التطورات في مجال حقوق الإنسان الدفاع عن حقوق الإنسان دور المجتمع الدولي
التطورات في مجال حقوق الإنسان
  لم تحرز مبادرة "الوئام المدني" التي قام بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلا قدراً محدوداً من النجاح في وضع حد لأعمال العنف التي اجتاحت البلاد في معظم سنوات العقد المنصرم، وإذا كان العنف قد ضاق نطاقه عما كان عليه في السنوات السابقة، فلقد استمر ارتكاب الهجمات الوحشية على المدنيين دون تمييز، واستمر وقوع المصادمات بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة، مما أدى إلى خسائر في الأرواح تقدر بنحو 200 قتيل في الشهر؛ ولم تكد ترد أي أنباء تفيد بالقبض على مرتكبي هذه الأعمال وإحالتهم إلى العدالة. وكان التحسن في أحوال الأمن العام، بصفة عامة، وخصوصاً في المدن الكبرى، يتجلى في تضاؤل عدد أنباء أحداث الاعتقال التعسفي، و"الاختفاء"، والتعذيب، ولكن عدم إحراز الحكومة أي تقدم في حل مشكلة "اختفاء" آلاف الأشخاص كان يمثل وصمةً تشين سجل حقوق الإنسان لدى الحكومة، إلى جانب عدم قيامها بالإصلاحات اللازمة للحيلولة دون عودة قوات الأمن إلى دأبها في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

وكان قانون الوئام المدني الذي صدر في يوليو/تموز 1999، وحظي بالتأييد الساحق في استفتاء شعبي عُقد في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ينص على مهلة غايتها 13 يناير/كانون الثاني 2000 لقيام أفراد الجماعات المسلحة وأنصارهم بتسليم أنفسهم إلى السلطات. وكان القانون ينص على الحصانة من المحاكمة لكل من لم يقدم بنفسه على ارتكاب القتل أو تفجير القنابل وغير ذلك من الجرائم الخطيرة، وينص أيضاً على تخفيف العقوبة إلى حد ملموس لكل من يعترف بمسؤوليته عن التسبب في موت شخص أو إصابته بعاهة مستديمة، أو عن الاغتصاب أو استخدام المفرقعات في أماكن عامة، أو في الأماكن التي يرتادها الجمهور.
ومن ناحية المبدأ، يشترط القانون على كل من يريد الاستفادة من هذه النصوص أن يقوم بتسليم أسلحته وبالإدلاء باعتراف كامل عما فعله للسلطات. ويقول المسؤولون إن تطبيق نصوص القانون الخاصة بوضع الشخص تحت المراقبة أو بتخفيف العقوبة لا يبدأ إلا بعد أن تتحقق أجهزة الأمن المحلية والوطنية من صدق تلك الاعترافات.
وورد أن مسألة قبول شروط قانون الوئام المدني أو رفضها أدت إلى إثارة خلافات كبيرة داخل الجماعات المسلحة، وخصوصاً في صفوف الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي كان قد حافظ عملياً على وقف إطلاق النار مع الجيش منذ أكتوبر/تشرين الأول 1997. وورد أن البعض كانوا يطالبون بشروط تتضمن تخويل دور سياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهي المحظورة منذ عام 1992. وقد اغتيل عبد القادر حشاني في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1999، وكان أرفع مسؤولي الجبهة المذكورة من غير المعتقلين، في الجزائر العاصمة.

وأعلنت السلطات في ديسمبر/كانون الأول 1999 القبض على قاتله المزعوم، ولكنها لم تذع حتى أكتوبر/تشرين الأول 2000 أي معلومات بشأن التحقيق في مقتله.
