المحتويات الفصل الأول: العدالة في الميزان: مقدمة || الفصل الثاني:السلوك المثلي والقانون: ظروف الحملة || الفصل الثالث: الفضيحة والعار: محاكمات "كوين بوت" || الفصل الرابع: في إثر "كوين بوت": التعدي علي الخصوصية و روابط الجماعة || الفصل الخامس: استغلال الوحدة والإيقاع فى الفخ عبر الإنترنت || الفصل السادس: المرآة المعيوبة: التحيز وإجراءات القانون || الفصل السابع: جسم الجريمة: دوافع التعذيب وجوانبه الطبية || الفصل الثامن: خاتمة || الملحق: القوانين المتعلقة بالسلوك المثلي في مصر || شكر وتوطئة || الهوامش

الفصل الخامس: استغلال الوحدة والإيقاع فى الفخ عبر الإنترنت

أ. قصة راؤول

كان اسمه على الإنترنت رءول. كان دءوباً لكنه ساحر. كان عبر الكمبيوتر يمد يد الصداقة للآخرين الذين لولا الكمبيوتر لما عرفوه. إلا أنه كانت لديه ميزة قرّبته إلى قلوب الكثير من الرجال الذين يعانون الوحدة ممن عرفهم عبر إعلانات "أريد صديقاً" أو الذين كان يتحدث معهم عبر خدمة "التشات" (أى المحادثة الفورية) وكانت هذه الميزة فضوله الشديد فيما يتعلق بحياة الناس ورغم غياب اللقاء وجها لوجه، إلا إن بعض الناس وقعوا فى غرامة لأنهم وجدوا شخصاً يتحدثون معه مهتماً، بل شغوفاً بمعرفة كل تفاصيل حياتهم.

ليه لازم أعيش بعيد عن أهلى واصحابى، وعن بلدى لمدة مش عارف هتبقى قد أيه؟
ليه كان لازم يذلوا امى على أنها أم الخول؟ ليه كان لازم أشوف أمى طالعه سلم المحكمة على أيديها وركبها؟
ليه يستمتعوا بتدمير حياتنا؟ ليه كنت بشوف نظرة الانتصار فى عينيهم وهم بيستجوبونى؟
أعتقد أنى لسه بنى آدم حتى ولو كنت جاى، وأعتقد فى عندى حقوق، بس كل حقوقى ضايعة، وأنا محتاج مساعدة، محتاج استرد حقوقى وأضعها …. كل إلى عاوزه دلوقتى أن كل الي فى السجن دول حقوقهم ترجع لهم.
محتاج حقوقى ترجع لى. وشكراً.[312]


فى نهايات عام 2002، رد راؤولعلى إعلان "أريد صديقا" وضعه أمجد، وهو شاب فى العشرينات من عمره، موظفاً يسكن مع والديه، يخفى طبيعته الجنسية ويعانى من الوحدة المؤلمة، مد راؤوليد الصداقة لأمجد وأرسل الآخر رداً:
    سأبدأ أول رسالة لك بقولى إنى أسعد بمراسلتك وإنى أكون صديق لك. يبدو إنك شخص طيب ورومنسى… لك أن تتصل بى فى أى وقت. ولكن تذكر إن أهلى لا يعرفون إنى "جاى" - إذن - ستحدث كأصدقاء فقط. أنا أعرف إنك ستقدر موقفى.
بدأ "الحوار" بين كمبيوتر أمجد وكمبيوتر راؤول عبر برنامج من برامج المحادثة الفورية.[256] وكان راؤوليبدو عليه الحذر، شأنه كشأن كثير من المثليين الذين يستخدمون الإنترنت. كان يريد أن يرى وجوه من يتحدث معهم، فأرسل له أمجد صوراً فوتوغرافية له، وكان شكله جاداً يرتدى البدلة ورابطة العنق. حكى له راؤولعن ماضيه، كما استفسر عن تفاصيل التاريخ الجنسى لأمجد. وبعد قليل بدأ أمجد فى إرسال رسائل العشق والهيام عبر البريد الإلكترونى:
    أنا عمرى ما قلت لحد على الحاجات اللى قلتها لك امبارح، أنا دايما باخبى مشاعرى جوه قلبى بس ما قدرتش ادارى حاجة عنك…
ردود راءول جعلت أمجد أشد تأكداً بإن هذا هو الحب الحقيقى. وبعدها بأيام كتب أمجد: هذه مكافأتى
على الخير اللى عملته
ونيتى الصافية
وروحى المؤمنة
هذه مكافأتى
أنت مكافأتى …
كنت منتظر شخص
شخص مثلك تماماً
ما ارحم الرب الذى أرسلك لى[257]
بعد كتابة هذه السطور بفترة وجيزة، سافر أمجد إلى القاهرة بهدف اللقاء براؤولوكلّه آمال.
لكن اللقاء المنتظر لم يتحقق، حيث إن راؤوللم يأت. لم يرجع ذلك إلى خوف راؤولأو مراجعته لنفسه. بل إن راؤولليس له وجود.
بدلاً من اللقاء المنتظر مع الحبيب، وجد أمجد نفسه محاطاً برجال الشرطة اثناء انتظاره فى ميدان التحرير، وساقوه إلى مقر الشرطة حيث ألقى القبض عليه. وكانت وحدته التى عانى منها هى التى أوقعته فى حبال أحدث أساليب نيابة آداب القاهرة لاصطياد الرجال المشكوك فى إنهم مثليين، وهو أسلوب استغلال المرشدين أو رجال الشرطة المتخفيين عبر الإنترنت. فما كان فضول راؤول– إلا اهتمام مخبر بالتفاصيل، بعيداً عن الرومانسية.

