Egypt



Egypt Egypt
  

II. قانون الأحزاب السياسية

تعود جذور قانون الأحزاب السياسية الحالي إلى زمنٍ سعى فيه الرئيس السابق أنور السادات إلى تعزيز حكمه. ففي عام 1962، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر، سلف السادات، الميثاق الوطني الذي أسس الاتحاد الاشتراكي العربي بوصفه الحزب السياسي الوحيد في البلاد. وفي العام 1974 سعى السادات إلى تفكيك الحزب الواحد الذي أقامه عبد الناصر فقسمه إلى ثلاثة أجنحة أو "منابر". وبعد عامين، حوّل هذه المنابر إلى أحزاب فأنشأ الحزب الوطني الديمقراطي، وحزب التجمع (الوطني التقدمي الوحدوي) وحزب الأحرار (الليبرالي). وفي يونيو/حزيران 1977، وقّع السادات على أول قانون مصري لتنظيم الأحزاب السياسية بعد الاستقلال (القانون رقم 40 لعام 1977، وهو "قانون الأحزاب السياسية الوطنية" أو "قانون الأحزاب")، والذي نص على أن "للمصريين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقا لأحكام هذا القانون".5

والواقع أنه لا مأخذ على كثير من أحكام هذا القانون. فهو ينص مثلاً على "عدم انطواء وسائل الحزب على إقامة أي نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية"، و"عدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي".6 كما يحدد القانون المعلومات الأساسية التي يجب أن يتضمنها طلب تسجيل الحزب الجديد مثل اسم الحزب وعنوانه ومصادر تمويله ونظامه الداخلي.7 لكن بعض أحكام القانون الأخرى تضع معايير أو شروطاً أكثر إشكالية على الأحزاب السياسية. وهي تزود الحكومة عملياً بسلطةٍ تعسفية واسعة لتقييد حق تشكيل الأحزاب والانتماء إليها بحرية.

وأما الأمر المنطوي على الإشكالية الأكبر في قانون 1977 فهو إنشاء لجنة الأحزاب السياسية، والتي تظل الأداة الأولى في يد الرئيس والحزب الحاكم للسيطرة على المشهد السياسي في مصر.8 فمن صلاحية هذه اللجنة رفض تسجيل أحزاب جديدة وتجميد تراخيص الأحزاب القائمة وإغلاق الصحف الحزبية، وكذلك إبطال قرارات الأحزاب أو تعليق نشاطها بزعم تحقيق "المصلحة القومية"، إضافةً إلى توجيه الطلب إلى المحكمة الإدارية العليا بالقاهرة لحل الأحزاب وتوزيع أموالها.

أما من ناحية تركيبها وسلطاتها، فإن لجنة الأحزاب السياسية صنيعة الرئيس والحزب الحاكم. فوفقاً لأحكام قانون 1977، يعين الرئيس ستةً من أعضائها السبعة، وهم: وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، وثلاثة من القضاة السابقين.9 ويصعب جداً اعتبار العضو السابع، وهو رئيس مجلس الشورى الذي يتولى رئاسة للجنة، عضواً مستقلاً. فبما أن الرئيس يعين ثلث أعضاء مجلس الشورى تعييناً مباشراً، وبينما يهيمن الحزب الوطني الديمقراطي على بقية المجلس؛ فلا مفر من أن يكون رئيس لجنة الأحزاب عضواً قيادياً في الحزب الحاكم وموالياً للرئيس. ويحتل كلا المنصبين الآن صفوت الشريف، وهو الأمين العام للحزب الحاكم أيضاً.

"وتختص اللجنة بفحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية"،10 ويحق لها التجميد المؤقت لنشاطات أي حزب قائم أو قياداته، وكذلك إبطال "أي قرار أو تصرف مخالف اتخذه الحزب" بالتشاور مع المدعي العام الاشتراكي بوزارة الداخلية "وذلك وفق مقتضيات المصلحة القومية وفي حال الاستعجال".11 ويمكن لرئيس لجنة الأحزاب السياسية أن يطلب من المدعي العام الاشتراكي إجراء تحقيق متصل بخرق الحزب أحد معايير المشاركة في الحياة السياسية. وطبقاً لقانون 1977، لا يجوز أن تخالف "أسس الحزب ومبادئه وأهدافه وبرامجه وسياساته وأساليب نشاطه" مبادئ "الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع"، وكذلك "مبادئ ثورتي 23 يوليو/تموز 1952، 15 مايو/أيار 1971"، أو الإخلال بمتطلبات "الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديمقراطي والمكاسب الاشتراكية".12 ويحدد القانون الشروط التالية للاعتراف بالحزب:

