Lebanon



Lebanon Lebanon
  

<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >>

مهاجمة المدنيين الهاربين

أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية بين 12 و27 يوليو/تموز إلى محاصرة مئات آلاف المدنيين في قرى جنوب لبنان، ومن بينهم آلافٌ من الأجانب وحاملي الجنسية المزدوجة ممن كانوا يمضون العطلة الصيفية في لبنان. وصار السفر على الطرق في معظم أنحاء جنوب لبنان خطراً جداً إذ كانت تقع غاراتٌ يومية على السيارات المدنية التي تحاول الفرار.

وفي 15 يوليو/تموز تقريباً، بدأ الجيش الإسرائيلي ينذر سكان القرى الجنوبية بإخلائها على الفور. وكانت يسقط المنشورات ويستخدم مكبرات الصوت والبث الإذاعي؛ بل كانت يرسل رسائل باللغة العربية عبر أجهزة الهاتف المحمول. وفي صبيحة 15 يوليو/تموز على سبيل المثال، تحدث أحدهم باللغة العربية عبر مكبر الصوت من الجانب الآخر للحدود وأبلغ سكان مروحين بمغادرة بيوتهم خلال ساعتين (وفي نفس اليوم قتل 21 شخصاً من القرويين عندما أصابت القذائف الإسرائيلية سياراتهم كما نرى أدناه).>86 وخلال الأيام التالية، اتصل الإسرائيليون عن طريق الهاتف المحمول بكثير من الشخصيات البارزة في تلك القرى وأسمعوهم رسائل مسجلة تأمرهم بمغادرتها فوراً والتوجه إلى منطقة شمال الليطاني. وحذرتهم هذه الرسائل من استخدام الدراجات النارية أو الشاحنات أو السيارات المغلقة.>87 وفي 28 يوليو/تموز، عادت إسرائيل فأمرت المدنيين "بإخلاء منازلهم والتوجه شمالاً" خلال ساعات. وقالت أن "كل سيارة تسير في هذه المنطقة بعد العاشرة صباحاً، وكل شخص يختار عدم العمل بهذا الإنذار يعرض حياته وحياة أسرته إلى الخطر".>88

وكما تثبت المادة الموثقة أدناه، فإن الجيش الإسرائيلي لم يلتزم بأوامر الإخلاء عبر إيجاد ممرات آمنة. كما كانت الطائرات والحوامات الإسرائيلية تقصف سيارات المدنيين الذين كانوا يحاولون الهرب والذين كان كثيرٌ منهم يحمل راياتٍ بيضاء من النوافذ، وهي إشارةٌ تدل على المدنيين، وهي معروفةٌ ومقبولةٌ على نطاقٍ واسع. وفي حالتين من الحالات الواردة في هذا التقرير، أصابت القذائف الإسرائيلية القوافل الإنسانية وسيارات الإسعاف أثناء حركتها على الطرق. وفي تلك الأيام نفسها، قصفت الطائرات الإسرائيلية عشرات السيارات المدنية مظهرةً ميلاً واضحاً إلى عدم التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية.

ونتيجةً لتدمير معظم الطرق الرئيسية في الجنوب، كان على المدنيين الهاربين سلوك طرق ثانوية متعرجة ومواجهة خطر الهجمات الجوية بشكلٍ دائم. وارتفعت أجور السيارات ارتفاعاً شديداً لتبلغ في كثيرٍ من الحالات مئات الدولارات للراكب الواحد وألف دولار للسيارة. وصارت الطرقات شديدة الخطر بحيث بقيت الجثث في السيارات التي قصفها الجيش الإسرائيلي لأن فرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول إلى مواقعها. وتحدث رجلٌ منهكٌ جاء من عيترون عند حدود إسرائيل عن رحلته الخطرة، وذلك عندما قابلته هيومن رايتس ووتش عقب وصوله إلى بيروت مباشرةً:

كانت لدينا سيارتان مغلقتان لأربع أسر يبلغ عددها الإجمالي 18 شخصاً. كانت الرحلة شديدة الخطورة مع تحليق الطائرات في السماء بشكلٍ مستمر. كان الطريق الرئيسي مقطوعاً، فاضطررنا إلى سلوك الطرق الفرعية الصغيرة أو إلى السير خارج الطريق. واستغرقت الرحلة عدة ساعات حتى بيروت. وقبل أن نصل صور بقليل، قصفت طائرةٌ سيارةً كانت أمامنا. وكانت النار تشتعل في السيارة عندما وصلنا إليها. كانت سيارةً مدنية.

