتى يمكن إطلاق سراحها قالت المديرة العامة لهيومن رايتس ووتش: "هذا من أجل حمايتها. إذ أخذها أهلها فهذا نوعٌ من الحماية لها.... بل أننا لا نسمح حتى للعم أحياناً بتولي الوصاية عن المرأة إذا لم يوافق والدها على ذلك".49 وفي حين يجري العاملون في البيت اتصالات منتظمة مع عائلة المرأة في محاولةٍ لإقناعها، فقد قالت مديرة بيت تاجورا أن نسبة النساء اللواتي تأخذهن عائلاتهن لا تكاد تصل النصف.50

وبالنسبة لكثيرٍ من النساء، تكمن الفرصة الوحيدة للخلاص من بيت الرعاية في الزواج، وغالباً ما يكون ذلك زواجاً من غريبٍ مجهول يأتي إلى البيت بحثاً عن عروس. وتبعاً لما قاله أحد المدعين العامين، فإن عدداً قليلاً جداً من العائلات توافق على تولي الوصاية على تلك النسوة بحيث يكون "الحل الوحيد هو الزواج. إنه الطريق الوحيد لمغادرة البيت الاجتماعي".51 وقد تحدثت عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي، عن عملية الزواج:

[يأتي رجلٌ] ويطلب الزواج. أما نحن فنقوم بتحرياتنا ونسأله لماذا أتى إلى هنا. ثم نزور منزله للتأكد من مطابقة أقواله للواقع. ثم نتأكد من دخله ومواصفاته... يجب أن يكون لديه منزل وعمل بدوام كامل. وعادةً ما يكون شخصاً من خارج طرابلس. ثم نخبرهن [النساء] بمواصفاته ونسألهن عما إذا كانت إحداهن ترغب بالزواج منه.

ويقرر البيت الاجتماعي المرأة "المؤهلة" للزواج استناداً إلى "طبيعتها الأخلاقية". وقد قالت مديرة بيت تاجورا لهيومن رايتس ووتش: "نحن لا نزوّج إلا من كانت من غير مشاكل، أي من كانت أخلاقها جيدة".52 وبحسب عواطف الشريف، وهي أخصائية اجتماعية في البيت الاجتماعي، فإن "جميع النساء يتزوجن في النهاية".53 وطبقاً لما قالته المديرة العامة للمؤسسات الاجتماعية في طرابلس، فقد تم تزويج 19 فتاة في مراكز إعادة التأهيل الاجتماعي خلال السنوات الخمس الماضية.54 وقد تمت خطبة اثنتين من النساء اللواتي كنّ محتجزات في البيت الاجتماعي لحماية النساء في تاجورا وقت زيارة هيومن رايتس ووتش.

وعند السؤال عن السبب الذي يجعل رجلاً يرغب بالزواج من امرأة محتجزة في مركزٍ لإعادة التأهيل الاجتماعي، قالت المديرة أن النوايا تتفاوت بين الناس، وأن الرجال الذين يتقدمون إلى المراكز يفعلون ذلك عادةً لأن جيرانهم قد تزوجوا بنفس الطريقة، وذلك انطلاقاً من العطف الديني تجاه المرأة وبغية اكتساب الثواب.55 لكن رئيس النيابة العامة، وإحدى المدعيات العامات تحدثا عن منطقٍ مختلف. فقد قال رئيس النيابة لهيومن رايتس ووتش أن هذه المراكز تمثل "أحد الأماكن الرخيصة للزواج".56 أما المدعية العامة فقالت: "لا توجد نفقات [سابقة على الزواج] في هذه الحالة. وهذا مختلفٌ عن الزواج من امرأة لها عائلة".57

أما النساء اللواتي لا توافق عائلاتهن على تولي الوصاية عليهن، واللواتي لا يتزوجن لأنهن "غير مؤهلات" طبقاً للمعايير التي يضعها المركز، وغير الراغبات في الزواج لسبب من الأسباب، فيحتجزن في المركز إلى أجلٍ غير مسمى. وهن ينفقن أوقاتهن في تنظيف البيت والاستماع إلى الخطب الدينية وفي تعلم استخدام الحاسب. أما المقتنيات الشخصية، مثل أجهزة الراديو والكتب غير الدينية، فتتم مصادرتها. ولا يسمح لهن بالاتصال الهاتفي إلا مع أفراد عائلاتهن. وتخضع جميع هذه الاتصالات للمراقبة.