ب. جنس وأكاذيب وإنترنت: هويات من يوقع فى الفخ

تعلم هيومان رايتس ووتش بأسماء 46 رجلاً ممن أعتقلوا وحكموا بتهمة السلوك المثلى منذ بدايات عام 2001 إثر وقوعهم فى فخ شرطة عبر الإنترنت. وفى الغالب إن هذا الرقم لا يمثل إلى نسبة صغير من الإجمالى. والأدلة المقدمة فى هذه القضايا عادة تكون واهية بل أضعف من أدلة سائر قضايا "الفجور" ـ ومع ذلك يحكم فيها بالحبس، حيث أن رجال الشرطة ورجال النيابة نادرا ما يشككون فى المغالطات، حتى الجسيمة منها، فى تطبيق القانون المصرى.
دخل الإنترنت مصر فى 1993، ولم يزد مجموع مستخدميه عن الفين شخصا.[258] كان انتشاره بطيئا بسبب خطوط الهواتف المتهالكة وأسعار خدماته الغالية، ومع ذلك كان عدد المصريين الذين يستخدمون الإنترنت يقدّر بنصف المليون بنهاية عقد التسعينيات[259] وفى الأول من يناير/كانون الثانى لعام 2002 بدأ عهد جديد من الإتصال "المجانى" بالإنترنت: كان النظام إن أى مستخدم له أن يدخل على الإنترنت بسعر مكالمة التليفون العادية، على إن تقاسم الدولة الأرباح مع شركات مقدمى خدمات الإنترنت (ويطلق عليها ISP).[260] وحدثت طفره كبيرة فى عدد المستخدمين.
    يقول جوش وهو مواطن أمريكى مقيم بالقاهرة – وقد وقع وسام توفيق أبيض شريك حياته ضحية فخ شرطة بالإنترنت – إنه عند بداية الألفية الجديدة، كان العديد من المثليين المصريين سكان المدن "يعيشون فى عالم الإنترنت؛ كان أصدقاؤهم متصلين بالإنترنت؛ كانوا يمارسون اجتماعياتهم من خلاله".[261] وكانت هذه الوسيلة الجديدة توفر فرصاً عديدة للتواصل بين الناس. كانت مواقع على الإنترنت تتيح فرصة نشر إعلان "أريد صديقاً". كان بعضها مفتوحاً أمام المثليين وغير المثليين؛ كان معظمها محمياً بكلمات السر، ولا تتيح الدخول إلا للمشتركين. وكان هناك ما يسمى "بغرفة المحادثة" يتيح ما يسمى "بمقابلة" الناس وإجراء "حوار" عبر الشاشة. كما أن كثير من مواقع المثليين على الإنترنت بها "غرفة محادثة" مخصصة لدولة بعينها، فمثلا يمكن لمستخدم غرفة "مصر" فى مثل هذا الموقع أن يتعرف على جيرانه بشكل يضمن أن تظل هويته مجهولة ويخفى معالم سكنه الجغرافية. أما خدمات المحادثة الفورية فكانت متوفرة، وتسمح تلك البرامج "بالمحادثة" مع أى شخص آخر لديه نفس البرنامج.
وبالنسبة للقادرين (لأن أسعار الإنترنت الجديدة لم تكن بخسة بالنسبة للجميع) أتاحت آليات الإنترنت فرصة مناسبة أمام من يخفون طبيعتهم الجنسية، بسبب إمكانية إخفاء الوجه والمكان وتوفير صماماً للتحكم فى كم المعلومات التى يكشفها الفرد عن نفسه.

أما محاكمة كوين بوت، بما صحبتها من فضائح، فغيرت وجه مجتمع المثليين بالقاهرة وشرحه بالنسبة لمجتمع الإنترنت. كما قال أحدهم: "البلد اتقفلت".[262] وقال رجل آخر لهيومان رايتس ووتش: الجاى بقوا مذعورين". "الناس ما بقتش تخرج ولا تروح فى أى حته. الناس بقت لوحدها".[263]
يعتقد "جوش" إن هذا الجو من الخوف "أزاد من عدد الناس الذين كانوا "يتحاورون" بحثاً عن الصداقة دون غيرها، لأنهم شعروا بأنهم لم يعد لهم أى مكان يذهبون إليه. كل هذه الأشياء ماتت. شعروا بالوحدة وكانوا يعزّون أنفسهم بالإنترنت. فتحوا الإنترنت ودخلوا فى المحادثات بحثا عن سبل أخرى للقاء".[264]
وحيث أن الحفلات كانت منقرضة والبارات مهجورة، تضاءلت أيضاً فرص الحديث وجها لوجه، فحل محلها عالم من الأشباح يسود فيه لعب الأدوار، ملئ بالأسماء المستعارة يسود فيه التهرب. نادراً ما كان الرجال يفحصون فى واقع حياتهم، ناهيك عن الظروف السياسية المحيطة بها، عبر الإنترنت. تناقضت المواقف التى تتيح للرجال المعرضين للخطر أن ينذروا أمثالهم بالخطر. والكثيرون ممن يمارسون المحادثة كانوا يواجهون شعوراً بالوحدة يتزايد فى العالم الحقيقى الذى غدا رمادى اللون، بينما أصبح التهرب والسرية القاعدة على الإنترنت. وبزوال كل من الشعور بالجماعة والتواصل، أصبح الرجال اليايئسون ضحية سهلة للشرطة.
كان الإيقاع بالرجال عبر الإنترنت قد بدأ حتى قبل قضية "كوين بوت". أول حالة اعتقال علمت عنها هيومان رايتس ووتش كانت فى يناير/كانون الثاني 2001، حيث وقع اثنان من الرجال فى فخ نصبه شخص أدعى إنه مثلى من سويسرا فى زيارة للقاهرة. القى القبض عليهم فى مكان اللقاء، وحكم عليهم بالحبس ثلاثة أشهر.[265] وفى الخامس من مارس / أذار 2001، ذكرت صحيفة "النبأ" الصفراء خبر القبض على أثنين من الرجال اثناء انتظارهم، فى ميدان التحرير، لقاء أشخاص قابلوهم عبر إعلانات "أريد صديقا" فى الإنترنت. وقالت الجريدة: "نحن نرى إنه لا بد من تشديد الرقابة على شبكة الإنترنت، وفرض عقوبات رادعة فيما يتعلق بهذا الموضوع لمنع الناس عن هذه الأفعال".[266]