  • "تميز برنامج الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى"؛13
  • "عدم قيام الحزب في مبادئه أو برامجه أو في مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه على أساس يتعارض مع أحكام القانون رقم 23 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي، أو على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة"؛14
  • ولا يجوز أن يكون قادة الحزب أو أعضائه "منتمين أو مرتبطين أو متعاونين مع أي حزب أو منظمة أو جماعة أو قوة سياسية" تدعو إلى إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل؛15
  • أن لا يكون الحزب إعادة تكوينٍ لحزبٍ منعته الحكومة سابقاً.16

وإذا أقرت لجنة الأحزاب السياسية بأن أحد الأحزاب القائمة المعترف بها خرق واحداً من مبادئ المشاركة في الحياة السياسية، فيمكن لرئيس اللجنة أن يطلب من مجلس الدولة17 في الدائرة الأولى من المحكمة الإدارية العليا حل الحزب وتصفية أمواله وتحديد الحزب الذي يستوعب أعضاء الحزب المحلول ومسؤولية المنتخبين وموجوداته.18 ويمكن للأحزاب الاعتراض على قرار تعليق نشاطها، وهذا ليس قبل انقضاء ثلاثة أشهر على القرار.19

ويخول قانون الأحزاب أيضاً لجنة الأحزاب السياسية الحق بإعادة النظر في السماح بنشاط الحزب الجديد أو القائم استناداً إلى معايير من قبيل "كون برنامج الحزب يمثل إضافة إلى الحياة السياسية"،20 أو إذا كان تأسيسه أو وجوده يلحق ضرراً "بالوحدة الوطنية".21



5 القانون 40/1977، المادة 1.

6 المصدر السابق، المادة 4.4.

7 المصدر السابق، المادة 5.

8 المصدر السابق، المادة 8.

9 المصدر السابق.

10 القانون 177/2005، المادة 8.

11 المصدر السابق، المادة 17.

12 القانون رقم 40/1977، المادة 4.1.1-3.

13 المصدر السابق، المادة 4.2.

14 المصدر السابق، المادة 4.3.

15 المصدر السابق، المادة 4.5-7.

16 المصدر السابق، المادة 4.8.

17 مجلس الدولة هيئة شبه قضائية تتألف من 15 عضواً: 7 من قضاة الدائرة الأولى في المحكمة الإدارية العليا وثمانية "شخصيات عامة مشهودٌ لها بالكفاءة والسمعة الحسنة". ويختار وزير العدل هذه الشخصيات العامة شريطة موافقة مجلس القضاء الأعلى. كما تقرر وزارة العدل بدورها تركيب مجلس القضاء الأعلى وهو الهيئة المسؤولة عن تعيين القضاة وترقيتهم وتوليتهم. ويمكن لوزارة العدل تعيين أي شخص لعضوية ثمانية من مقاعد مجلس القضاء الأعلى الخمسة عشر. أما الأعضاء السبعة الباقون فيتولون مقاعدهم في المجلس بحكم مناصبهم (وهم المدعي العام، ووزير الدولة للعدل ورئيس محكمة النقض واثنان من مستشاريها ورئيس محكمة الاستئناف وكبير مستشاري المحكمة الابتدائية بالقاهرة). وبما أن السلطة التنفيذية هي التي تعين المدعي العام ووزير الدولة للعدل ورئيس محكمة النقض، فإن 11 من أصل 15 عضواً في مجلس القضاء الأعلى يعينون من قبل السلطة التنفيذية تعييناً مباشراً. وهذا ما يسهل عليها أن تقرر أسماء القضاة الذين يتولون المواقع الرئيسية كالمواقع التي تؤدي إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى نفسه أو إلى عضوية مجلس الدولة (أي أنها تقرر أسماء القضاة الذين ينظرون في الاعتراضات على رفض تسجيل الأحزاب السياسية).

18 القانون 177/2005، المادة 17.

19 المصدر السابق، وإذا رفض الاعتراض يمكن للحزب الاعتراض بعد انقضاء ثلاثة أشهر أخرى.

20 القانون 177/2005، المادة 4.3.

21 المصدر السابق، المادة 4.2.