رأينا في رحلتنا 13 سيارة مقصوفة، وكان في معظمها مدنيون قتلى. رأينا النساء والأطفال القتلى، ورأينا ملابسهم وأمتعتهم في السيارة... كانت هناك أربع سيارات ما تزال جثث الناس فيها. وكان من الممكن شم رائحتهم على مسافة كيلومترات. واضطررنا إلى إغلاق النوافذ بسبب الرائحة.>89

وتحدثت منال حسن علوية، وهي امرأةٌ في الثانية والعشرين من عيترون، إلى هيومن رايتس ووتش عن رحلةٍ لا تقل رعباً:

سافر بعض أقاربي في سيارتي ركاب وسيارة مغلقة، وذهبت معهم. وتوقفنا في البداية عند مستشفى بنت جبيل بسبب وجود طائرة في السماء. وعندما تابعنا السير، جاءت الطائرة وقصفت الطريق خلفنا. وسقطت القنابل في مكانٍ لا يبعد أكثر من 10 أمتار خلفنا. لكننا واصلنا السير. وكنا نلوح بالأعلام البيضاء. وعلى طول الطريق كنا نرى الجثث في السيارات. وأذكر جيداً أننا شاهدنا عند اقترابنا من قرية السلطانية سيارة مرسيدس 300 مقلوبةً وفي داخلها قتلى. أردنا أن نتوقف، لكن السائق قال أننا سنقصف إذا توقفنا. كان هناك رجالٌ ونساء وأطفال. وأذكر رؤية طفلين قتيلين. وعلى الطريق التقينا بامرأةٍ عجوز كانت تبكي بجانب الطريق لأن أحداً لم يأخذها، فأخذناها معنا. كان الدمار كبيراً، وكانت جميع محطات الوقود مدمرة، وكنا نسير بأسرع ما نستطيع. ولم يتحسن الوضع إلا بعد اجتيازنا نهر الليطاني.>90

لقد قدمت إسرائيل، وفي أحيان كثيرة، تأكيدات إلى مسئولي اليونيفيل بأن السيارات المدنية المتوجهة شمالاً على الطرق الرئيسية لن تتعرض للقصف.>91 لكنها، كما يبين عددٌ من الحالات الموثقة أدناه، كثيراً ما هاجمت السيارات المدنية التي تسير منفردةً أو ضمن قوافل بعد الإنذار الإسرائيلي بوجوب مغادرة القرى. وكانت الهجمات التي تعرضت لها السيارات المدنية شديدةً جداً، فقد قال الصليب الأحمر اللبناني أن سائق سيارة إسعاف شاهد ثلاثة غارات منفصلة أثناء نقله مدنيين جرحى من تبنين إلى صور: شاهد في البداية السيارة التي أمامه تصاب بقذيفةٍ وتسقط في وادٍ صغير قرب قرية كفرا؛ ثم شاهد سيارةً مغلقة تصاب في قرية صديقين، وأدى الانفجار إلى قذف السيارة في الهواء وأصابت سيارة الإسعاف في جانبها؛ ثم أصيبت دراجةٌ نارية على الطريق قرب الهناوية.>92

ورغم عدم وجود شك في معرفة المسئولين الإسرائيليين بإصابات المدنيين الناتجة عن قصفهم للسيارات، فإن هذه الغارات مستمرة حتى لحظة دفع هذا التقرير إلى المطبعة. وفي أحسن الأحوال، يكشف استمرار الغارات على المدنيين الهاربين عن عدم التزام طائش من جانب إسرائيل بواجبها في التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية، ويكشف عن امتناعها الكامل عن اتخاذ الإحتياطات الكافية للحيلولة دون قتل المدنيين. أما في أسوأ الأحوال، فإن إسرائيل تستهدف السيارات المدنية عمداً كجزءٍ من الثمن الذي يجب دفعه لمنع الحركة بين مناطق لبنان. وفي الحالتين، فإن إسرائيل تنتهك بصفاقةٍ التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، وغاراتها المتكررة على السيارات المدنية تعتبر جرائم حرب.