وبات القلق من الإنترنت يتزايد بشكل واضح فى الدوائر الرسمية. انتشرت أنباء غير مؤكدة الصحة عن انتشار وحدات جديدة لمراقبة الإنترنت بوزارة الداخلية.[267] وفى مايو/ايار 2002، أعلن اللواء عبد الوهاب العدلى رئيس الآداب بالوزارة عن القبض على 19 مثلياً عن طريق الإنترنت:" كان القبض عليهم شيئا رائعا".ً[268] وقال مسئول آخر بوزارة الداخلية: "نحن بصدد نوع مختلف من المجرمين وأنواع جديدة من الجرائم … هذا يتطلب جهود الأمن والخبرة التقنية حتى نتمكن من رقابة الإنترنت كما نراقب الشارع المصرى".[269]

ازداد معدَّل القبض على الناس فى مارس 2003 قال أحد المحامين العاملين فى هذه النوعية من القضايا لهيومان رايتش ووتش إن "المعَّدل زاد لغاية ما بقى المكتب ده يعرف حوالى قضية كل أسبوع:"[270]
"راءول" ليس الأسم المستعار الوحيد الذى يستخدمه مرشدى الشرطة عبر الإنترنت. قبض على اثنين من الرجال على الأقل بعد أن غرر بهم شخص يدعى أن اسمه "وائل سامى" فى 2003 أوقع شخص يدعى "دينيس" عدداً من الرجال فى الفخ بل أنه "رءول" نفسه يتقمص عدداً من الشخصيات المختلفة لدى كل منها عنوان مختلف على الإنترنت. أحيانا يقول إنه من سكان القاهرة، وأحيانا يزعم إنه إيطالى أو أسبانى أو سويدى أو روسى، علما منه بأن الكثير من المثليين المصريين يشعرون بمزيد من الأمان فى صحبة الأجانب. قال لنا محمود، والذى قبض عليه عن طريق راؤولفى منتصف عام 2002:" قال على نفسه إنه إيطالى بيشتغل فى القاهرة، لسه واصل، ما عندهوش أصحاب وإنه عايز يقابلنى ويتعرف على ناس "جاى" تانيين... أتكلمنا كام مرّه بالتليفون. أكاد أحلف بإنه إيطالى، كانت لديه لكنة إيطالية قوية وكان يتحدث الإنجليزية بطلاقة".[271]

وأحيانا تكون لدى "راؤول– أو المتقمصين اسمه – رنّة سخرية خبيثه. فمثلا سأله "إيهاب"، أحد ضحاياه من العاملين فى مجال الفن، عن أكثر أوبرا يفضلها، فأجاب أنها "دى فليدرماوس" (أوبرا "الوطواط" ليوهان شتراوس) وهى أوبرا نمساوية موضوعها الإيقاع فى الفخ وتنتهى بالسجن.[272] كما يدلى راؤولبوعد ذو حّدين فى اتفاقه على لقاء من اللقاءات:
يقول رءول: أعدك بشيئين
يقول أنكوبوس: وهما؟
يقول رءول: أولاً سأسعدك كثيرا
يقول رءول: ثانياً لن تنسانى أبداً[273]
غالباً ما يلعب عدد من الشرطيين دور رءول، ومن المحتمل أن تكون الشرطة قد أوقعت بأحد المثليين الأجانب (على الأقل) فى الفخ أو ابتزته لكى يعمل معها. أياً كانت هويته – أو هوياته – الحقيقية، فهناك تشابهات ثابتة تحت جميع أساليب راؤولفهو دائما يطلب ممن يتحدثون معه إجراء المحادثة عبر خدمات المحادثة الفورية – حيث يسهل تنزيل سجل الحوار فى شكل ملفّ كتابى (وإدراجه فيما بعد داخل ملف قضية). كما يتساءل دائما عن الحياة الجنسية لضحاياه، علما منه بأن أحكام "اعتياد ممارسة الفجور" تتطلب ممارسة الجنس مع أكثر من رجل خلال ثلاث سنوات. فى يناير 2002، رد "وائل سامى" على إعلان "أريد صديقاً" كان قد وضعه شاب وحيد فى الثالثة وعشرين من عمره، من مدينة الإسماعيلية بالدلتا، على موقع gayegypt.com. بدأ الشاب، الذى يدعى زكي سعد زكي، فى مراسلة وائل، وأغراه الأخير بالإدلاء بوّصف مفصل لأول تجربة جنسية مر بها:
    حبيبى وائل، دايما باسعد برسائلك لأن "إيميلاتك" مليانه مشاعر أحاسيس صادقة رغم قصرها دائماً. أنا كان مبسوط قوي لما باعرف أن إيميلاتى بتسعدك بالشكل ده....
    طيب أنا المره دى – زى ما انت طلبت – ح احاول أحكى لك عن اللى حصل فى خبرتى الأولى والوحيدة، ودى حصلت من حوالى ست سنين، وآمل إنك تقدر تبعت لى حكايتك انت بالإميل المره الجاية.[274]
    وانهى زكي رسالته على النحو التالى: "وأخيرا باشكرك على وقتك الثمين. أرجو إنك تكتب لى قريب جداً". ومضى قائلا: "مع حبى". ذهب إلى القاهرة للقاء وائل سامى بعدها بثلاثة أيام، حيث ألقى القبض عليه.[275]
أمجد قد وقع فى فخ راؤولفى أواخر عام 2002 وقص علينا قصته:
    كان بقى لى حوالى سنتين بأعمل "تشات" [أى محادثة]. أنا ساكن فى مدينة بسيطة قوي وأنا أهلى متحفظين ومسيحيين. ... أنا ماكنتش بادور على علاقة حب ولا عايز أنام مع حد، انا كنت عايز أصحاب. لو حصل حاجه أكتر – لو حبيت حد وهو حبّنى – يبقى هايل بس أنا كنت فى الأول والآخر عايز أصحاب.
    لما قابلت راؤول كنت خلاص بقيت أمّل من الكلام فى "النت". كنت بدأت أحس أنى عايز حاجة أكثر من الناس اللى كنت بإقابلهم هناك. والرجل ده – أنا مش عارف إية اللى حصل. أنا اتشديت له (أى انجذبت إليه) من طريقة كتابته، كان باين عليه نوعية بنى آدم تاني. كانت عندى وحده جامدة جداً. قال لى إنه سويدى وإن اسمه سفنسن، وإنه شغال فى شركة إريكسون. قال لى إن "راؤول" ده لعيب الكورة المفضل عنده …
    عملنا "تشات" أكثر من شهر، وكلمته فى نمرة الموبايل اللى إداهالى.، اتكلمناش غير كلمتين؛ كان انجليزية مش قد كده، ودلوقت متهياً لى أن كان فيه لكنه عربى …
    فى شهر 9 فكرت اروح له زيارة مصر. كنت مفكر إنه صاحب بجدّ. يمكن كنت مفكر إن هو ده الصديق الحقيقى، البنى أدم الوحيد اللى ح يفهمنى. كنت متشوق قوي. إنى أقابله. كنت حاسس إن دى ح تكون أكبر تجربة فى حياتى.
    بعدها رحت مصر. كان مدينى عنوان فى ميدان التحرير.[276]