وفي يوم 10 يناير/كانون الثاني، أي قبل انتهاء مهلة الشهور الستة التي نص عليها قانون الوئام المدني بثلاثة أيام، أصدر الرئيس بوتفليقة مرسوماً يمنح "الإعفاء بقوة العفو الشامل" للأشخاص الذين ينتمون إلى المنظمات التي تقرر طوعاً ومن تلقاء ذاتها، أن تمتنع عن أعمال العنف، وأن تضع أنفسها رهن تصرف الدولة بالكامل، والتي تظهر أسماؤها في ملحق [هذا] المرسوم ـ ألا وهي "الجيش الإسلامي للإنقاذ". وكان هذا المرسوم ينص على إعفاء جميع الأشخاص الذين ينطبق عليهم من الاعتراف بأي أعمال ارتكبوها ومن السجن أو غيره من أشكال العقوبة، كما كان ينص على إعفائهم من الحرمان عشر سنوات من الحقوق المدنية والسياسية، مثل حق التصويت والترشيح لشغل المناصب العامة، وهو ما كان يخضع له الأشخاص "التائبون" بموجب شروط قانون الوئام المدني.
أي أن المرسوم كان يمثل في الواقع عفواً عاماً شاملاً عن جميع الجرائم مهما بلغت بشاعتها. وفي اليوم التالي، 11 يناير/كانون الثاني، أصدر مدني مرزاق قائد "الجيش الإسلامي للإنقاذ" إعلاناً رسمياً بحل تلك الجماعة، ولم يمض يومان حتى أعلنت "الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد" أنها حلّت نفسها بموجب شروط العفو الشامل، وهي التي كانت قد انفصلت عن الجماعة الإسلامية المسلحة وحافظت مع الجيش الإسلامي للإنقاذ على وقف إطلاق النار مع الجيش.

ولكن بعض عناصر الجماعة الإسلامية المسلحة، بقيادة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي يتزعمها عنتر زوابري وحسن حطاب، أدانت مبادرات الرئيس بوتفليقة واستمرت في ارتكاب اعتداءاتها على المدنيين وعلى مواقع رجال الأمن والدوريات العسكرية.
وزعمت الحكومة أن قانون الوئام المدني يحظى بشعبية واسعة، استناداً إلى نتائج استفتاء سبتمبر/أيلول 1999، ولكن ذلك القانون لم يكن ينص على الشفافية، ولا على مشاركة ضحايا الجرائم أو الجمهور العام. وارتفعت أصوات كثير من الجزائريين، وكانت أعلاها أصوات الجماعات التي تمثل أسر ضحايا اعتداءات الجماعات المسلحة، زاعمة أن التحقيقات التي أجريت مع "التائبين" ـ أي الذين قبلوا العفو العام بموجب القانون الجديد ـ كانت متعجلة، وأن عدداً كبيراً من "التائبين" بُرّئت ساحتهم قبل التحقق من صدق اعترافاتهم ودقتها، كما زعمت أن العفو الصادر في العاشر من يناير/كانون الثاني كان بمثابة خيانة لروح قانون الوئام المدني لأنه نص على العفو الشامل عن جميع الجرائم مهما بلغت خطورتها مما أتاح لمرتكبي القتل والاغتصاب أن يعودوا إلى مجتمعاتهم المحلية التي كانوا قد أشاعوا فيها الرعب والإرهاب.
وقد تجلى عدم توافر الشفافية على المستوى الرسمي في صعوبة الحصول على المعلومات الدقيقة بشأن تنفيذ القانون وعدد الأشخاص الذين استفادوا منه، بل وفي التضارب في هذه المعلومات في أحيان كثيرة؛ فلقد أفادت أنباء الصحف الجزائرية والفرنسية أن نحو 1500 من المقاتلين قد سلموا أنفسهم للسلطات بموجب القانون الجديد، وأن الإعفاء الصادر يوم 10 يناير/كانون الثاني شمل عدداً يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف من أعضاء الجيش الإسلامي للإنقاذ، على أقصى تقدير؛ وقالت صحيفة "الوطن" اليومية الصادرة في الجزائر العاصمة، استناداً إلى "مصادر وثيقة الصلة بأجهزة الأمن" يوم 13 يوليو/تموز، إن الذين لا يزالون يزاولون نشاطهم في الجماعات المسلحة يربو عددهم على 900، ويعملون في وحدات صغيرة بعيداً عن المناطق المأهولة الرئيسية. وقال وزير الداخلية يزيد زرهوني في مؤتمر صحفي عقده يوم 20 يناير/كانون الثاني إن "ثمانين في المائة من الإرهابيين" قد سلموا أسلحتهم؛ ولكن عندما ألح الحاضرون في أسئلتهم على معرفة أسلوب حساب هذه التقديرات، رد قائلاً "لا أستطيع تقديم الأعداد لكم، لسبب بسيط وهو أننا حالياً في مرحلة تحديد الهوية والتعداد".