مقتل 21 مدنياً فارين من مروحين، 15 يوليو/تموز

في 15 يوليو/تموز، استهدفت غارةٌ إسرائيلية قافلةً من المدنيين الهاربين من قرية مروحين الحدودية فقتلت 21 شخصاً من بينهم 14 طفلاً. وكان كثيرٌ من سكان القرية قد غادروها بعد إنذار الجيش الإسرائيلي لهم بإخلائها قبل بدء الهجوم. كما أن قريباً لأحد الضحايا قال بأن حزب الله يخزن أسلحةً في القرية، وأن السكان خافوا من هجومٍ انتقامي إسرائيلي.>93 وسكان مروحين من السنّة، وثمة توتراتٌ قديمة بينهم وبين حزب الله الشيعي.

وقال أحد الشهود لهيومن رايتس ووتش أن بعض أهالي القرية حاولوا في البداية الالتجاء إلى موقع اليونيفيل الذي يبعد 1.5 كم عن القرية قائلين بأن الجيش الإسرائيلي أنذرهم بإخلائها:

كنت على اتصالٍ هاتفي مع أقاربي في القرية. وبين الثامنة والنصف والتاسعة من صباح ذلك اليوم، اتصل أقاربي وقالوا أن الإسرائيليين أنذروهم بإخلاء القرية خلال ساعتين. وقد تحدث الإسرائيليون باللغة العربية عبر مكبرات الصوت من الحدود القريبة جداً. وقال أقاربي أنهم سيذهبون إلى مركز اليونيفيل قرب القرية. ثم ذهبوا إلى المركز وظلوا ساعتين عند بوابته. لكن اليونيفيل قالت لهم بعد ساعتين أن لديها أوامر بعدم السماح لهم بالدخول.>94

وقد اتصلت اليونيفيل بضابط الاتصال الإسرائيلي وبالجيش اللبناني، لكنها لم تتمكن من الحصول على تأكيد لأمر الإخلاء. وهكذا قال جنودها للأهالي أن يعودوا إلى القرية.>95

وعند الساعة 11 قبل الظهر، غادرت مجموعةٌ من الأهالي قرية مروحين ضمن قافلةٍ من السيارات وسلكت الطريق الرئيسي الخارج من القرية. وعلى الطريق بين قريتي شمعة والبياضة، أصابت قذيفتان، يعتقد أن حوامةً إسرائيليةً أطلقتهما، سيارة نصف نقل بيضاء وسيارة ركاب عادية في القافلة. وقد وصل مصورٌ تابعٌ لوكالة أنباء دولية إلى الموقع بعد ساعتين من الغارة. وقال المصور لهيومن رايتس ووتش أنه شاهد سيارة نصف نقل بيضاء وسيارة عادية مدمرتان تدميراً كاملاً، وأنه أحصى 16 جثةً في الموقع كان من بينها كثيرٌ من الأطفال. ولم ير المراسل أي أشخاصٍ مسلحين بين الجثث.>96 وقد انتشلت اليونيفيل 16 جثةً من الموقع وقالت أن فرقها الطبية جاءت تحت القصف أثناء عملية الإنقاذ.>97 وقتل في هذه الغارة 21 شخصاً وذلك استناداً إلى قائمةٍ سلمها أقاربهم إلى هيومن رايتس ووتش،>98 وإلى عدد الجثث التي وصلت مستشفى صور الحكومي آخر الآمر.>99

والأشخاص المقتولون في هذه الغارة الجوية هم: علي عبد الله، 60؛ محمد عبد الله، 15؛ صباح عبد الله، في الثمانينات؛ سناء عبد الله، 35 (حامل)؛ علي كامل عبد الله، 14؛ محمد كامل عبد الله، 13؛ حسين عبد الله، 10 – 11؛ حسن عبد الله، 9؛ لمى عبد الله، 1 – 2؛ زهرة عبد الله، 52؛ هادي عبد الله، 6 – 7؛ ميرنا عبد الله، 13؛ مريم عبد الله، 29؛ محمد غنام، 35؛ سها عبد الله، 30 (حامل في الشهر السابع)؛ قاسم غنام، 17؛ مصطفى غنام، 15؛ حسين غنام، 14؛ زينب غنام، 10؛ فاطمة غنام، 9؛ ضحى غنام، 7.