ج. الاعتقال والاستجواب

كنت واقف يادوب فى مدخل العمارة. طلع لى واحد قال لى: "رايح فين؟" قلت له شقة مستر سفنسن. ومرّه واحده لقيت حواليّا سبعة ثمانية. (أى سبعة رجال أو ثمانية) قالوا:" تعال معانا. ما تعملش مشاكل وإلاّ حتتهزأ قدام الناس". عمر ما حصل لى حاجة زى كده فى حياتى. دخلت معاهم العربية وانا ساكت … أخدونى على المبنى الكبير الرهيب ده اللى فى التحرير اللى اسمه المجمع. فى الدور الـ 13 زقوا دماغى لتحت علشان مأشوفش أنا رايح فين ولا المكان ده إيه. كانت الساعة حوالى 6.30 بعد الظهر. خللونى أفضل واقف فترة، ده كان بس علشان يزودّوني خوف على خوفي. بعدين دخلونى على اوضه صغيرة وبدأوا يسألونى اسئلة.[277]
هذه حكاية أمجد. أما أمير فهو شاب فى الثالثة والعشرين وألقى القبض عليه بعدها بعدة أسابيع. قال:
    كان ميعادنا عند "هارديز" [المطعم] فى التحرير الساعة 12 الظهر. كلمى وانا واقف هناك. كنت شايف واحد على الناحية الثانية من الشارع وكان باصص لى. ما كانش معاه تليفون. اللى فى التليفون قال لى: "أنا موجود". قلت له:" أنا برضه موجود". هو قال:" انا مش شايفك … انت لابس إيه؟ قلت له. فى نفس اللحظة كان الولد معدّى الشارع وماسكنى من ذراعى. وفجأه بقوا أربعة. اثنين مسكونى فى إيدى واحد مسكنى من الحزام، وواحد قال لى بطاقتك. … عدّوا بىّ الميدان على المجمع، للدور الـ 13.[278]
عادة ما يفضل راؤولمقابلة ضحاياه فى ميدان التحرير، حيث يسهل الذهاب سيراً على الأقدام إلى مكاتب مكافحة جرائم الآداب الكائنة بالمجّمع. ولكنه أحيانا ما يتفق على المقابلات فى أماكن أخرى. جرى القبض على وسام توفيق أبيض، وهو مواطن لبنانى، فى السادس عشر من يناير 2003:
    بدأ الموضوع عندما كنت فى انتظار ذلك الشخص الذى أجريت معه محادثة عبر الإنترنت قبلها بيومين، وكنت انتظر أمام "ماكدونالدز" فى شارع الميرغنى بمصر الجديدة حيث أسكن. كانت الساعة قد اقتربت من الواحدة ظهراً ووجدت أربع رجال ضخمين حولى. … كنت أقاوم واصرخ فى الطريق: "انتم مين؟ عايزين مينى إيه؟ … لو سمحتم سيبونى". جاءهم أحد أفراد الأمن بمطعم "ماكدونالدز" وسألهم من هم وماذا فعلت. وأمره اللواء بالإبتعاد قائلاً: "مش شغلك". وجرّونى – شبه حملونى – إلى عربة الشرطة. اثناء دفعهم لى داخل السيارة حاول أحد هؤلاء العساكر أن يسرق ساعة يدى. كان يشدها من يدى بدأت أصرخ:" أيها اللصوص!" … لم يأخذها لكنه كسرها … أخذونى إلى المجمع. الدور الثالث عشر. قسم الآداب، المعنى بالدعارة والإغتصاب ومؤخرا بالمثلين.[279]

