المحتويات الفصل الأول: العدالة في الميزان: مقدمة || الفصل الثاني:السلوك المثلي والقانون: ظروف الحملة || الفصل الثالث: الفضيحة والعار: محاكمات "كوين بوت" || الفصل الرابع: في إثر "كوين بوت": التعدي علي الخصوصية و روابط الجماعة || الفصل الخامس: استغلال الوحدة والإيقاع فى الفخ عبر الإنترنت || الفصل السادس: المرآة المعيوبة: التحيز وإجراءات القانون || الفصل السابع: جسم الجريمة: دوافع التعذيب وجوانبه الطبية || الفصل الثامن: خاتمة || الملحق: القوانين المتعلقة بالسلوك المثلي في مصر || شكر وتوطئة || الهوامش

الفصل الرابع: في إثر "كوين بوت": التعدي علي الخصوصية و روابط الجماعة

ازداد الاضطهاد بعد قضية "كوين بوت". انطلقت موجة جديدة من القضايا اعتقل فيها اعداد من الرجال، و جددت هذه القضايا افتراضات الصحف حول "منظمات" و "طوائف" المثليين. ووسط عناوين الصحف و الاتهامات بحفلات الجنس الجماعي، كانت هذه المواضيع تقلد الفضيحة الشهيرة علي حجم اصغر.

روى يحيى لهيومان رايتس ووتش:
كانت الوردية بتتغير ثلاث مرات فى اليوم. في كل مرة كان العساكريخشوا يضربونا. واحد مننا ضربوه في وشه لغاية مناخيره ما نزل منها دم – متهيأ لي انها حصل فيها كسر. كانوا يخللونا ننام على بطنناعلى الأرض ويمشوا على ظهرنا. كان ظابط واتنين حراس. كانوا دايما يضربونا على قفانا بالشلاليت. احنا ال12 كنا وضع خاص. الاول كنامعزولين حوالي 15 يوم. فضوا أوضة في حجز الحريم وحطونا فيهاعلشان قالوا اننا حريم واننا مش رجاله...

يوحي نمط المحاكمات و الاعلام بان مسئولي السلطات التنفيذية استدلوا من قضية "كوين بوت" حيث شجعتهم القضية علي استخدام المزيد من الشدة أو علي اتخاذها وسيلة للحصول علي الترقية. بل ان ضابطا بعينه في محافظة الجيزة اشرف علي ثلاث حالات اعتقال جماعي في ثلاث شقق خاصة ( منهم اثنان علي الاقل عن طريق نفس المرشد) و جمع 23 ضحية خلال عام واحد.
استغل رجال الشرطة و الصحفيون المخاوف المثارة حول "شبكات" المثليين في التعدي علي خصوصيات الافراد و لتشويه سمعة روابط الجماعة ما بين المثليين و تدميرها نهائيا.

