I. الملخص

إن الحكومة السودانية مسئولة عن "التطهير العرقي" والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دارفور، وهي واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها صعوبة في الوصول، وتقع على حدود السودان مع تشاد. لقد قامت الحكومة السودانية وميليشيا "الجنجويد" العربية التي تحصل على السلاح والدعم من الحكومة بارتكاب العديد من الهجمات ضد السكان المدنيين من الأفارقة الفور والمساليت والزغاوة.

وقد تغاضت القوات الحكومية عن هذه المجازر وشاركت بشكل مباشر في عمليات إعدام سريعة للمدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، وفي حرق البلدات والقرى والإخلاء القسري لمناطق واسعة كانت مأهولة بالفور والمساليت والزغاوة. وقامت ميليشيا الجنجويد، وهم مسلمون مثل الجماعات الأفريقية التي يهاجمونها، بتدمير المساجد وقتل رجال الدين وتدنيس نسخ القرآن التابعة لأعدائهم.

كما أقدمت الحكومة وحلفاؤها الجنجويد على قتل الآلاف من الفور والمساليت والزغاوة – وغالباً بدم بارد، واغتصبوا النساء ودمروا القرى ومخازن الطعام والمواد الأخرى الأساسية للسكان المدنيين. واقتادوا أكثر من مليون مدني، معظمهم مزارعون، إلى معسكرات ومستوطنات حيث يعيشون على الكفاف خاضعين لإساءات الجنجويد. وقد فر أكثر من 110 آلاف آخرون إلى تشاد المجاورة ولكن الغالبية الساحقة من ضحايا الحرب لا تزال عالقة في دارفور.

إن لهذا الصراع جذور تاريخية ولكنه احتدم في فبراير/شباط 2003، عندما طالبت مجموعتان من المتمردين، جيش/حركة تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة المنبثقتان من جماعات الفور والمساليت والزغاوة العرقية، بوضع حد للتهميش الاقتصادي المزمن وبالمشاركة في السلطة داخل الدولة السودانية التي يحكمها العرب. كما طالبتا الحكومة بوضع حد للانتهاكات التي يقوم بها منافسوهم، الرعاة العرب الذين جاءوا إلى الأراضي الزراعية الأفريقية بسبب الجفاف والتصحر، والذين لديهم تقاليد بدوية بالاحتفاظ بميليشيات مسلحة.

وقد ردت الحكومة على هذا التهديد المسلح والسياسي باستهداف التجمعات السكانية المدنية التي ينحدر منها المتمردون، وانخرطت بكل صفاقة في الاصطفافات العرقية من خلال تنظيم شراكة عسكرية وسياسية مع بعض البدو العرب الذين يشكلون جماعات الجنجويد. إذ قامت بتسليحهم وتدريبهم وتنظيمهم، وأمنت لهم حماية فعلية ضد كل الجرائم التي يرتكبونها.

وتتميز الشراكة بين الحكومة والجنجويد بالهجمات المشتركة على المدنيين أكثر منها على المتمردين. ويقوم بهذه الهجمات أفراد من الجيش السوداني والجنجويد الذين يرتدون بدلات موحدة لا يمكن تمييزها في الواقع عن لباس الجيش.

ورغم أن الجنجويد يكونون دائماً أكثر عدداً من الجنود النظاميين، إلا أن القوات الحكومية تصل عادة قبلهم وتغادر بعدهم. وحسبما قال أحد القرويين المهجرين: "إنهم [الجنود النظاميون] يرون كل شيء" يقوم به الجنجويد. "يأتون معهم ويقاتلون معهم ويغادرون معهم".

وكثيراً ما يتم دعم غارات الحكومة – الجنجويد بسلاح الطيران السوداني. وقد أدى الكثير من هذه الغارات إلى تدمير تجمعات زراعية صغيرة، حيث يصل عدد القتلى إلى المئة. ومعظم هذه الحوادث غير مدونة.

لقد قضت منظمة هيومن رايتس ووتش 25 يوماً في غرب دارفور وعلى أطرافها توثق الانتهاكات التي وقعت في المناطق الريفية التي كانت مأهولة سابقاً بالمزارعين الفور والمساليت. ومنذ أغسطس/آب 2003، جرى حرق وإخلاء مناطق واسعة من أراضيهم التي تعتبر من أكثر الأراضي خصوبة في المنطقة. ومع استثناءات نادرة، فإن الريف خال الآن من سكانه الفور والمساليت الأصليين. لقد تم نهب أو إتلاف كل ما يمكن أن يقيم الأود وينقذ الحياة – المواشي ومخازن الطعام والآبار والمضخات والأغطية والملابس. وقد أحرقت القرى، ليس عشوائياً بل بصورة منهجية، وغالباً لمرتين وليس لمرة واحدة.

إن الحضور المنفلت للجنجويد في الريف المحروق وفي القرى المحروقة والمهجورة، دفع المدنيين إلى المخيمات والمستوطنات خارج المدن الكبيرة، حيث يقوم الجنجويد بالقتل والاغتصاب والسلب دون رقيب أو حسيب، حتى أنهم يسلبون مواد الإغاثة الطارئة.

ورغم النداءات الدولية المطالبة بإجراء تحقيقات في المزاعم التي تتحدث عن حصول انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، فقد جاء رد الحكومة بإنكار حصول أية انتهاكات مع محاولة للمناورة ومنع تسريب المعلومات. فقد ضيقت الحكومة على نشر الأخبار والتقارير عن دارفور في الصحف السودانية، وحدت من دخول وسائل الإعلام العالمية إلى دارفور، وحاولت منع تدفق اللاجئين إلى تشاد. ولم يسمح لفريقي تقييم رفيعي المستوى تابعين للأمم المتحدة بالدخول إلى دارفور إلا بعد مماطلة طويلة وضغط دولي. وقد وعدت الحكومة بإتاحة المساعدات الإنسانية دون أية قيود، ولكنها لم تلتزم بذلك. وبدلاً من ذلك، تؤكد آخر التقارير أن الحكومة تعبث بالمقابر الجماعية، وتشير دلائل أخرى إلى أنها تدرك تماماً هول جرائمها وتحاول الآن التغطية على أي توثيق.

ومع بدء موسم الأمطار في أواخر مايو/أيار وما يستتبع ذلك من صعوبات لوجستية تزيد من تفاقمها الحالة الرديئة للطرقات والبنية التحتية في دارفور، ستصبح المراقبة الدولية لوقف إطلاق النار الهش الذي تم التوصل إليه في أبريل/نيسان، إضافة إلى وصول المساعدات الإنسانية، أكثر صعوبة. وقد حذرت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من أنه ما لم تكف الحكومة السودانية عن ممارساتها السابقة وتسمح بعبور إنساني مباشر فإنه من الممكن أن يموت في دارفور، في غضون السنة القادمة، مئة ألف مدني متأثرين بالحرب جراء المرض ونقص الطعام.

إن على المجتمع الدولي أن يتحرك على الفور بعد أن كان حتى الآن بطيئاً في ممارسة كل الضغوط الممكنة على الحكومة السودانية لدفعها إلى وقف التطهير العرقي وإنهاء الجرائم ضد الإنسانية المرافقة له. وعلى مجلس الأمن بوجه خاص أن يتخذ إجراءات عاجلة لضمان حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بلا قيود ووقف التطهير العرقي في دارفور. ويجب التحرك السريع كي لا يسبق السيف العذل.