كلهم – القضاة، المحامين، حتى النيابة – ما كانوش يعرفوا أى حاجة عن الإنترنت. ده حتى وكيل النيابة قال لى: "أنا ما عرفش حاجة عن الإنترنت وما عنديش وقت إنى أعرف هى إيه؟ انتو بتعملوا فيها إيه؟ هى الناس بتقعد فيها بس تتكلم مع الرجالة؟" ما كانش عندهم أدنى فكرة عن الحاجات التى متهمينى فيها دى بتحصل إزاى، ولا المواقع دى يشتغل إزاى، ولا أزاى الناس بتدخل على المواقع دى وتستخدمها، ولا حتى إزاى تدخل على النت أصلاً وتبعت "إميل" (أى بريد الكترونى). كل اللى يعرفوه إن الضابط قال إن أنا "جاى" وكنت واقف فى التحرير وباتمايع، وإن الموضوع ده له دعوه بالإنترنت".[304]

وفى المجَّمع، كثير ما تجعل السلطات المعتقلين المحيَّرين يظنون إنهم متهمون فى قضية أمنية. قال أمجد لنا:
    سألونى انت تعرف الرجل ده بقى لك قد إيه … قالوا لى الرجل ده جاسوس إسرائيلي. قالوا لى ده ح يمارس معاك ويصّورك وبعدين يهددك ويخليك عميل تشتغل لإسرائيل…. ابتدوا يسألونى عن الناس التأنيين اللى أعرفهم. الكبير فيهم قال لى: لو قلت الحق ح تطلع. فقلت له أنا أعرف شوية ناس "جاى" طلب منى أساميهم وعناوينهم. قلت أنا ما عرفش غير اساميهم اللى كانوا بيستخدموها على الإنترنت، وماعرفش هم ساكنين فين … لازم تفهم، كلمة الخوف مش كفاية علشان تعبر عن اللى كنت فيه. انا عمرى ما كنت شفت الأماكن دى حتى شكلها إيه من جوّه. بس مش معنى إنهم ما أذونيش فى جسمى إنهم كانوا بيعاملونى بإحترام. أنا كانت حياتى كلها بتنهار قدامى.
    حكيت لهم عن حياتى "الجاى"، ما كانتش كتير – الصداقات اللى عملتها على الإنترنت وأهميتها بالنسبة لى. بعدين بصّوا لبعض كده وقالوا:" خلاص، كده ح تخليها بس قضية علاقات شخصية". دلوقت أنا فهمت قد إيه هم كانوا شايفين إن دى حاجة تضّحك إنهم يضحكوا عليا ويجرجرونى فى الكلام بالشكل ده.
    بس اللى يجننى إنه ما كانوش بيرمشوا ما حسوش إنهم لما يعملوا ده بيدمّروا حياة بنى آدم. هم مسكونى علشان أنا "جاى"، بس ما فكروش لحظة إن مستقبلى كله حيضيع أنا ما عنديش إمكانيات، ما قدرش أسيب البلد وابدا حياتى من اول وجديد …. وما حسوش بحاجة. تقدر تفهم كانوا بيفكروا ازاى؟ انا مش قادر.[280]
    قبض على عمر مع صديق له عند ذهابهما لمقابلة راؤولفى أواخر عام 2001 وقال: "الضابط اللى استجوبنى قال إنه أمن دولة. وقال لى إن كل اللى عايزه منى إنى أعترف إنى "جاى". قال لى "دى حرية شخصية"، وقالى لى مجرد ما تعترف كل اللى احنا حنعمله إن أحنا حنبلغ أمن الدولة ونسيبك على طول".[281]
تعّرض متهمون آخرون للضرب لإجبارهم على إمضاء محضر الإعتقال. أمير يتذكر إن الضباط سألوه "أنا اعرف مين من الجاى":
    ماديتهوش أى أسامى … قال :احنا بندور على أعضاء تنظيم سياسى. احنا مصدقينك فى اللى بتقولة فى إنك مش عضو فى التنظيم : لو مضيت الورقة دى، هو ده الإثبات وحنسيبك". مارضيتش، قاموا زقوّنى وقعدوا يلّطشوا فيّا. العسكرى ضربنى فى وشى وعلى كتافى – مش عارف كانت مدة الضرب قد إيه، بس كان كفاية. فى الآخر خلونى أمضى على "التشات" (أى المحادثة) والصورة.[282]
    قال عبد الله – وكان عمره تسعة عشر عاما وقت اعتقاله فى مايو/ايار 2002 – إن الضابط عادل عبد العزيز الذى ألقى القبض عليه "مجنون، سايكو (كلمة انجليزية تعنى الجنون) كان فيه عنف جامد قوي".[283] وقال إيهاب الذى استجوبه عادل عبد العزيز بعدها فى عام 2002"شتم فيّا كتير:" يابن الوسخة، انت مريض، خول، روحوا اتعالجوا بقى! يا منايكة، انتو زبالة المجتمع". وقال إنه حيعرف يضّرنى، وادانى على وشى بالقلم. انهرت، ما كنتش قادر ارد عليه. مضيت. وحط إيده على الورقة وانا بامضى علشان ما عرفش أقرا اللى فيها".[284]
القى القبض على علاء في 2002 ومعه صديق أثناء انتظارهم لراؤولفى ميدان التحرير. ولما وصلوا إلى المجمَّع، نادى الضابط الذى قبض عليهما رجال الشرطة الآخرين.
    وطلب منّى أمضى قدامهم، وقلت مش ح أمضى حاجه قبل ما أقراها، واللى مكتوب لازم يبقى ماشى مع اللى حصل جت له هيسترية ضحك، وقال لهم وهو لسه بيضحك:"شايفن؟ مش عايز يمضى. تعرفوا تخلوه يمضى يا ولاد؟" انا كنت فاكر المشاهد دى ما بتحصلش غير فى الأفلام، لكن انا شفتها بجد.
    ابتدوا يضربوا فياّ، وكنت سامع صاحبى كمان (وهو يتعرض للضرب) كمان، تلاته بيضربونى بيجى (أى تقريبا) ساعة، وطبعا فى الآخر كان لأزم امضى.[285]
احتجز زكي سعد زكي بقسم شرطة العجوزة إثر اعتقاله فى يناير/كانون الثانى 2002، وأخيرا اخبر الناشطين فى مجال حقوق الإنسان إن الضباط كانوا يضربونه كل يوم وفى لقاء له مع محامية كان لا يزال وجهه مغطى بطبقة من الدماء.[286]
يخرج معظم المحتجزون من الاستجواب وهم مقتنعون بأنهم سيطلق صراحهم. أخبرنا أمجد انه فى المجّمع:
    قالوا لى لازم ارجع قسم قصر النيل علشان أخد بطاقتى وكارنيهاتى اللى كانوا أخدوها منّى "وبعدين تقدر تروح". فمضيت من غير حتى ما أبص … الغريبة أن العساكر كانوا بيبصوا لبعض وبيضحكوا علياّ. قد إيه كنت مغفل، مغفل إنى أصدق أى حاجة كانو بيقولوها فرحت قصر النيل وشنطتى فى إيدى، وعندى كل الثقة إنى بس حأخد بطاقتى واروح. واستغربت لما واحد من العساكر بدأ يزعق ويقول:" فجور! فجور!" واحنا داخلين القسم. سألنى الضابط:" انت إيه اللى جايبك؟ قلت له أسمى وقلته أن الناس اللى فى المجمع قالوا إنى حاستلم بطاقتى من هنا.
    وبعدين الضباط اللى فى القسم بدأوا يناولوا بعض المحضر بتاعى وعرفوا اللى فيه، وأن أنا قاعد. ما قالوا ليش، ما عملوش غير انهم بدأوا يهينونى بكلامهم، "يا خول" وكلام من ده. وأخدونى للضابط الكبير. بص لى من فوق لتحت وسألنى:" انت بتصلّى؟" ما عرفتش أردّ عليه أقول له إيه.
وبدئ أمجد في البكاء.
    الحكاية … انا عارف إنى عندى مبادئ اكثر منه وصدق أكثر منه. وأنا عارف أن علاقتى بدينا حاجة كبيرة هو ما يقدرش يعرفها.
    لكن بالنسبة له أنا مجرد متهم – أسوأ من متهم، بالنسبة له أنا حيوان – علشان انا "جاى" سألنى إذا كان الشر مالينى (أى إذا كنت ممتلئا بالشر) مهما حاولت مش حتتخيل العذاب اللى انا كنت فيه.[287]