وقال مسؤولو وزارة العدل لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار إن العدد الكلي للمستفيدين من قانون الوئام المدني والعفو الصادر يوم 10 يناير/كانون الثاني يبلغ نحو 5600، من بينهم نحو 330 يقضون عقوبات مخففة بالسجن على ارتكابهم جرائم العنف. وقال مراد زغير، رئيس نيابة ولاية الجزائر العاصمة لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن لجنة الإفراج عن المجرمين تحت الاختبار، التي يرأسها، قد نظرت قضايا نحو مائة من "التائبين"، وكان من بينهم نحو ثلاثين صدرت عليهم أحكام بالسجن، ونحو أربعين صدرت الأحكام ببراءتهم، وخمسة عشر لا يزالون رهن التحقيق. وهكذا فإن عدم قيام الحكومة بتقديم المعلومات الدقيقة عن المستفيدين بقانون الوئام المدني أو العفو الكامل، أو عن الجرائم التي اعترفوا بها أو التي اتهموا بارتكابها، أو عن ما آل إليه النظر في قضاياهم، قد دفع الكثيرين إلى الظن بأن مرتكبي الانتهاكات الجسيمة يفوزون بالبراءة ويكتسبون الحصانة دون إجراء ما يلزم من التحقيق في حالاتهم أو محاسبتهم على ما فعلوا.
ولم يشهد العام المنصرم تحقيق تقدم يذكر في الجهود المبذولة للبت في نحو 4000 حالة مسجلة من حالات "الاختفاء" المزعومة في السنوات السابقة والتي ارتكبها مسؤولو الأمن. ولقد واصل العاملون الجزائريون في مجال حقوق الإنسان، من محامين ومنظمات لأقارب "المختفين"، تلقي أنباء الحالات الجديدة وتوثيقها على مدار العام. وقد صرح الرئيس بوتفليقة في مقابلة نشرتها صحيفة "ميدل إيست إنسايت"، التي تصدر كل شهرين في العاصمة الأمريكية واشنطن، قائلاً "وأما عن الأفراد المختفين، فلن تدخر العدالة الجزائرية جهداً، في إطار القانون، لإيجاد الحلول اللازمة للقضايا التي تتوافر وثائقها الكاملة وأدلتها المؤكدة". ولكن المسؤولين الحكوميين رفضوا التصريح بالأسماء أو الإدلاء بالمعلومات الخاصة بالقضايا التي زعموا الانتهاء من البت فيها، رداً على الطلبات المتكررة من منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار، والطلبات التي قدمتها المنظمات الدولية الأخرى وأسر "المختفين". وأما المعلومات المتاحة، على قلتها، والتي قدمتها شتى الوزارات والمصادر الرسمية، فقد كانت تتسم بالتضارب فيما بينها، ولم تبذل الحكومة، فيما يبدو، أي جهود لإزالة مظاهر التفاوت في البيانات المختلفة. فقد عقد وزير الداخلية زرهوني مؤتمراً صحفياً يوم 20 يناير/كانون الثاني، قال فيه إن وزارته لديها شكاوى من حالات "اختفاء" بلغ عددها 4600، وإنها "استطاعت البت في عدد منها يتراوح بين 2600 و2700 حالة، ومن بينها حالات الذين عادوا إلى مخابئهم، وغيرهم ممن قتلهم رفاقهم، والبعض الذين دخلوا السجن، والبعض ممن عُثر عليهم في معسكرات الجيش الإسلامي للإنقاذ". وقال وزير العدل أحمد أويحيى لصحيفة "المجاهد" الحكومية اليومية في عددها الصادر يوم 21 مايو/أيار إن وزارته فتحت ملفات لحالات المفقودين التي بلغ عددها 3019، وإن "عدداً كبيراً من المختفين المزعومين كانوا في الحقيقة يعملون في صفوف الجماعات الإرهابية"، وإن مائتين منهم كانوا "أحياء ويتمتعون بصحة جيدة إما في الحبس أو بين المستفيدين من قانون الوئام المدني".