مقتل اثنين وجرح أربعة أثناء فرارهم من المنصوري، 23 يوليو/تموز

كانت عائلة سرور المقيمة في ألمانيا تمضي العطلة الصيفية في قرية المنصوري الساحلية الواقعة على مسافة 10 أميال إلى الجنوب من صور، وكانت قد وصلت إلى لبنان قبل يومين من بدء القتال.>100 وفي 23 يوليو/تموز، حاولت الأسرة السفر إلى صور في قافلة من ثلاث سيارات بغية العودة إلى ألمانيا، وكانت تلوح بالأعلام البيضاء. وبحدود العاشرة والنصف صباحاً، أصابت قذيفةٌ إسرائيلية سيارتهم قبل صور بأربعة كيلومترات، أي قرب قرية المعالية. وقد قتل سائق السيارة درويش مديحلي على الفور، وقتل أيضاً صهره محمد سرور. واشتعلت النار في السيارة مع بقاء جثتي درويش ومحمد بداخلها.

وأصيب أطفال محمود سرور بحروقٍ شديدة، وهم: أحمد، 15؛ وعلي، 13؛ ومحمود، 8؛ ومريم، 8 أشهر. ولم يكن هناك ما يشير إلى وجود أسلحة أو نشاط لحزب الله في ذلك المكان كما يقول أقارب الضحايا. كما لم تكن لأي فردٍ من العائلة صلةٌ بحزب الله.

جرح تسعة مدنيين أثناء فرارهم من المنصوري، 23 يوليو/تموز

بعد وقتٍ قصير من الغارة على عائلة سرور، قصفت طائرة أباتشي إسرائيلية قافلةً مدنيةً ثانية في نفس المنطقة. فقد انطلق زين الزبد، وهو مزارع حمضيات في الخامسة والأربعين، بسيارته من المنصوري محاولاً إجلاء زوجته وأطفاله الأربعة. وفي الطريق اصطحبت الأسرة رجلاً جريحاً أصيب عندما ضربت غارة إسرائيلية سيارته في القليلة، إضافةً إلى جريحين في المعالي (نفس المنطقة التي وقعت فيها الغارة على عائلة سرور) كانا أصيبا بغارةٍ أثناء ركوبهما دراجة نارية. وقال علي جعفر لهيومن رايتس ووتش (وهو عامل في الحادية والعشرين أصيب في قصف الحوامة لدراجته النارية):

لم يكن حولي شيء عندما أصبت، لم يكن هناك أحدٌ من المقاومة [حزب الله]. وكنت أسافر مرتدياً بنطالاً قصيراً وحاملاً حقيبتي على ظهري حتى يظهر أنني مدني... كنت أقود الدراجة؛ وفجأةً لم تعد موجودةً. كان ذلك صاروخاً أطلقته حوامة... أوقفت سيارة رينج روفر لتأخذنا معها، وكان سائقها من قريتنا.>101

لكن قذيفةً من حوامة أباتشي إسرائيلية أصابت سيارة زين الزبد على مسافة 40 متراً فقط من مستشفى نجم، فجرحت ركابها التسعة.>102 وقد وقعت الغارة على سيارة زين الزبد على مشهدٍ من مستشفى نجم، ولم يكن هناك دليلٌ على وجود نشاط قتالي لحزب الله في منطقة المستشفى وقت وقوع الهجوم.