أ. التعريف بالمرشد: حفل عيد ميلاد في الهرم

ذهب مجدي – الذي اعتقل و عذب عام 1997 – الي حفل عيد ميلاد لم يتم عام 2001. و قال لمندوب هيومان رايتس ووتش: "اوحش حاجة كانت حفلة عيد الميلاد، واحد صاحبي "جاي" اسمه حافظ عزمني عليها".[167]
لم يكن حافظ صديقا عاديا، فقد تراكمت لدى هيومان رايتس ووتش معلومات تدل علي ان هذه الشخصية الغامضه – "ما حدش عارف اسمه بالكامل بس اسم الشهرة بتاعه مشمشة" - يوقع بالناس لحساب الشرطة بشكل متكرر. عمل حافظ مرشدا في حالتي اعتقال جماعي للرجال المثليين عل الاقل في شقق خاصة في محافظة الجيزة (غرب نهر النيل) ويبدو انه المرشد المفضل لدي عبد الله احمد، الضابط في نيابة آداب الجيزة.
    قال مجدي: "كنت اعرف حافظ من ديسكو امون و كوين بوت، كان وش ضمن الوشوش. كان عنده حوالي 28 سنة و ماكانش فيه أي حاجة تخليني اشك فيه قبل الحكايه دي ما تحصل". ويكمل قائلا:
    كان عازم 7 انفار غيره هو، قال ان ده عيد ميلاده، كنا في شهر 9 في 2001 … الشقة دي كانت في الهرم ( مقاطعة في محافظة الجيزة) وصلت الحفلة علي 10:30 بالليل. كنت رايح مع ناس تانيين يعرفوا حافظ. حافظ دخَّلنا الشقة و بعدين قال انه لازم ينزل يجيب مشروبات، اتاريه قفل الباب وراه بالمفتاح و بعدها بربع ساعة لقينا الباب بيخبط، بصينا في العين السحرية ماشفناش حد و فجأة لقينا الباب بينفتح و حد داخل. كان معاهم المفتاح، كانوا بوليس، لابسين ميري يجي 12 واحد، دخلوا قالوا "ماحدش يتحرك"، انا اترعبت.
اطلعت هيومان رايتس ووتش علي ملف هذه القضية[168] و يرد في محضر التحريات الذي كتبه عبد الله احمد من شرطة آداب القاهرة ان "اليوم اثناء تفقدنا لحالة "الاخلاق العامة، التقينا بأحد مصادرنا السريه". وقد أبلغهم هذا المصدر بان صاحب الشقة "شاذ ايجابي" كان يسكنها و معه ثلاث شواذ ايجابيين آخرين و انهم يفتحون شقتهم امام "الشواذ السلبيين" من اجل ممارسة الفجور. ويطلب التقرير اذنا بالقبض علي 7 اشخاص: زملاء حافظ الثلاثه اصحاب الشقة "الشواذ" بالإضافة الي "الشواذ السلبيين" الاربعة[169]، وقد ذكرت أسماء الجميع في التقرير و وجهت إليهم التهمة جميعا.[170] و لم يطلب التقرير اذنا بالقبض علي صاحب الشقة المزعوم "الشاذ الايجابي".
قال مجدي ان الشرطة "ماوروناش أي اذن بالقبض، ما وروناش غير سلاحهم". واكمل قائلا:
    كنت مرعوب: خلونا نفتح البنطلون بالعافيه و كشفوا علي الملابس الداخلية علشان يشوفوها ملونة و لا لأ ، و شتمونا و شتموا اهالينا، كان في عيل شعره طويل ضربوه و رزعوه في الحيط. بعد كده خلونا نقلع ، رغم ان كلنا كنا قاعدين بهدومنا و واقفين عادي خالص ساعة ما دخلوا. قلَّعوا ناس منا هدومهم بالعافية و نزلوهم علي السلم ملفوفين بملاية السرير. حاولوا يقلعوني بالعافية، قلتلهم هارمي نفسي من الشباك ، ثلاثة غيري فضلوا بهدومهم و الثلاثة الباقيين قلعوا.[171]