د. "بلد الكراهية"

قال أمير:" أول ما دخلت المحطة العسكرى إدّى الضابط ظرف " (أى مظروف) كبير كده وقال له:" خول تانى!" عرفت إنى مش طالع".[288]
    قال أمجد:" أخدونى تحت لأبشع مكان شفته فى حياتى. كان ممكن أقل حارس يقول لى أى كلمة عايز يقولها وما ينفعش أردّ عليه. كانو عمّالين يقولوها:" خول… خول". ما فيش حد يقول لك كلمة حلوه ولا يفكر أى فكرة حلوه فى مكان زى ده. دى بلد الكراهية".[289]
ويذكر نادر – الذى اعتقل فى 2001 – إن أثناء احتجازه فى مديرية أمن الجيزة، "الضباط كانو ناويين يوقفونا فى وسط الأوضه ويفرّجوا الناس التانية علينا ويقولوا لهم على قضيتنا وإن احنا خولات. كانوا بيعملوا ده كل يوم تقريبا. واحد من العساكر حاول يورينى بتاعه علشان أمصّه له".[290]
ويقول الكثير فى المحتجزين إنهم داخل الزنازين المظلمة التقوا بغيرهم من المتهمين الذين جرى القبض عليهم بنفس الطريقة – مما يدل على كثرة الإعتقالات عن طريق الإنترنت، ويدل على إن الناشطون فى مجال حقوق الإنسان لا يعرفون إلا نسبة ضئيلة من تلك الحالات. قال طارق، وقبض عليه فى ربيع 2002.
    قابلت واحد تانى بعد ما وصلت بثلاثة أيام. كان من المنصورة. … كانت نفس الخطة: جه مصر علشان يقابل رءول، ومسكوه. قال لى إنه مش بيمارس غير مع الأجانب، علشان كان مفكر إن ده أضمن. وكان راؤولقال له إنه أجنبى. كان طلع براءه فى الاستئناف، وكان قاعد فى قسم عابدين مستنى يطلع. وحكايته أدتنى شوية أمل.
    وبعد ما قعدت فى عابدين 45 يوم، قابلت ولدين تانيين كنت اعرفهم من قبل كده. بعدها خدوا براءه، فى محكمة الدرجة الأولى كمان. متهيألى إن الإثنين هاجروا دلوقت. كانوا اتفقوا يقابلوا رءول، واتمسكوا فى نفس الحته اللى أنا اتمسكت فيها، فى ميدان التحرير.[291]
    قال نادر:" أنا كنت رابع حالة زى حالتى فى القسم – كان فيه ثلاثة غيرى فى قضايا زى بتاعتى، كانوا متاخدين من قبلها بأسبوعين على الأقل".[292] كما يتذكر أمجد:"قابلت واحد غيرى فى حجز قصر النيل. قال لى إنه محبوس 45 يوم مستنى نتيجة الطب الشرعى. كانوا قالوا له إنه لازم يدفع عشرة آلاف جنيه (حوالى 2250 دولار أمريكى) رشاوي علشان يطلع قبل ما ييجى التقرير".[293]
توافد المحامون على أقسام شرطة وسط البلد بحثا عن متهمى الإنترنت. وقال طارق إنه فى عابدين:" الصبح أخدونى النيابة. واحد من العساكر طلّعني من الحجز وقال لى "تعال، حنجيب لك محامى كويس يدافع عنك". وعرفت بعد كده أن العساكر شغالين مع محامى".[294] قال أمجد:
    كان فيه هناك ضباط (فى قسم الشرطة) بيقبضوا من المحامين. بيقولوا للمحامين، أو الناس اللى تبع المحامين اللى بيبقوا واقفين بره الحجز، إن فيه حد اتمسك. وبيدوّروا مخصوص على قضايا الفجور علشان بيبقوا عارفين إن الأهالى بتبقى ح تموت على أى حد. فالمحامين بيروحوا متصلين بالأهالى. المحامين فى الحته دى زى البراغيت.[295]
يقول أمجد أنه أثناء الأسابيع التى قضاها فى قسم شرطة عابدين:
    سمعت شوية ضباط بيتكلموا وبيقولوا: "اللى بيمسكوا الخولات بالإنترنت دلوقت دول بيعملوها بطريقة ما ينفعش فيها بتوع حقوق الإنسان يقولوا إن ده مش صح احنا مش عايزين إزعاج من بتوع حقوق الإنسان فبيعملوا القضايا دى بطريقة ما تجيب لهمش أى إزعاج من بتوع حقوق الإنسان".[296]