وقال المسؤولون في وزارة العدل لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن الحالات المذكورة التي يبلغ عددها 3019 حالة تضم عدداً تسعى قوات الأمن للقبض عليه ويبلغ 833 شخصاً، وعدداً آخر ممن لاقوا حتفهم في المصادمات مع قوات الأمن، ويبلغ ثلاثة وتسعين، وعدداً من المعتقلين يبلغ اثنين وثمانين، وعدداً من القتلى في الاشتباكات التي وقعت بين الجماعات المسلحة نفسها يبلغ تسعة أشخاص، وعدداً آخر يبلغ تسعة وأربعين أُفرج عنهم و"ربما يكونون قد انضموا إلى صفوف الإرهابيين"، إلى جانب أربعة وسبعين شخصاً يقيمون في منازلهم. وطلبت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" الحصول على أسماء الأفراد الذين ينتمون إلى أي فئة من الفئات المذكورة، للتحقق من مدى اتفاقها مع تلك التي جمعها المحامون ومجموعات حقوق الإنسان، ولكن المسؤولين رفضوا تقديمها استناداً إلى أنهم كانوا ما يزالون جميعاً "رهن التحقيق".
وقال كمال رزاق باره، رئيس "المرصد الوطني لحقوق الإنسان"، وهو هيئة شبه رسمية، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار إن الهيئة لديها عدد من ملفات "المختفين" التي لم تُغلق حتى الآن، يتضمن 4146 قضية، وترجع نسبة 70 في المائة منها إلى الفترة من 1993 إلى 1995، وأحدثها يرجع إلى عام 1998. وقد رفض الإدلاء بأسماء المفقودين، مؤكدا أن ذلك "لا فائدة منه"، ولكنه قدم ملخصات شفوية للعديد من حالات الأشخاص الذين ورد أنهم قد "اختفوا"، وقال إن بعضهم قد قُتل في المصادمات التي وقعت مع قوات الأمن والبعض الآخر مقيم في منزله.
وتتجلى استهانة مسؤولي وزارة الداخلية بالتصدي لقضية "المختفين" فيما ذكروه لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار، إذ قالوا إن مشكلة "اختفاء" وفقد ثلاثة آلاف شخص من بين السكان الذين يبلغ تعدادهم اليوم ثلاثين مليوناً لا تعتبر مشكلة عويصة إذا قورنت بمشكلة المفقودين إبان حرب الاستقلال الجزائرية، الذين يبلغ عددهم نحو خمسين ألفاً من بين عدد السكان الكلي الذي لم يكن يتعدى تسعة ملايين نسمة آنذاك.
واستمر وقوع الضحايا من النساء، إلى جانب الرجال والأطفال، على أيدي القتلة من أفراد الجماعات المسلحة (انظر باب التطورات في مجال حقوق المرأة)، إذ ذكرت الصحف الجزائرية، استناداً إلى التقديرات الرسمية، أن عدد النساء اللائي تعرضن للاعتداءات الجنسية أو الاغتصاب بلغ 2600 أثناء الصراع، والأغلبية في الفترة من 1995 إلى 1998، ولو أن بعض دعاة حقوق المرأة يقدرون العدد بنحو 5000، وقد أشار المسؤولون الحكوميون في لقائهم مع منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار، إلى النسبة العالية من النساء العاملات بالمهن المتخصصة مثل الطب والمحاماة، باعتبار ذلك دليلاً على المساواة بين الجنسين، ولكنهم لم يستطيعوا التدليل على إحراز أي تقدم في التصدي للتمييز ضد المرأة الذي ينطوي عليه قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1984، فهو يضع أسساً قانونية لعدم مساواة المرأة بالرجل في مسائل الأحوال الشخصية، والزواج والطلاق والملكية والميراث. وقال الرئيس بوتفليقة في المؤتمر الذي عُقد في مارس/آذار 2000 وقام بتنظيمه عدد من جماعات الدفاع عن حقوق المرأة، إن أي تغييرات في مجال حقوق المرأة يجب أن تأخذ في اعتبارها المعتقدات والتقاليد الدينية للمجتمع.