مقتل ثلاثة مدنيين وجرح 14 أثناء فرارهم من كفرا، 23 يوليو/تموز

أدى القصف الشديد على قرية كفرا إلى محاصرة 40 شخصاً من عائلة شيطا في منزلٍ واحد منذ بداية الحرب. وبعد نفاذ ما لديها من الطعام، قررت العائلة مغادرة القرية بعد تلقيها الأمر بإخلائها من الجيش الإسرائيلي. وفي 21 يوليو/تموز، اتصلت العائلة بالصليب الأحمر لمساعدتها على النزوح، لكنه لم يكن قادراً على الوصول إلى القرية. وفي 22 يوليو/تموز استقل 32 فرداً من هذه الأسرة، ومن بينهم معظم الأطفال في ذلك المنزل، سيارتين عاديتين وسيارة جيب. وتركوا ورائهم 17 من أفراد الأسرة بسبب عدم توفر واسطة نقل. وقد وصلت القافلة بسلامٍ إلى صور.

وفي 23 يوليو/تموز، استطاع أفراد العائلة الباقون إقناع سائق سيارة أجرة بأخذهم إلى صور في سيارة نقل مغلقة مقابل 1000 دولار. وعلقت العائلة علماً أبيض كبير الحجم على السيارة، كما كان كثيرٌ من أفرادها يحملون قطعاً قماشية صغيرة للإشارة إلى أنهم مدنيون.>103

وعند مغادرة السيارة قرية كفرا استهدفتها غارةٌ إسرائيلية. وقد نجا مصباح شيطا الذي كان يجلس بجانب السائق، وقال لهيومن رايتس ووتش: "سمعت صوتاً يشبه انفجار عجلة سيارة، وبدأت سيارتنا بالتمايل. فطلبت من السائق تخفيف السرعة، لكنه قال ’لقد أصبنا‘. توقفت السيارة ونزلنا منها أنا والسائق. وعندما طلب مني مساعدته في إخراج الجرحى أصيبت السيارة بصاروخٍ ثانٍ".>104

قتل ثلاثة أشخاص في هذه الغارة: نظيرة شيطا، حوالي 70؛ وابنها محمد أمين شيطا، 53؛ وزكوان [نسبته غير معروفة]، وهو سوري في الأربعينات وكان عامل نظافة لدى العائلة. وقد بقيت جثثهم في السيارة لأن فرق الإنقاذ لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة لعدة أيام بعد الحادثة. أما أفراد العائلة الباقين (14 شخصاً) فجرحوا جميعاً، وجراح بعضهم بليغة.

ويقول مصباح شيطا: "لم يكن هناك أحدٌ حولنا عندما أصبنا. لم تكن المقاومة [حزب الله] موجودةً، ولا أحد. وكان الشخص الوحيد الذي رأيناه على الطريق قبل الغارة سائقاً جريحاً على حافة الطريق يطلب النجدة".>105

مقتل مدني مسافر لشراء الطعام والأدوية، 24 يوليو/تموز

صبيحة الاثنين 24 يوليو/تموز، قتل حسن إبراهيم السيد البالغ 26 عاماً، وهو من قرية بيت ليف، وذلك عندما استهدفته طائرةٌ إسرائيلية بينما كان يقود دراجته النارية. وأخبرتنا أخته أنه غادر القرية لشراء الطعام والشموع والأدوية من القرية المجاورة، وذلك من أجل شقيقه الذي يخضع لعمليات غسيل الكلية. وأصيبت دراجة حسن بقذيفة على الطريق بين كفرا وصديقين. وتقول شقيقته أنه لم يكن عضواً في حزب الله، وأنه كان ذاهباً ليشتري ما يحتاجه أقرباؤه. وقد تم نقل جثته إلى مستشفى صور الحكومي.>106

جرح ستة من سائقي سيارات الإسعاف وثلاثة مرضى، 23 يوليو/تموز

في الساعة 11:15 من يوم 23 يوليو/تموز، أغارت الطائرات الإسرائيلية في قرية قانا على سيارتي إسعاف تحملان علامة الصليب الأحمر اللبناني بكل وضوح. وكان عناصر السيارتين اللتين تحملان أعلام الصليب الأحمر المضاءة بكشافٍ مركبٍ على السيارة ينقلون ثلاثة جرحى مدنيين لبنانيين من إحدى السيارتين إلى الثانية عندما قصفتهم الطائرات. وأصابت قذيفةٌ إحدى السيارتين إصابةً مباشرة، وأما الثانية فأصيبت في هجومٍ جديد بعد دقائق. وقد جرح جميع عناصر الصليب الأحمر الستة في الغارة، كما أصيب الجرحى الثلاثة بجروحٍ جديدة. وفقد أحد الجرحى، وهو رجلٌ في أواسط العمر، ساقه عند إصابة سيارة الإسعاف؛ بينما أصيبت والدته المسنة بشللٍ جزئي. أما الجريح الثالث، وهو شابٌ صغير، فأصيب بعدة شظايا في رأسه.>107

