Jordan



Jordan Jordan
  

I.الملخص

"ربما تكون المحكمة قد أطلقت سراحك، لكننا لم نفعل".

ـ ضابط في المخابرات مخاطباً عصام البرقاوي1.

نفذت دائرة المخابرات العامة، وهي جهاز المخابرات الأردنية الرئيس، منذ عام 2000 موجاتٍ من الاعتقال بحق المعارضين السياسيين (ومعظمهم من الإسلاميين) رداً على ما تزعم أنه مؤامرات ومظاهرات ونشاطات احتجاجية على صلة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني وبسياسة الولايات المتحدة في العراق. ولا تقدم المخابرات العامة معلوماتٍ عن أعداد وهوايات الأشخاص الذين تحتجزهم. ويقول محامو الدفاع أن عدد الاعتقالات شهد تزايداً مضطرداً خلال هذه الفترة.

وفي أعقاب التفجيرات الانتحارية التي استهدفت ثلاثةً من أفخم الفنادق في عمان يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 وقتلت 60 شخصاً، قالت الحكومة الأردنية أنها تعتزم توسيع القوانين التي تعرّف الإرهاب إضافةً إلى زيادة صلاحيات المخابرات والموظفين المكلفين بمهام الضابطة العدلية، بما في ذلك دائرة المخابرات العامة. وأثناء إعداد هذا التقرير، كانت الحكومة عاكفةً على وضع مشروع قانون لمكافحة الإرهاب من شأنه توسيع صلاحيات النيابة العامة وتمديد فترة احتجاز المتهمين قبل توجيه الاتهام من أسبوعٍ إلى أسبوعين.

في الفترات التي تشهد نشاطاً كبيراً للأجهزة الأمنية، يكون من الضروري بوجهٍ خاص ضمان عمل أفراد ومسئولي هذه الأجهزة ضمن إطار المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وتشير الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش في هذا التقرير إلى ممارساتٍ تتجاوز هذه المعايير حيث تقوم دائرة المخابرات العامة، وعلى نحوٍ منتظم، بتنفيذ الاعتقالات بطريقةٍ يبدو أن لا أدلة موضوعية تدعمها. وهي تحتجز الأشخاص في مراكزها لأيام أو أسابيع (بل لأشهرٍ أحياناً)، وتضعهم في الحجز الانفرادي دون توجيه تهمة أو مع توجيه اتهاماتٍ مشكوكٍ فيها. كما أن صلاحيات الدائرة كضابطة عدلية غير واضحة، فهي غير مبينةٍ في القانون.

وخلال الأيام الأولى من الاحتجاز على أقل تقدير (أسبوع واحد أو أكثر)، لا تسمح الدائرة للمحتجزين بالاتصال بمحاميهم أو بتلقي الزيارات (كالزيارات العائلية مثلاً). وقد تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير متطابقة ومعقولة تفيد بأن المحققين غالباً ما يعمدون أثناء الاستجواب إلى ضرب المحتجزين لانتزاع الاعترافات منهم. ويبدو أن معظم من تحتجزهم الدائرة لا يمثلون أمام القضاء أبداً. وفي الحالات التي تقدم إلى القضاء، يمثل المتهمون أمام محكمة أمن الدولة، وهي محكمةٌ لا تلبي المعايير الدولية في الاستقلالية والحياد.

وفي قيامها بهذه الممارسات على نحوٍ متكرر، تخرق دائرة المخابرات العامة كلاً من القانون الأردني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهي تفعل ذلك دون خوفٍ من العقاب من الناحية الفعلية. فلم يخضع أيٌّ من أعضاء الدائرة (وجميعهم يستخدم أسماء مستعارة أثناء تعاملهم مع المحتجزين) إلى تحقيقٍ جنائي في تهمٍ تتصل بهذه الممارسات.

ويورد هذا التقرير حالات 16 شخصاً كانوا ضحية الاعتقال التعسفي على يد دائرة المخابرات العامة بين عامي 2002 و2005، ووضعوا رهن الاحتجاز الانفرادي، وتعرض معظمهم إلى معاملةٍ قاسيةٍ ولا إنسانيةٍ ومهينة، بل وإلى التعذيب أحياناً. (كما يلقي التقرير ضوءاً على بعض الجوانب المهمة في حالتين إضافيتين هما حالتا ياسر أبو هلالة وعلي أبو السكر). وفي الحالات الست عشرة جميعاً، طلب الأشخاص المعنيون، أو أسرهم، العون من منظمات حقوق الإنسان المحلية أو من اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد أخبروا هيومن رايتس ووتش بأن ما جرى لهم أمرٌ كثير الحدوث في الأردن، وأن كثيراً من الذين اعتقلوا من غير وجه حق لم يتقدموا بشكاوى إلى السلطات ولم يلتمسوا مساعدةً خارجية، وذلك تجنباً لمضايقاتٍ جديدة من جانب دائرة المخابرات العامة. إن عدم التمكن من الوصول إلى سجلات من يحتجزون لدى دائرة المخابرات العامة، وعدم التمكن كذلك من معرفة الأسس التي احتجزوا بموجبها، بمنعان هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات المستقلة من الحصول على نتائج مؤكدة عن عدد الأشخاص الذين احتجزتهم الدائرة أو استجوبتهم خلال أية فترةٍ محددةٍ من الزمن.