بالرغم من ذلك،لا تزال وسائل إعلان الدولة تنشر انباء إعتقالات الإنترنت ومحاكماتها، فمثلا نشرت كل من جريدتى الأهرام والأخبار خبر الحكم على زكي سعد زكي عبد الملك مصحوباً بإسمه بالكامل.[297] وهناك مقالات أخرى تمتدح ضباط الآداب عيونهم الساحرة: وفى خبر كبير فى الصفحة الأولى من جريدة الجمهورية، جاء على لسان "مسئول أمنى كبير" أنه فخور "بأننا نجحنا في ضبط بعض الشواذ… لكننا سنستمر في ملاحقتهم بلا هوادة ولا رحمة".[298]
معظم الرجال الذين يقعون فى فخ الإنترنت توجّه إليهم تهمتى "اعتياد ممارسة الفجور" وبشكل من أشكال "التحريض" على الفجور أو "الإعلان" عنه، والاختيار الثاني يفتح أمام وكلاء النيابة فرصة الاختيار بين عدد من المواد القانونية.[299] ونادراً ما تكون الأدلة المقدمة محكمه. فكثيراً لا يوجد أى دليل على الفجور سوى الوصف الذى يحصل عليه راؤول فى محادثات الإنترنت،[300] ولما كانت المحادثة تقدم للمحكمة فى صورة نص مطبوع من مستند، يسهل تغييره القائمين بالأستجواب.[301] وبنفس الشكل الدليل الوحيد على إن المتهم هو الذى نشر إعلان "أريد صديقاً بالإنترنت هو صورته (إذا ما نجح راؤول فى إقناعه بإرسال صورة) وإمضاء المتهم فى قسم الشرطة؛ أما الصورة فكان من الممكن الحصول عليها بطرق أخرى، وأما الإمضاءات فكثيرا ما حصلت عليها الشرطة بالتعذيب.[302]
ومع ذلك، فى معظم الحالات التى فحصتها هيومان رايتس ووتش، صدر حكم الإدانة على المتهمين فى محاكم الدرجة الأولى. قال أمير عن محاكمته.
    لما جت المحاكمة، القاضى ما كانش عنده أى فكره الإنترنت ده عبارة عن إيه. كان باين قوى إنه مش فاهم فيه حاجة. لا كان يعرف يعنى إيه موقع إنترنت ولا يعنى إيه "تشات" (محادثة) وكان متلخبط إيه الفرق بين الكلام مع حد فى التليفون والكلام مع حد على الإنترنت. … بعدين جه الحكم: سنه سجن، وسنه بعدها ابات كل ليله فى القسم. يوميها جالى انهيار عصبى.[303]
وأضاف أمجد قائلا:
    كلهم – القضاة، المحامين، حتى النيابة – ما كانوش يعرفوا أى حاجة عن الإنترنت. ده حتى وكيل النيابة قال لى: "أنا ما عرفش حاجة عن الإنترنت وما عنديش وقت إنى أعرف هى إيه؟ انتو بتعملوا فيها إيه؟ هى الناس بتقعد فيها بس تتكلم مع الرجالة؟" ما كانش عندهم أدنى فكرة عن الحاجات التى متهمينى فيها دى بتحصل إزاى، ولا المواقع دى يشتغل إزاى، ولا أزاى الناس بتدخل على المواقع دى وتستخدمها، ولا حتى إزاى تدخل على النت أصلاً وتبعت "إميل" (أى بريد الكترونى). كل اللى يعرفوه إن الضابط قال إن أنا "جاى" وكنت واقف فى التحرير وباتمايع، وإن الموضوع ده له دعوه بالإنترنت".[304]
نادر أخبر هيومان رايتس ووتش إن الرجال الثلاثة الأخرين الذين كانوا معه فى الحجز كلهم كان عندهم قاضى واحد، غير اللى كان ماسك قضيتى. واحد منهم قدر يوصل له ودفع له رشوة علشان يخفف الحكم، وعلشان كلهم وقعوا بنفس الطريقة، إداهم كلهم نفس الحكم علشان يبقوا ماشيين مع بعض – ثلاث شهور كانوا خلاص قضوها.
    ما عرفتش ارش حد. خدت سنتين. ده كان أسوأ يوم فى حياتى. استأنفت وخفضوها لسته شهور وسته مراقبة بس فى الآخر بقيت أقدر ابات فى البيت – بعد ما أفرجوا عنى لّفوا بيّا أربع أقسام علشان اراقب فى واحد منهم، وكلهم رفضوا ياخدونى علشان طبيعة القضية. .. بس من 6 مساءً لـ 6 صباحاً كان ممكن يبعتوا لى حد فى أى وقت ولو انا مش موجود، اروح السجن.[305]