إن استهداف الأشخاص ذوي الصفة الطبية أو الدينية، وكذلك الوحدات الطبية ووسائل النقل الطبية، بالغارات يعتبر جريمةً حرب.>108

الباقون في الجنوب

في حين اختار بعض القرويين الذين يعيشون جنوب نهر الليطاني البقاء في قراهم، وذلك لأنهم يؤمّنون الخدمات المدنية الأساسية أو لأسباب أخرى، فإن هناك غيرهم ممن لم يتمكنوا من الفرار إما لأن في أسرهم أشخاصاً عاجزين أو مرضى، أو لأنهم غير قادرين على دفع أجور السيارات الباهظة، أو لأنهم يخشون التعرض لمخاطر الغارات الإسرائيلية على الطرق والتي ورد الحديث عنها أعلاه. ونتيجة ذلك، مازال عشرات ألوف المدنيين محاصرين في قراهم، ويختبئ معظمهم في الأقبية والجوامع والملاجئ المؤقتة. وقد استنفذ ما لديهم من طعامٍ وماء وأدوية ومواد أساسية.

وفي الوقت نفسه تقصف الطائرات الإسرائيلية سيارات المساعدة الإنسانية التي تحاول خدمة القرى الجنوبية المحتاجة. ففي 18 يوليو/تموز، قصف الجيش الإسرائيلي قافلةً تابعةً للهلال الأحمر من الإمارات العربية المتحدة فدمر شاحنةً تحمل الأدوية والزيت والسكر والأرز وقتل سائقها. وفي 23 يوليو/تموز، أغارت الطائرات الإسرائيلية في قرية قانا على سيارتي إسعاف تحملان علامة الصليب الأحمر اللبناني بكل وضوح. وبفعل استمرار الغارات الجوية على الطرق والسيارات، تعاني المنظمات الإنسانية صعوبةً في الوصول إلى السكان المحتاجين. وحتى إعداد هذا التقرير، بقيت إسرائيل ترفض ضمان ممر آمن لكثيرٍ من القوافل الإنسانية جنوب صور، مع وجود استثناءاتٍ محدودة.>109

وبعد أن بات المدنيون الباقون في الجنوب غير قادرين على الهرب أو الاستفادة من الإغاثة الإنسانية، أصبحوا محرومين من الطعام والرعاية الطبية والضروريات الأخرى. كما لا تستطيع القوافل الإنسانية في معظم الأحوال الوصول إلى الجرحى أو إجلاء المدنيين من مناطق القتال. وفي 28 يوليو/تموز، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر:

في جنوب البلاد، وخاصةً في القرى الواقعة على الحدود مع إسرائيل، تؤدي آثار العمليات العسكرية إلى جعل الحياة خطرةً إلى درجةٍ غير محتملة بالنسبة للمدنيين الذين حاصرهم القتال. كما أصبح الحصول على الموارد اللازمة والمياه والخدمات الأساسية صعباً جداً. أما عمليات الإغاثة وإخلاء الجرحى فتواجه صعوباتٍ كبيرة ولا تستطيع تلبية حاجة السكان.>110




86 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صالح إبراهيم غنام، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006.

87 أنتوني شديد، "سكان المدينة المحاصرة يشعرون بأنهم تركوا لمواجهة الموت"؛ واشنطن بوست، 21 يوليو/تموز 2006.

88 الجيش الإسرائيلي، "جيش الدفاع الإسرائيلي ينذر سكان جنوب لبنان بإخلاء منازلهم والتوجه شمالاً"، 28 يوليو/تموز 2006.

