Libya



Libya Libya
  

الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >>

I. الملخص

تتمثل مشكلة المركز في البوابة. فالأمر يبدو وكأننا مجرمات رغم أننا لم نرتكب أي إثم.
امرأة محتجزة في بيت الرعاية الاجتماعية للنساء في تاجورا بطرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

أريد أن أذهب وأعيش وحدي بكرامة.
امرأة محتجزة في بيت الرعاية الاجتماعية للنساء في تاجورا بطرابلس، 4 مايو/أيار 2005.

تقوم الحكومة الليبية باحتجاز النساء والفتيات تعسفياً في مرافق "إعادة التأهيل الاجتماعي" بسبب الاشتباه في مخالفتهن القواعد الأخلاقية، وهي تحتجزهم لزمنٍ غير محدد وبدون محاكمة عادلة. إن هذه المرافق، التي تقدم على أنها دور "حماية" للنساء والفتيات الضالات أو للنساء اللواتي نبذتهن أسرهن، هي سجونٌ في الحقيقة. وفي هذه السجون، تقوم الحكومة بشكل متكرر بخرق الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات، ومنها حقهن في المحاكمة العادلة وفي الحرية وحرية الحركة والكرامة الشخصية والخصوصية. و كثيرً من النساء والفتيات المحتجزات في هذه المرافق لم يرتكبن أية جريمة، أو قضين الأحكام الصادرة بحقهن. وما من سببٍ لوجود بعضهن إلا أنهن تعرضن للاغتصاب، وقد صرن منبوذات بسبب تلطيخ شرف أسرهن. وما من سبيلٍ للخروج إلا إذا تولى أحد الأقرباء الذكور الوصاية على المرأة أو الفتاة أو إذا وافقت على الزواج، وغالباً ما يكون الزوج غريباً أتى إلى الدار باحثاً عن زوجة.

وتنص اللائحة الداخلية الرسمية والتي تنظم دور إعادة التأهيل الاجتماعي الليبية على أن دورها هو تقديم المأوى إلى "النساء المعرضات للانحراف". ويفترض بهذه المرافق أن "تحمي" النساء والفتيات من عنف الأقارب باسم "شرف العائلة"، وأن تعيد تأهيل اللواتي يعتقد أنهن خالفن معايير السلوك المقبولة اجتماعياً. لكن هذه الحماية تخطئ هدفها على نحوٍ خطير، فمعظم النساء اللواتي قابلتهن منظمة هيومن رايتس ووتش أكّدن بأنهن يرغبن بالرحيل، بل أنهن سيهربن إذا وجدن سبيلاً إلى ذلك، بسبب خضوعهن لجملة من انتهاكات حقوق الإنسان في تلك المرافق.

زارت هيومن رايتس ووتش مرفقين من مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2005. وقد وجدنا أن بعض النساء والفتيات اللواتي قابلناهن كن محتجزاتٍ بسبب اتهامهن (لكن دون إدانتهن جنائياً) بالزنا وهن متزوجات، كما نفذن أحكاماً بالحبس بسبب الزنا ثم نقلن إلى الدار بسبب امتناع أي فرد من أفراد أسرهن الذكور عن تولي الوصاية عليهن؛ كما تعرض بعضهن للاغتصاب فنبذتهن الأسرة من المنزل.

تنتهك ليبيا بعض أهم مبادئ قانون حقوق الإنسان في هذه الدور. ولم يكن لدى النساء والفتيات اللواتي قابلناهن أية فرصة للاعتراض أمام المحاكم على احتجازهن، كما لم يكن لديهن أي تمثيل قانوني. ولا يسمح العاملون في هذه الدور للنزيلات بالخروج من البوابة الخارجية. كما يخضعوهن لفتراتٍ طويلة من العزل الانفرادي، بل يقيدون أيديهن أحياناً، وذلك لأسبابٍ تافهة من قبيل "رد الكلام". وقد أخضعت النساء والفتيات لاختبار الكشف عن الأمراض السارية من غير موافقتهن، كما أجبر معظمهن على الخضوع لاختبارٍ مهين للعذرية عند دخولهن الدار. أما الشكل الوحيد من التعليم الذي تقدمه الحكومة للفتيات في تلك الدور فهو دروسٌ أسبوعية في التوجيه الديني.

ثمة مفارقة مذهلة في وضع المرأة في ليبيا: فالإصلاحات القانونية التي جرت خلال عدد من العقود الماضية تضع ليبيا في منزلة متقدمةً على كثيرٍ من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من ناحية المساواة الرسمية بين الجنسين (فمثلاً، يكفل القانون الليبي حق النساء في تولي القضاء، كما يشترط وقوع الطلاق عبر المحكمة بدلاً من السماح للأزواج بطلاق زوجاتهن شفهياً). لكن المعايير الاجتماعية الجامدة التي تحكم مشاركة النساء والفتيات في المجتمع وتحكم مكانتهن في الأسرة، تقوض هذه الإصلاحات القانونية. كما أنها تعرض النساء والفتيات إلى خطر التجريد من الحرية والاحتجاز في دور إعادة التأهيل الاجتماعي.