ومن بين 16 شخصاً حققت هيومن رايتس ووتش في قضاياهم، أخلت السلطات سبيل ثمانية دون توجيه تهمة، كما وُجّهت تهمٌ إجرامية إلى خمسةٍ منهم لكنهم لم يقدّموا إلى القضاء أبداً. وقد قدم شخصٌ واحدٌ من الأشخاص الستة عشر إلى المحكمة التي قررت براءته. وكان الشخصان الباقيان لا يزالان رهن الاحتجاز عندما قمنا ببحثنا هذا في الأردن، وظلا كذلك طوال فترة صياغته. وقال واحدٌ فقط من المحتجزين السابقين أنه تمكن من الاتصال بمحاميه خلال إحدى مراحل الاحتجاز. وقد وضعت دائرة المخابرات العامة الأشخاص الستة عشر جميعاً في الحجز الانفرادي خلال أيام احتجازهم الأولى، لكن الاحتجاز الانفرادي امتد لأشهرٍ كثيرة في بعض الحالات.

كما ادّعى 14 من أصل 16 محتجزاً (أو بعض أفراد أسرهم) أن الدائرة عذبتهم أو أساءت معاملتهم. في حين لم يدع اثنان من المحتجزين التعرض إلى المعاملة السيئة، رغم أن أحدهما قال أن الضباط هددوا بتعذيبه. وقال أحد المحتجزين أنه حاول أن يشكوا سوء معاملته إلى الضباط القادة في الدائرة، لكنهم رفضوا طلبه. وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تباشر النيابة العامة أية تحقيقاتٍ جنائية، كما لم يسجل أي شخص دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الاعتقال التعسفي أو عن انتهاك حقه بالمحاكمة المنصفة أو عن تعذيبه.

إن التزامات الأردن بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تشمل ما يلي: لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه (المادة 9)؛ احترام الحقوق الإجرائية عند الاحتجاز بما فيها حق كل فرد في أن تنظر المحكمة في الأساس القانوني لاحتجازه، وحقه في المعاملة الإنسانية عند احتجازه (المادتان 9 و10)؛ الحق في المحاكمة المنصفة إذا اتهم بجريمة (المادة 14). والأردن دولةٌ عضو في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهي تضمن حقه بعدم التعرض للتعذيب أو سوء المعاملة، كما تُلزم الدولة بالتحقيق في الادعاءات المعقولة بسوء المعاملة، وتطالبها بالتعويض الفعلي على ضحايا التعذيب. إن الممارسات الأردنية، وبعض القوانين الأردنية أيضاً، لا تفي بهذه الالتزامات.

وبغية ضمان احترام حقوق الإنسان من قبل الموظفين المكلفين بمهام الضابطة العدلية، وموظفي المخابرات بوجهٍ خاص، ينبغي على الأردن القيام بإصلاحاتٍ مؤسساتية. فعلى المستوى التنفيذي، يجب على الحكومة ضمان توفر الأساس القانوني لممارسة صلاحية الاعتقال والاحتجاز من قبل قوى الأمن، وضمان التزام ضباط المخابرات وعناصرها التزاماً كاملاً بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالاعتقال والاحتجاز وسلامة الإجراءات. وعلى مجلس النواب الأردني إجراء إصلاح قانوني لضمان حق المحتجز في الاتصال بمحاميه دون أي تأخير غير مبرر، وليس فقط بعد توجيه التهمة إليه. وعليه أيضاً الإصرار على ممارسة وظائفه الرقابية العامة على قوات الأمن والمخابرات. وعلى نقابتي المحامين والأطباء الأردنيتين العمل لضمان قدرة العاملين الطبيين على التواصل مع المحتجزين، وقدرتهم على الإدلاء بشهاداتهم أمام المحكمة دون خوفٍ من الانتقام. أما على المستوى القضائي، فعلى مجلس القضاء الأعلى أن يعمل على تعزيز استقلالية القضاء وضمان عدم مقاضاة المدنيين إلا من قبل النيابة العامة المدنية. وإذا ارتكب موظفو الدولة وعناصرها جرائم ضد حقوق الإنسان، فعلى النيابة العامة الأردنية محاسبتهم.

يستند هذا التقرير على أبحاث التي أجرتها هيومن رايتس ووتش في الأردن في سبتمبر/أيلول 2005 ويناير/كانون الثاني 2006. وقد زارت المنظمة عمان وإربد والزرقاء والرصيفة، وقابلت أكثر من 20 شخصاً ممن سبق احتجازهم لدى دائرة المخابرات العامة، أو قابلت أفراداً من أسرهم، إضافةً إلى مقابلة عدد من النواب ومحامي الدفاع والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان وأحد المدعين العامين.

وكانت هيومن رايتس ووتش قد خاطبت دائرة المخابرات العامة ثلاث مرات طالبةً الحصول على معلومات وترتيب لقاء معها، لكنها لم تتلق رداً منها. وفي تاريخٍ لاحق، طلبت المنظمة الاجتماع بمسئولي الدائرة في أواخر يونيو/حزيران وأوائل يوليو/تموز، عبر قنواتٍ خاصة ومن خلال متحدث باسم الحكومة، لكنها لم تتلق أي رد.





1 مقابلة هيومن رايتس ووتش مع محمد البرقاوي، ابن عصام البرقاوي (المعروف أيضاً باسم أبو محمد المقدسي)، بشأن إعادة دائرة المخابرات العامة اعتقال البرقاوي الأب دون توجيه تهمة إليه، الرصيفة، 13 سبتمبر/أيلول 2005.