وبسبب ضعف الأدلة فى هذه القضايا، قضاة الاستئناف، الذين يتمتعون بالمزيد من الخبرة والمعلومات كثيرا ما يلغون أحكام الإدانة أو على الأقل يخفضون المدة التى قضاها المتهمون بالفعل.[306] ولكن ذلك لا يمكن الاعتماد عليه فمثلا جرى تأييد حكم زكي سعد زكي بالسجن ثلاث سنوات وهو يقضيها الآن.[307] وأيدت محكمة الاستئناف الحكم على وسام توفيق أبيض بالحبس سنه وثلاثة شهور ولا يزال حبسه مستمراً.[308]
ويستمر تأثير الصدمة فى حياة الضحايا أجمعين. يقول أمجد أن رغم الإفراج عنه بعد الاستئناف
    روحت لقيت بيتى مخروب إى حصل ده فوق طاقة أحتمالى … أهلى بيشفونى ويشوفوا ظل ورايا، وأنا بأصحى الصبح وبأمشى والظل ده ورايا وبقيت أحس أن أنا بقيت الظل ده…
    أنا باعتبر نفسى قوى أنى أستحملت كل ده ولسه فاضل عندى كرامة ـ أن ده ماخللانيش أتجنن. بس خايف على روحي. فقدت ثقتى فى الناس. قد أيه نفسى أثق فى الناس ودلوقتى ما بقيتش أثق فى حد، ولا حتى نفسى، … أنا مش فاهم ليه بيعملوا كده فى الناس إلى ما بتأذيش حد. مش فاهم ليه بيصطادوا فينا.[309]
    كتب محمود، الذى هاجر بعد الحكم عليه، أن "بصراحة مش ممكن أى كلام يوصف الي جرالي. هم عاقبونى بس علشان توجهاتى الجنسية. حكموا عليا إني طول عمرى أبقى مجرم، وإني أعيش بعيد عن أهلى وصحابى إلى بأحبهم، وإني أصفّى شغلى إلى عملت مجهود كبير علشان ابنيه. باختصار قتلوا كل أمل جميل فى المستقبل كان عندى!"[310]
وفى الوقت نفسه الأعتقالات مستمرة. فى التاسع عشر من مارس 2003 حضرت هيومان رايتس ووتش جلسة استئناف لمواطن أجنبى أوقعته الشرطة فى الفخ أثناء رحلة عمل له فى القاهرة، الغى الحكم بحبسه سنه. وبعدها بثمانية أيام، نشرت صحيفة الأخبار القبض على أثنين من الشباب كانوا قد "قدموا نفسهما على الإنترنت من أجل ممارسة الشذوذ الجنسي. و أرسلوا إلى النيابة في إطار تعليمات السيد الوزير [الداخلية] حبيب العدلي بمواجة جرائم الإنترنت في الإعلان عن الفجور".[311]
أما علاء فغادر البلاد بعد صدور الحكم بإدانته. عندما سألته هيومان رايتس ووتش عما يجول في خاطره بشأن رحلة عذابه:
    هم ليه بيدمروا مستقبلنا، مش بس أحنا ولكن كمان أهالينا؟ لا تتخيل تأثير ده على أمى وأختى، لا تتخيل أنى بسبب ده شغلى ضاع علشان ده أن حلمى ضاع لا تتخيل صعوبة الحياة بعيد عن أهلك واصحابك (وأنت ما اخترتش ده) ـ أنت مجرد بتدور على حريتك، لا تتخيل صعوبة نظرة أهلك إليك، حتى لو كان يعرفوا الحكاية دى عنك من قبل كده، لكن حاجة زى دى بتجيب العار لكل واحد فيهم...
ليه لازم أعيش بعيد عن أهلى واصحابى، وعن بلدى لمدة مش عارف هتبقى قد أيه؟
ليه كان لازم يذلوا امى على أنها أم الخول؟ ليه كان لازم أشوف أمى طالعه سلم المحكمة على أيديها وركبها؟
ليه يستمتعوا بتدمير حياتنا؟ ليه كنت بشوف نظرة الانتصار فى عينيهم وهم بيستجوبونى؟
أعتقد أنى لسه بنى آدم حتى ولو كنت جاى، وأعتقد فى عندى حقوق، بس كل حقوقى ضايعة، وأنا محتاج مساعدة، محتاج استرد حقوقى وأضعها …. كل إلى عاوزه دلوقتى أن كل الي فى السجن دول حقوقهم ترجع لهم.

محتاج حقوقى ترجع لى.
وشكراً.[312]
<< السابق    الفهرس    التالي>>