يمكن أن تؤدي القوانين الليبية التي تجرّم الزنا والخيانة الزوجية إلى احتجاز النساء والفتيات في دور إعادة التأهيل الاجتماعي. وهذه القوانين، وهي جزء من قانون العقوبات، تثني ضحايا الاغتصاب عن التماس العدالة، لأنها تهدد بخطر الملاحقة القضائية للضحية. فالنساء والفتيات اللواتي يصررن على تقديم شكوى ضد الاغتصاب يخاطرن بالتعرض للحبس بسبب الزنا أو الخيانة الزوجية إذا لم يستطعن توفير العتبة المرتفعة  من الأدلة المطلوبة للإدانة في دعاوى الاغتصاب. كما أن للقضاة الليبيين صلاحية عرض إتمام الزواج بين المغتصب والضحية على سبيل "العلاج الاجتماعي" للجريمة، وهذا عائق إضافي يمنع ضحايا الاغتصاب من التماس العدالة. تنتهك قوانين الزنا المعايير القانونية الدولية التي تضمن للأفراد الحق في السيطرة على الأمور المتعلقة بحياتهم الجنسية بعيداً عن القسر والتمييز والعنف. وقد كانت معظم النساء والفتيات اللواتي قابلناهن من المشتبه بارتكابهن جريمة الزنا، مما جعل النيابة تودعهن دور "إعادة التأهيل الاجتماعي".

وإضافةً إلى قوانين الزنا، فإن المعايير الاجتماعية والثقافية للعفة والعذرية و"شرف الأسرة"، وكذلك الوصمة اللاحقة بالمرأة غير المتزوجة التي تعيش وحدها، تساهم جميعاً في احتجاز النساء والفتيات في هذه المرافق. إن السلطات الليبية تعامل النساء الراشدات المحتجزات في دور إعادة التأهيل الاجتماعي وكأنهن قاصراتٍ قانونياً بحيث لا تتيح لهن سوى هامش محدود، إن وجد، من استقلالية القرار في حياتهن. وهكذا فإن الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات تخضع لمعايير اجتماعية صارمة تقبل بها الحكومة الليبية وتعززها.

ورغم محدودية عدد النساء والفتيات في دور إعادة التأهيل الاجتماعي في ليبيا (أقل من مئة على الأغلب)، فإن الطبيعة التعسفية لهذه المرافق، والانتهاكات الفاضحة التي تحدث فيها، تتطلب القيام بعملٍ عاجل. على ليبيا أن تطلق فوراً سراح جميع النساء والفتيات المحتجزات في هذه الدور، وأن تقيم بدلاً منها مآوي طوعية تماماً للنساء والفتيات المحتاجات للسكن أو للاحتماء من العنف. ولا يجوز أن تحد هذه المآوي من خصوصيتهن واستقلاليتهن وحريتهن بالحركة. ويجب أن تنال كل امرأةٍ أو فتاة يشتبه بارتكابها جريمةً الحماية المتعلقة بالمحاكمة العادلة، وإذا أدينت فيجب إطلاق سراحها فور انتهاء مدة الحكم. كما أن على الحكومة أيضاً، وفي المقام الأول، اتخاذ جميع التدابير الملائمة لإلغاء القوانين التمييزية التي تؤدي إلى احتجاز النساء والفتيات في هذه المرافق.

يستند هذا التقرير إلى المقابلات التي جرت في طرابلس وبنغازي في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2005، وذلك أثناء الزيارة الأولى لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى ليبيا. وخلال التحريات التي دامت ثلاثة أسابيع، وفرت السلطات إمكانية الاتصال بمجموعة واسعة من كبار المسئولين، ومكنت الباحثين من التحدث إلى السجينات والمحتجزات على انفراد. لكن المرشدين الحكوميين رافقوا الوفد وراقبوا الاتصالات غير الرسمية مع الأفراد.

ويقدم هذا التقرير النتائج التي توصلت إليها زيارتان قصيرتان إلى اثنين من مرافق إعادة التأهيل الاجتماعي في ليبيا: بيت الرعاية الاجتماعية لحماية المرأة في تاجورا قرب طرابلس، ودار الأحداث الإناث في بنغازي. وفي المرفقين، استجوب المديرون النساء والفتيات بشأن الأحاديث التي دارت بينهن وبين باحثي هيومن رايتس ووتش. وقد قال مدير أحد هذين المركزين للمحتجزات بأن يتحدثن عن الدار على نحوٍ إيجابيٍّ فقط.

لقد غيرنا أسماء جميع النساء والفتيات اللاتي جرت مناقشة حالاتهن، بغية حماية خصوصيتهن وضمان عدم تعرضهن للعقاب جرّاء المعلومات التي قدمنها. كما حجبنا المعلومات التي من شأنها تحديد هوية الأشخاص في بعض الحالات، وذلك لنفس الأسباب.

قدمت الحكومة الليبية رداً على ما خرج به التقرير في يناير/كانون الثاني 2006، وهو ملحقٌ بهذا التقرير. ويدافع التصريح الصادر عن اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي عن احتجاز النساء والفتيات إنطلاقاً من "المعايير الدينية والاجتماعية والثقافية والقانونية" في ليبيا. لكن التصريح الرسمي خلص إلى أن السلطات المعنية ستأخذ ما توصل إليه التقرير بعين الاعتبار وتحقق في الظروف التي تسود هذه المؤسسات، وذلك وفقاً للمعايير الوطنية والدولية.



الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >> February 2006