ويسمح العاملون في المركز للنساء من ذوات "السلوك الجيد" فقط بالعمل (مقابل أجر ضئيل) في مركز للأطفال موجود ضمن المجمع. وطبقاً لمديرة المركز فإنه "يمكن للمرأة التي لا تتزوج أن تعمل في دار الطفل إذا كانت حسنة السلوك، فالسلوك هو أهم شيء".58 وقد أضافت الاختصاصية الاجتماعية: "نحن نسمح لمن كان سلوكها حسناً بأن تعمل، أي لمن لا ترفع صوتها ولمن تنام بهدوء. ولا نسمح للجديدات بالعمل".59

لقد قالت كثير من النساء الموجودات في هذا المركز بأنهن تعرضن للاغتصاب. وقد مضى على احتجاز نوال علي، وهي في الثانية والثلاثين، ثمانية أعوام أمضت سبعةً منها في البيت الاجتماعي بتاجورا. وقد طردتها عائلتها من المنزل بعد أن اغتصبها أحد الأقارب. قالت نوال:

بعد وفاة والدي عام 1997، جاء أحد أقارب أمي إليّ وهمس في أذني: "يجب أن نتزوج". كنت في المدرسة الثانوية ولم أكن أفكر في الزواج. لكنه بدأ يتكلم كلاماً بذيئاً. ثم راح يقول لأمي أنني أخرج مع الشباب... وذات يوم رافقني لشراء اللوازم المدرسية. وقد أخذني إلى مكانٍ لم أره من قبل. أما أمي فقالت: "أنت كاذبة، فهو لم يفعل ذلك؛ لقد كنت تعاشرين الرجال".60

 لقد حملت نوال وأمضت سنةً في قسم النساء في سجن الزاوية لأن الطبيب الشرعي قرر بأن المواقعة كانت رضائية. وبعد فراغها من تنفيذ الحكم، جرى نقلها إلى مركز تاجورا مع ابنتها الرضيعة لأن عائلتها رفضت تولي الوصاية عليها. أما طفلتها فظلت في دار الطفل المجاور إلى أن أعطيت للتبني من غير علم نوال أو موافقتها، وذلك في خرقٍ لقانون العقوبات الليبي61 وللقانون الدولي لحقوق الإنسان.62 وقد قالت نوال لهيومن رايتس ووتش: "ذهبت لزيارتها هناك ذات يوم فقالوا لي أن أحداً ما قد جاء وأخذها... قالوا أن عائلةً جيدة أخذتها. ولا أعلم أين هي الآن".63

وقد شرحت رنا محمد، وهي ضحيةٌ أخرى من ضحايا الاغتصاب وتبلغ العشرين من العمر، سبب احتجازها في البيت الاجتماعي لحماية النساء في تاجورا بقولها:

لقد أوصلتني المشاكل العائلية إلى هنا. لقد اغتصبني رجلٌ في الشارع يوم 8 أغسطس/آب 2004. لقد كان ذلك اغتصاباً أمامياً [مهبلياً]، ثم تركني في الشارع... وقد ذهبت مباشرةً إلى المركز في تاجورا لأن أخي سيقتلني إذا علم بالأمر. ومن المركز ذهبت مباشرةً إلى البيت الاجتماعي. وقد استدعت النيابة والديّ، وأخبرتهما بقصتي. إنهم يزرونني الآن لكنهم لا يرغبون باستلامي [تولي الوصاية] رسمياً.64

إن رنا مخطوبة منذ أربعة أشهر لرجلٍ يملك متجراً للملابس جاء يبحث عن زوجةٍ في المركز. ولا تعرف رنا متى يتم الزواج ويسمح لها بمغادرة البيت الاجتماعي. وعندما سئلت عن سبب اختيارها للزواج قالت: "لقد اختاروني لأنني لست من مثيري المشاكل".