و يقول حافظ أنه عندما وصل المتهمون الي مديرية امن الجيزة :
    ثلاث ضباط استجوبونا، كتبوا تقارير و خللونا نمضيها، الحكاية دي خدت من الساعة 12 بالليل لحد 5 صباحا، سمحوا لنا اننا نقراها و كان مكتوب فيها اننا شراميط و بنمارس مع بعض في الشقة، قولنا لهم ازاي و منين جبتوا الكلام ده ؟ قالوا لنا امضوا و ضربونا بالأقلام و الشلاليت علشان نمضي.
    قعدنا في الحبس للصبح و بعدين خدونا نيابة الهرم. في نيابة الهرم استجوبونا واحد واحد، كان استجواب بسيط جدا! "خول؟" "لأ" "خول؟" "لأ" و قالوا اننا خولات و كمان مستعملين. حبسونا 4 ايام و حافظ كان مختفي طول الفترة دي.
وجهت النيابة تهمة "اعتياد ممارسة الفجور" للجميع[172] ثم انتقل السبعة الي قسم شرطة الهرم. قال مجدي:
    حطونا كلنا في حجز واحد (أي زنزانة واحدة). الأوضة كان فيها ناس كتير، منهم ناس عليها احكام. العساكر فرجوا بقية المساجين علينا و قالوا لهم "لو عايزين تنيكوهم ياللا، دول خولات و بياخدوا في طيزهم " ناس كتير حاولوا يمارسوا معانا بس احنا زعقنا و قلبنا الدنيا، فخافوا نعمل لهم شوشرة (أي مشاكل) و بعد شوية بطلوا.
    كان كل يوم بهدلة، احنا السبعة كان لنا وضع خاص، كان لنا معاملة خاصة، كان العساكر يشدونا بره الزنزانة واحد واحد و يضربوا كل واحد فينا بالعصيان و كانوا ينزلونا علي الارض و يقفوا علي ظهرنا بالبياده (حذاء شرطة) و يشلتوا فينا و ده كان نوع من الهواية او التسلية لهم. كل يوم يطلعوا واحد منا علشان يضربوه بالشكل ده. مافيش حاجة اسمها اكل هناك، كانوا المحبوسين معانا بيدونا ناكل احيانا، معظمنا كان ادي للبوليس اسامي غلط و قطعنا بطايقنا واحنا في البوكس علشان ميعرفوش اصلنا و لا يقولوش لأهالينا لأننا كنا مكسوفين نكلمهم.
و بعد قضاء فترة تزيد عن ثلاثة اسابيع بقسم شرطة الهرم، انتقل المتهمون السبعة لسجن مزارع طرة العمومي و يتذكر مجدي:
    في طرة قدرنا نطلع اخبارنا لأول مرة، لما كانت تيجي زيارات للمساجين التانيين كنا نديهم ارقام تليفونات اهالينا، قعدنا كمان 22 يوم في طرة، كانوا مقعدينا في أوضة غير بقية المساجين، اصلهم خايفين الباقي يتعدي بمرض الخولنة. و كانوا لسة ماجابولناش بطاطين، كنا بننام علي الأرض. والدتي جت تزورني في طرة، كانت مقهورة بسبب الفضيحة.
صدر امر بالافراج عن المحتجزين بعد ستة اسابيع في الحبس. قال مجدي: "ماعنديش أي فكرة سابونا ليه ، هم ماقالوش". جرت المحاكمة في اواخر يونيو 2001 و حكم فيها بالحبس ستة اشهر علي الجميع.[173]
    و يتذكر مجدي: معظمنا قطعنا بطايقنا و اديناهم عناوين غلط علشان كدة مجالناش أي حاجة من المحكمة و لا عرفت الجلسات كانت امتي. ماحدش راح من اللي كانوا معايا في القضية. كلهم اتحكم عليهم غيابي. و ماعدتش اعرف حاجة عن الستة التانيين.
و لا يزال مجدي مختبئا، حيث ان السلطات اذا امسكت به و تعرفت علي اوصافه لها ان تطبق عليه العقوبة.[174]