وقامت قوات الأمن باعتقال العديد من الأفراد واحتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي، وكان من بينهم شخص واحد على الأقل انقطعت أخباره حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2000؛ وكان قد قُبض عليه، واسمه الحاج مالك، البالغ من العمر ثلاثاً وسبعين سنة، في منزله بوسط الجزائر العاصمة في مساء يوم 13 إبريل/نيسان، بعد ساعات معدودة من زيارة مسؤولي الأمن لمنزله بحثاً عن ابنه. وقالت أسرته إنها لم تنجح في الاتصال به ولم تتلق أي إيضاح من السلطات عن مكان وجوده، حتى منتصف سبتمبر/أيلول. وفي 27 مايو/أيار اعتقلت السلطات علي مبروكين عند عودته من باريس، وهو أستاذ القانون في المعهد الوطني للإدارة في الجزائر العاصمة والمستشار السابق للرئيس ليمين زروال؛ وطبقاً لما جاء في موقع الإنترنت الذي يحمل عنوان الشبكة الجزائرية للمعلومات ومقرها باريس، فقد تمكنت زوجته من مقابلته مرة واحدة في منتصف يونيو/حزيران عندما أحضرته الشرطة إلى المنزل وقامت بتفتيش البيت ومصادرة بعض الوثائق. وقامت الشرطة في وقت لاحق باقتياد زوجته، واسمها إنصاف، إلى مكان سري، والتحقيق معها ثم إطلاق سراحها بعد التنبيه عليها بالتزام "الصمت" إزاء زوجها. وفي يوم 28 يونيو/حزيران أكد قاضي التحقيق العسكري الذي يشرف على القضية لمحامي مبروكين أنه محتجز في السجن الحربي في البليدة، ولكنه لم يفصح عن أي تهمة وجهت إليه أو يصرح بأي معلومات عن اعتقاله.
وأكد مسؤولو وزارة العدل لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" في مايو/أيار أن الحكومة لا تتهاون في النظر إلى مزاعم ارتكاب المسؤولين الحكوميين أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وقالوا إن الحكومة قد حاكمت 348 شخصاً من المرتبطين بقوات الأمن، ومن بينهم أفراد ميليشيات "الدفاع الذاتي" (جماعات الدفاع المشروع) التي تتولى وزارة الداخلية تنظيمها وتسليحها، على ما ارتكبوه من انتهاكات لحقوق الإنسان منذ عام 1992. وقالوا إن 179 قضية من هذه القضايا تضمنت الإيذاء البدني، و15 قضية منها تتعلق بالاعتقال التعسفي أو التعذيب. ولكن المسؤولين رفضوا الكشف عن أي أسماء أو أي بيانات أخرى، ولو أنهم أشاروا إلى أن العدد المذكور يتضمن العديد من رجال الشرطة الذين عوقبوا على تورطهم في إحدى الحوادث التي حظيت باهتمام إعلامي كبير وكانت قد وقعت في ديسمبر/كانون الأول 1999، في بلدة دليس؛ إذ قامت السلطات في أعقاب انفجار قنبلة، باعتقال نحو مائة شخص وضرب الكثيرين منهم. ولكن المسؤولين أخبروا منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" بأن المحاكمات لم تبدأ حتى الآن في قضية عمدتين وبعض زعماء جماعات الدفاع المشروع في منطقة رليزان، الذين احتُجزوا فترة قصيرة في إبريل/نيسان 1998 بتهمة ارتكاب سلسلة من حوادث الاختطاف والإعدام، وأضافوا أن القضية لا تزال "رهن التحقيق".