يجري احتجاز بعض النساء تبعاً لأهواء والديهن بكل بساطة. فقد مضى على احتجاز هلا محسن في البيت الاجتماعي لحماية المرأة شهرين ونصف، وهي في الخامسة والعشرين. وقد أحضرتها النيابة إلى البيت الاجتماعي بعد أن طلب والدها منها أن تعود إلى المنزل (بعد أن كان قد أجبرها على ترك المنزل السيئ الذي تسكنه). ورغم أنها راشدةٌ من الناحية القانونية ولم ترتكب أية جريمة بموجب القانون الليبي، فسوف تظل محتجزة حتى توافق على العودة إلى منزل والدها أو حتى تتزوج. وقد قالت لهيومن رايتس ووتش:

ماتت والدتي في حادث سيارة عندما كنت في الثانية. وتزوج والدي امرأة

مغربية. لم نستطع فهم بعضنا البعض، وقام كثيرٌ من المشاكل بيننا. وفي النهاية طردني والدي من المنزل، وأعطاني بطاقة سفر لأزور أقاربي. لقد عملت في أحد المطاعم وكنت أكسب المال بشرف. لم أدخن ولم أتعاط المخدرات. وبعد سنةٍ جاء والدي ليأخذني لأن الناس كانوا يتكلمون عني. وقد قالت لي النيابة بأنه يمكنني إما أن آتي إلى هنا (المركز) أو أن أذهب إلى بيت والدي. وقد جلبوني [النيابة] إلى هنا دون أي سبب فلدي بيتٌ وعمل.65

وقد قالت كثيرٌ من المحتجزات في البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا لهيومن رايتس ووتش بأنهن أتين إلى البيت بإرادتهن، وذلك بحثاً عن المأوى بعد طردهن من منازل عائلتهن. لم تكن لديهن علاقات جنسية. وقد قالت واحدةٌ من النساء: "أمي لا تريدني، لذلك أتيت إلى هنا من تلقاء نفسي". وقالت أخرى: "لقد أخبرت النيابة بأنه لا بيت لدي، فأحضروني إلى هنا". وبدلاً من تزويد هذه النساء بمأوى يليق بمن لم يرتكب أي جرم، قامت السلطات الليبية باحتجازهن.

وقد عُلم أن الطبيعة التعسفية للاحتجاز، إضافةً إلى شروطه، قد دفعت ببعض النساء لمحاولة الهرب. وقد أنكرت إحدى الأخصائيات الاجتماعيات التي تعمل منذ أكثر من 10 سنوات في بيت تاجورا أن تكون أية امرأة قد حاولت الهرب، وقالت: ".. كما أن الناس سوف يعيدونها إلى هنا حتى وإن نجحت بالهرب".66 لكن المحتجزات اللواتي تحدثت إليهن هيومن رايتس ووتش رفضن ذلك الزعم، وقلن أن بعض محاولات الهرب قد حدثت بالفعل، رغم أن عدد المحاولات الناجحة كان قليلاً. وقالت إحدى المحتجزات أن امرأةً هربت منذ بضع سنوات، وأضافت: "لو كنا نستطيع الهرب لما بقيت واحدة منا هنا".




36 المادة 1، اللائحة الداخلية للبيت الاجتماعي لحماية المرأة.

37 تحدد المادة 9 من القانون 17 لعام 1992 سن الرشد بثماني عشرة سنة. وفي هذا التقرير تشير كلمة "طفل" و"فتاة" إلى أي شخص دون هذه السن.

38 المصدر السابق، المادة 3، معايير القبول، اللائحة الداخلية للبيت الاجتماعي لحماية المرأة.

39 المصدر السابق، المادة 1.

40 في حين تسمح المادة الرابعة بالاحتجاز خارج السجون في ظروفٍ خاصة وبناءاً على طلب النيابة، فإن هذا الاحتجاز لا يجوز أن يتعدى 15 يوماً. أنظر المادة 25 من القانون 47 لعام 1975 والمتعلقة بالسجون، القسم الرابع الخاص بأمكنة السجينات.

41 أنظر المادة 25 من القانون 47 لعام 1975 والمتعلقة بالسجون، القسم الرابع الخاص بأمكنة السجينات.

42مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فايزة خميس، مديرة دار الأحداث الإناث في بنغازي، 23 أبريل/نيسان 2005.