ب. "طبعا لازم يلفقولنا حاجة ": حفل ببولاق الدكرور

في الصباح التالي لصدور حكم "كوين بوت"، كان خبر القضية في صحيفة "الأخبار" الحكومية اليومية الخبر التالي مطبوعا داخل إطار بصفحة داخلية:

ضبطت إدارة مكافحة جرائم الآداب بالجيزة اليوم وكرا للشذوذ يديره عاطل.… كانت قد وردت لإدارة آداب الجيزة عدة شكاوى من سكان العمارة بشأن أشخاص مشبوهين يترددون على شقة من الشقق، وبتشغيل الكاسيت بصوت عال مما يحدث صخبا وإزعاجا تصدر منه اصوات موسيقى غريبة ومائعة.[175]

و كان واضحا من الخبر ان عيون الدولة لا تزال ساهره. توجه الناشطون المصريون علي الفور الي غرب القاهرة حيث استدلوا علي ان الأربعة يجري استجوابهم في مكتب النيابة العامة ببولاق الدكرور[176] و تمكنوا من التحدث مع احدهم من خلف قضبان سيارة ترحيلات الشرطة. و بكي الرجل و هو يروي كيف اجبرهم رجال الشرطة علي خلع ملابسهم و القوا عليهم بالماء البارد و ضربوهم بالعصي و تركوهم معلقين في قضبان زنزانتهم.
و كان الضابط عبد الله أحمد من شرطة اداب الجيزة وراء هذه المداهمة أيضا. وبعدها ب 18 شهرا تمكنت هيومان رايتس ووتش من اجراء مقابلة مع احد الضحايا وأسمه "سمير" بعد الافراج عنه. و شرح "سمير" الذي كان عمره 22 عاما عند اعتقاله:
    كان عندي واحد صاحبي اسمه رضا[177] و كان اسم الشهرة بتاعه فيروز. دي كانت مقابلة شؤم لما قابلته في الشارع، قاللي فيه شقة و فيها اتنين غيرنا عايزيين يقابلوا ناس وهيكونوا مستنيين هناك. رحنا احنا الاتنين و كان فيه اتنين غيرنا. انا اعرف رضا بس الاثنين التانيين ما كنتش اعرفهم. يا دوبك قعدنا نشرب شوية و لقينا الباب بيتكسر علينا وكانت الحكومة. كنا لابسين ! و كنا يادوبك بنشرب شوية و قاعدين بنسمع الكاسيت. كانت الساعة 11 او 12 بالليل. كان في ضابط و معاه خمسة كلهم لابسين ملكي.
    "فيه معاكم اذن بالتفتيش؟" هما ردوا، بس ماردوش بالكلام و فهمنا ان مافيش حاجة في ايدينا نعملها. كلمونا علي اننا بنات. ضربونا باللوكاميات و بالشلاليت لغاية ما تقريبا كلنا وقعنا علي الارض و بعدين جرجرونا برة الشقة.
    ضرب و شتيمة و بهدلة و اخذوا حاجتنا علشان تبقي دليل ضدنا و الحاجات الداخلية و الفوط اللي كانت في الشقة بس طبعا البوليس لازم يلفق حاجة: اكيد مش ممكن يقولوا ان النور كان منور و انها كانت سهرة عادية جدا و الناس قاعدة بس و لابسها هدومها و بعدين اخدونا علي مديرية أمن الجيزة.[178]
و نري من ملف القضية ان الضابط عبد الله أحمد قد ألف قصة مألوفه رغم ما بها من خلط، و هي انه قد نما إلى علم الشرطة عن طريق (مصدر سري موثوق به) ان هناك من يمارس الجنس المثلي في شقة من الشقق، فتحركت قوات الشرطة بسرعة و قبضت علي الجناه في حالة تلبس.[179]
اما في مديرية الأمن، علي حد قول سمير، فقد اودع المتهمون في غرفة مكتوب علي بابها "الأخلاق". "دخل علينا اربع او خمس ضباط و ضربونا باللوكاميات و لطشونا بالأقلام". ويكمل سمير قائلا:
    "حكاية الضرب دي اتكررت ثلاث او اربع مرات خلال الأسبوع الأول و كان ضرب ضرب، بجد مش هزار، كانوا الضباط يخشوا الحجز و يضربونا و يعلقونا و يرموا علينا مايه ساقعة و ما كانوش بيسألونا عن أي حاجة غير عن اسامينا و خلونا نمضي علي حاجة بعد ما اتقبض علينا بيوم تقريبا، مضيت اسم غلط و ماقريتش طبعا اللي مضيت عليه. ازاي يعني؟ هو انا هامضي علي عقد بيع العزبة ؟ طبعا من الضغط و الخوف مضينا. رضا كان رافض يمضي. ضربوه قدامنا، عجنوه من الضرب في صدره و ظهره و في الاخر مضى.
بدأت محاكمتهم في يناير. في احدي الجلسات، فتح سيادة القاضي مدحت فواكه الجلسة سائلا: "فين الخولات ؟ دخلوا لنا الخولات !"[180] و في الثالث من فبراير/شباط، صدر الحكم بادانتهم جميعا و حكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات و المراقبة ثلاث سنوات.
بعد ذلك أتى دور الأستئناف. هنا فقط احالت المحكمة المتهمين -المفترض انهم "سلبيين"- الي الطب الشرعي. و في ابريل/نيسان، جاء في نتيجة الكشف انه "لا توجد اثار تدل علي استخدامهم في اللواط منذ مدة قريبة أو بعيدة"
و في سبتمبر/ايلول، برأتهم المحكمة في الاستئناف و استبعد سيادة القاضي أحمد عمر الأحول اعترافاتهم امام رجال الشرطة بحجة ان:

أسلوب الرد على الأسئلة متشابه [بشكل يزيد عن الحد المعقول]. … من الواضح أن جميع الأسئلة أجاب عليها شخص واحد في قصة لا تمثل أحداثها الحقيقة بأي شكل من الأشكال.[181] حصل الأربعة علي حريتهم بعد عشرة اشهر. وقال سمير:
    لو كلب عمل حاجة غلط ممكن تعاقبه بس مش ممكن تخليه يبطل يبقي كلب. انا بني ادم و عملت حاجة هم قالوا عليها غلط و هم خلوني ابطل ابقي بني ادم.[182]

ج. التعذيب في دمنهور: "منظمة شواذ البحيرة"

في اواخر يناير/كانون الثاني 2002، و بعد ان خفتت ذكريات قضية "كوين بوت" في الأذهان، ظهرت مجموعة مفاجئة من المقالات في الصحف تعلن عن فضيحة جديدة في محافظة البحيرة بالدلتا. اعلنت صحيفة الوفد تحت عنوان "القبض علي شبكة كبري للشواذ ان:
حّول موظف منزله إلى وكر للشذوذ و الفجور وحفلات الجنس الجماعي والمخدرات. قامت مجموعة من المخبرين بمداهمة الشقة، وتم ضبط المتهمين الثمانية في أوضاع مخلة أثناء حفل للشذوذ الجماعي، وكانوا يرتدون قمصان النوم ويضعون في وجوههم المساحيق.[183]
بعد ذلك بأيام، اعلنت عناوين صحيفة "الأسبوع" عن "اعترافات رئيس منظمة شواذ البحيرة" قالت الجريدة ان "القضية أثارت كثيرا من الحنق الشعبي في البحيرة: حاول البعض قتل المتهمين أثناء عملية القبض عليهم".[184]