ويبدو أن السلطات لم تبذل جهوداً تذكر لإرساء نظام فعال يضمن قيام هيئة الطب الشرعي باتخاذ الإجراءات الأساسية لتحديد هوية ضحايا جرائم القتل والمشتبه فيهم، مما يساعد على البت فيما إذا كانت الجثث التي عُثر عليها في قبور لا تحمل علامات تميزها تشمل جثث أشخاص ممن ورد أنهم "اختفوا" أثناء وجودهم لدى قوات الأمن في السنوات السابقة. وقد ورد أن الرئيس بوتفليقة سُئل أثناء زيارته لكندا في إبريل/نيسان عن احتمال القيام بتحريات مستقلة ذات مصداقية لتحديد المسؤولية عن حالات "الاختفاء" والمذابح التي وقعت في الجزائر، فأجاب بأن ذلك مرفوض باعتباره ضرباً من "الملاعبات الفكرية". وأبقت الحكومة على حالة الطوارئ منذ إعلانها في عام 1992، واتخذت بعض الإجراءات في عدة مناسبات لمنع عقد الاجتماعات العامة من جانب منظمات حقوق الإنسان ومنتقدي السياسات التي تنتهجها الحكومة. فقامت الشرطة في وهران يوم 22 مارس/آذار، على سبيل المثال، باستعمال القوة في تفريق مظاهرة قام بها أقارب "المختفين"، ثم وجهت الاتهام بعد ذلك إلى عدد من النساء بالمشاركة في اجتماع جماهيري غير مصرح به في مكان عام. واصطدمت الشرطة يوم 25 يونيو/حزيران مع المتظاهرين في مؤتمر شعبي عقد دون تصريح في الجزائر العاصمة لإحياء الذكرى السنوية الثانية لمقتل معطوب لوناس، وهو مطرب قبائلي من دعاة حقوق الإنسان.

وقالت عدة منظمات معنية بحقوق الإنسان لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن السياسات الحكومية تضع قيوداً على حقها في تكوين الجمعيات؛ وقامت الرابطة الوطنية لأسر "المختفين" بعقد مظاهرات أسبوعية خارج مقر المرصد الوطني لحقوق الإنسان لمطالبة الحكومة بتقديم المعلومات اللازمة عن الأقارب المفقودين، ولكنها لم تستطع الحصول على إذن رسمي بمزاولة عملها. وواجهت رابطة أسر "المختفين" في مدينة قسنطينة مشكلة مماثلة، وقالت إن السلطات قد تدخلت عدة مرات في مظاهراتها الدورية خارج المكاتب الحكومية. وقال علي مرابط، أحد مؤسسي منظمة "الصمود"، التي تنادي بالتحقيق في أحداث القتل والاختطاف، إن وزارة الداخلية قد تجاهلت الطلب الذي تقدمت به للتسجيل منذ ثلاث سنوات، وان الجماعة لن تتمكن دون هذا التسجيل من الحصول على التصريح بعقد الاجتماعات أو بفتح حساب مصرفي خاص بها. كما قدمت رابطة "تجمع-عمل-شبيبة" (RAJ)، وهي رابطة وطنية للشباب، بعض الوثائق التي تثبت رفض السلطات المحلية في السنوات الأخيرة عدة مرات للطلبات التي قدمتها لعقد الاجتماعات أو المؤتمرات أو المعارض أو العروض السينمائية في الجزائر العاصمة ومدينة تيزي أوزو. وقال حكيم عداد، الأمين العام للرابطة، لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" إن السلطات تواصل فرض الحظر على اجتماعات الرابطة وغيرها من المنظمات، ولو أنها لم تعد تصدر أوامر الحظر في صورة كتابية.
وأصبح التزام الحكومة بحرية تكوين الجمعيات موضع الشك بسبب موقفها إزاء الجهود التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 1999 لتسجيل حزب سياسي جديد، يُدعى "حركة الوفاء والعدالة" (ويشار إليه باسم "وفاء") بزعامة أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الخارجية الأسبق والمرشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 1999. وكان البعض يرون أن حركة "وفاء" تمثل قطاعاً من قطاعات حزبٍ محظور هو "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". ويقضي قانون الأحزاب السياسية بمنح الحكومة مهلة غايتها ستون يوماً قبل إعلان رفض طلب حركة "وفاء"، ولكنها لم تفعل ذلك؛ بل إن وزير الداخلية رفض نشر إعلان تسجيل الحزب في الجريدة الرسمية، وهي خطوة تتطلب توقيعه ولا يمكن للحزب بدونها أن يحصل على التصاريح اللازمة لعقد الاجتماعات والمؤتمرات؛ وأعلن الوزير يوم 10 مايو/أيار أنه "لن يكون الشخص الذي يوقع على قرار عودة الحزب المحظور". وطالبت "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، و"الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، الحكومة في يوليو/تموز بتسجيل حركة "وفاء" وفقاً للقانون، ولكن رزاق بارا، رئيس "المرصد الوطني لحقوق الإنسان"، أكد لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان" أن ممارسة حركة "وفاء" لعملها لا تتطلب رداً رسمياً من الحكومة.