43يجري ترحيل الفتيات غير الليبيات إذا كن مصابات بأمراضٍ سارية. وتبعاً لمديرة الدار، فقد جرى ترحيل فتاة سودانية تحمل فيروس الإيدز وفتاة مصرية مصابة بالتهاب الكبد، وذلك بعد الكشف عليهن في الدار. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فايزة خميس، مديرة دار الأحداث الإناث في بنغازي، 23 أبريل/نيسان 2005.

44 لم تخضع إحدى الفتيات إلى اختبار العذرية لأنها كانت محتجزة بجرم السرقة وليس الزنا.  

45 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع فتاة محتجزة في دار الأحداث الإناث في بنغازي، [تم حجب اسمها]، 23 أبريل/نيسان 2005.

46 جرى تغيير أسماء جميع النساء والفتيات المعروضة حالاتهن في هذا التقرير بغية حماية خصوصياتهن. مقابلة هيومن رايتس ووتش مع منى أحمد (اسم مستعار)، بنغازي، 23 أبريل/نيسان 2005.

47 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع ندى منير (اسم مستعار)، بنغازي، 23 أبريل/نيسان 2005.

48 لم تقدم مديرة بيت تاجورا لهيومن رايتس ووتش شرحاً واضحاً لسبب احتجاز فتاة في السادسة عشر في بيت للراشدات.

49 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أمل محمد الهنجري، المديرة العامة للمؤسسات الاجتماعية، طرابلس، 4 مايو/أيار2005.

50 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي لحماية المرأة، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

51 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نجاة أبو عزة، مدعي عام، طرابلس، 2 مايو/أيار 2005.

52 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي لحماية المرأة، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

53 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عواطف الشريف، الأخصائية الاجتماعية في البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

54 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع أمل محمد الهنجري، المدير العام للمؤسسات الاجتماعية، طرابلس، 4 مايو/أيار2005.

55 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي لحماية المرأة، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

56 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد يوسف المهطرش، رئيس النيابة، طرابلس، 2 مايو/أيار 2005. تقضي العادات في ليبيا بأن يقدم العريس مهراً للعروس وأن يتحمل تكاليف المسكن.

57 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نجاة أبو عزة، مدعي عام، طرابلس، 2 مايو/أيار 2005.

58 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عائشة رمضان بن صوفية، مديرة البيت الاجتماعي لحماية المرأة، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

59 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عواطف الشريف، الأخصائية الاجتماعية في البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

60 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نوال علي (اسم مستعار)، البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

61 تنص المادة 28 من القانون 47 لعام 1975 أن يبقى الطفل مع الأم في البيت الاجتماعي لحماية المرأة حتى يبلغ سنتين من العمر ثم يسلم لوالده أو لمن يتولى الوصاية عليه. وإذا لم يكن للطفل أقارب فعلى مدير السجن إرسال مذكرة إلى السلطات المعنية لكي تتولى وضعه في دارٍ لرعاية الأطفال. ويجب أن يتم إبلاغ الأم والسماح لها برؤيته بانتظام طبقاً للوائح الداخلية.

62 تنص المادة 9 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أنه يجب على الدول الأعضاء "تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما، إلا عندما تقرر السلطات المختصة، رهنا بإجراء إعادة نظر قضائية، وفقا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى". كما تنص المادة أيضاً على أنه، وفي أية إجراءاتٍ من هذا النوع، "تتاح لجميع الأطراف المعنية الفرصة للاشتراك في الدعوى والإفصاح عن وجهات نظرها". كما تشترط المادة على الدول الأعضاء أيضاً "تحترم الدول الأطراف حق الطفل المنفصل عن والديه أو عن أحدهما في الاحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية واتصالات مباشرة بكلا والديه، إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى". أنظر اتفاقية حقوق الطفل، المادة 9 (1) و(2) و(3).

63مقابلة هيومن رايتس ووتش مع نوال علي (اسم مستعار)، البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

64مقابلة هيومن رايتس ووتش مع رنا محمد (اسم مستعار)، البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

65مقابلة هيومن رايتس ووتش مع هلا محسن (اسم مستعار)، البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

66مقابلة هيومن رايتس ووتش مع عواطف الشريف، الأخصائية الاجتماعية في البيت الاجتماعي لحماية المرأة في تاجورا، طرابلس، 4 مايو/أيار 2005.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >> February 2006