89 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد حسين محفوظ، بيروت، 24 يوليو/تموز 2006.

90 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع منال حسن علوية، بيروت، 23 يوليو/تموز 2006.

91 نيكولاس بلانفورد، "سكان الجنوب يواجهون مشقات كبيرة في بحثهم عن الأمان"، ديلي ستار (لبنان)، 24 يوليو/تموز 2006.

92 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع جورج كيتاني، منسق النشاطات الميدانية في الصليب الأحمر اللبناني، 25 يوليو/تموز 2006.

93 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع قريبٍ لأحد ضحايا قافلة مروحين (تم حجب اسمه)، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006.

94 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صالح إبراهيم غنام، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006.

95 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع الناطق باسم اليونيفيل ميلوش ستروغار، 16 يوليو/تموز 2006.

96 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع الصحفي، 16 يوليو/تموز 2006.

97 المصدر السابق.

98 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع صالح إبراهيم غنام، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006.

99 حسن فتاح، "محاولين الهروب من القذائف الإسرائيلية، الأحياء يتركون الجثث خلفهم"، نيويورك تايمز، 21 يوليو/تموز 2006.

100 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع د. هاشم زين، صور 1 أغسطس/آب 2006. انظر أيضاً أنتوني شديد، "السماء تمطر رعباً من جديد فوق اللبنانيين الهاربين: مقتل كثير من اللاجئين بفعل صواريخ الحوامات"، واشنطن بوست، 24 يوليو/تموز 2006؛ ميغان ك. ستاك، "خسائر لا تصدق، الرعب أثناء هرب المدنيين من الصواريخ"، لوس أنجلوس تايمز، 24 يوليو/تموز 2006؛ تيم باتشر، "كل سيارةٍ تتحرك تصبح هدفاً مع تشديد الإسرائيليين أعمالهم العسكرية"، ديلي تلغراف، 24 يوليو/تموز 2006؛ ثاناسيس كامبانيس، "العائلات اللبنانية الهاربة تتعرض لخسائر فادحة في طريقها إلى بر الأمان"، بوسطن غلوب، 24 يوليو/تموز 2006.

101 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي جعفر، صور، 1 أغسطس/آب 2006.

102 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع علي جعفر، صور، 1 أغسطس/آب 2006. انظر أيضاً رياض الرافع، "نجاة رجلٍ طيّب من غارة بعد إنقاذه عدداً من الجرحى: نجاة 8 ركاب من سيارة محترقة"، ديلي ستار (لبنان)، 25 يوليو/تموز 2006؛ باتشر، "كل سيارةٍ تتحرك تصبح هدفاً مع تشديد الإسرائيليين أعمالهم العسكرية"، ديلي تلغراف، 24 يوليو/تموز 2006.

103 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع منتهى شيطا، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006؛ ومقابلة هيومن رايتس ووتش مع مصباح شيطا، بيروت 27 يوليو/تموز 2006.

104 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع مصباح شيطا، بيروت، 27 يوليو/تموز 2006.

105 المصدر السابق.

106 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع حُسْن السيد، شقيقة حسن؛ ومع حسين عقيل (زوج حُسن)، بيروت، 26 يوليو/تموز 2006.

107 مقابلة هيومن رايتس ووتش الهاتفية مع جورج كيتاني، منسق النشاطات الميدانية في الصليب الأحمر اللبناني، 25 يوليو/تموز 2006؛ ميغان ك. ستاك، "الحرب في الشرق الأوسط: الصواريخ الإسرائيلية تستهدف الفرق الطبية"، لوس أنجلوس تايمز، 25 يوليو/تموز 2006.

108 نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2) (ب) (24).

109 ديفيد كلارك، "عمال الإغاثة يقولون: الممرات الإنسانية ليست إلا سراباً"، رويترز، 29 يوليو/تموز 2006.

110 "لبنان: زيادة حادة في الاستجابة الإنسانية من جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، تصريح صحفي، 28 يوليو/تموز 2006.


<<   الصفحة السابقة  |  الصفحة الرئيسية  |  الصفحة التالية  >> August 2006