واستمرت الإقامة الجبرية في المنزل المفروضة على عباس مدني، زعيم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وظل الرجل الثاني في الحزب، علي بلحاج، مسجوناً ولو أن السلطات سمحت لأفراد أسرته بزيارته. وعندما سئل الرئيس بوتفليقة عن أوضاعهما في مقابلة نشرتها صحيفة "الحياة" اليومية الموجهة لجميع العرب يوم 13 سبتمبر/أيلول، أجاب قائلاً: "لقد حُلّت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بموجب حكم محكمة قبل أن أتولى السلطة، والدستور الجديد لا ينص إطلاقاً على وجود هذه الجبهة، فأرجوك ألا تخاطبني بشأن هذا الموضوع، لأنني أعتبر أن هذه الجبهة غير موجودة". وقال إن بلحاج "يعيش حالياً في ظل ظروف أفضل مما كانت عليه في أي وقت مضى"، مضيفاً أنه "إذا تبرأ علي بلحاج من جميع الذين يستخدمون العنف، فسوف أساعده".
وقد تناولت وسائل الإعلام الجزائرية المطبوعة التي يملكها القطاع الخاص عدداً كبيراً من القضايا ذات الحساسية السياسية، وعالجتها بعين الناقد، ولو أن بعض الموضوعات مثل الدور السياسي للقيادة العسكرية ظلت خارج النطاق المسموح به؛ إذ استمرت الموضوعات الصحفية الخاصة بالعمليات الأمنية تعتمد اعتماداً شبه كامل على المصادر الرسمية، فكانت تصور الهجمات والمصادمات التي تسفر عن مقتل بعض "الإرهابيين"، دون تحديد أسمائهم، ولكنها نادراً ما كانت تنشر أنباء القبض عليهم. ولم تقدم السلطات أي صحفي للمحاكمة بتهمة نشر "معلومات متعلقة بالأمن" ولكن جمعية "صحفيين بلا حدود" ذكرت أن العديد من الناشرين رُفعت عليهم قضايا السب والقذف، وكان من بينها القضايا التي رفعها ضباط الجيش أو مديرو شركات القطاع العام. واستمر تعطيل صحيفة "لاناسيون" الأسبوعية المستقلة، وكان السبب الظاهر هو امتناعها عن تسديد المبالغ التي تدين بها لشركة الطباعة الجزائرية، وهي من دور الطباعة التي تحتكر فعلياً طباعة الصحف في الجزائر؛ وذكرت جمعية "صحفيون بلا حدود"، في أعقاب زيارة للبلاد في يونيو/حزيران، أن مديري عدة صحف توقفت عن الصدور منذ عام 1992 لم يستطيعوا الحصول على التصريح الرسمي الذي تطلبه شركات الطباعة التي تملكها الدولة، والذي لابد منه لاستئناف صدورها.

وظلت أجهزة الإعلام الإذاعية حكراً على الحكومة. ولم يستطع الصحفيون العاملون في صحيفة "ليبراسيون" اليومية، التي تصدر في باريس، والعاملون في إذاعة "راديو فرانس" الدولية، الحصول على تأشيرات دخول للجزائر في الفترة التي سبقت مباشرة الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس بوتفليقة لباريس في يونيو/حزيران (انظر أدناه).

الجزائر
Middle East And Noth Africa Women's Rights Algeria Egypt Iran Iraq And Iraqi Kurdistan Israel, the Occupied West Bank and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories Kuwait Saudi Arabia Syria Tunisia Yemen Download
الصفحة الرئيسية  || صفحة الشرق الأوسط  || اكتب لنا  || التقرير السنوي لعام 2000