و قال احد زملاء "رئيس العصابة" في "اغرب قضية شهدتها البحيرة" ان "هذه جريمة أن يشغل هذا الموظف وظيفة حكومية. إنه مريض نفسيا. يجب تطهير المجتمع منه ومن أمثاله".[185]
قال احد محاميي الدفاع في القضية مخاطبا هيومان رايتس ووتش: " كان حفلا للاذلال. تحقيقات الجرائد قلبت الرأي العام بشكل رهيب ضد المتهمين في دمنهور".[186]
اختلف ما ورد في محاضر الشرطة عما جاء في الصحف، فذكرت الشرطة خمسة متهمين وليس ثمانية و لم يرد ذكر الجنس الجماعي في محاضر الشرطة. اما "رئيس العصابة" المزعوم فكانت له حكاية اخري قصها علي هيومان رايتس ووتش: حكاية الاعتقال التعسفي و التعذيب.
    جمال [اسم مستعار] في الأربعينيات من عمره، قال ان الأعتقالات الجماعية للمثليين بدأت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2001 بعد ان عثر علي مأمور شرطة مقتولا، ووجدت في موقع الجريمة ادلة علي ان المقتول كان مثليا.[187] قال جمال لهيومان رايتس ووتش: "الحكومة اتصدمت لما لقت واحد من رجالتها خول" و لقوا في شقته اسامي و تليفونات "جاي" كتير في دمنهور فقالوا نعمل قضية نخوف بيها بقية الخولات.[188]
و قال جمال أيضا:
    بدأوا ياخدوا الناس في شهر 12. واحد جالي البيت و قالي الباشا عايز يكلمك. قالولي:" خمس دقائق بس و خلاص". رحت القسم و فرجوني علي ناس تانية "معتقلين" و سألوني: تعرفهم ؟ كل اللي اتعرفت عليهم اخذوهم علي جنب معايا و ادوهم ورقة و قلم و قالولهم يكتبوا عندهم كل اسامي و تليفونات الخولات اللي نعرفهم في دمنهور …… ماكتبتش غير خمس اسامي وقلت اني ماعرفش اسامي العيلة و لا تليفونات بيوت و لا عناوين، علشان الناس هي اللي بتيجي عندي.[189]
    واكمل جمال قائلا: "كانوا بيستدعوني للقسم يوميا و احيانا مرتين في اليوم علشان ياخدوا مني معلومات تاني".[190] و مع استمرار الاعتقالات، شاهد جمال قسم الشرطة مكتظا ب"عشرات الرجال" ووصل عددهم احيانا الي "المئات" لدرجة ان "انا نفسي ما كنتش اتخيل ان دمنهور فيها كل العدد ده من "الجاي".[191]
تعرض بعض الرجال للضرب المبرح –" مهما وصفت ما أقدرش أوصف أد أيه كان فظيع" حسب قول جمال [192] و في يوم 1 يناير/كانون الثاني، حاول جمال الانتحار عن طريق ابتلاع الحبوب، لكنهم أنقذوا حياته في المستشفى. " كنت خلاص أنهكت من العذاب اللي كنت بأشوفه، ما كنتش قادر استحمل أكتر من كدة.[193]
حتى يتجنب الاستدعاء اليومي، بدأ جمال الذهاب إلى الإسكندرية يومياً بعد الانتهاء من عمله و العودة منتصف الليل. أبلغ أحد المرشدين الشرطة، و في ليلة الشرطة على باب شقتة. قالوا:" الضابط عايزك".[194]

عمر النيابة ما سألتني عن اى مخدرات. سألت الضابط هو انت ليه سايب الويسكى و المخدرات ومش عايز تكلمني غير عن الممارسة [الجنسية] اللى اصلا ما حصلتش؟ هز لى راسه كده و خلاص. قلت له انه كان فيه تمانية مخبرين بيضربوني لغاية ما مضيت. و قلعت القميص ووريته ظهري شكله ايه. ما كتبش وكيل النيابةاى حاجة. اشرف برضه ورّى له اللي فى جسمه ووكيل النيابةما كتبش اى حاجة.[219]


أخذوا جمال إلى مديرية امن البحيرة.[195] و هناك التقى بالأشخاص اللذين جمعتهم الشرطة بعد ذلك في نفس القضية: كانوا قد اعتقلوا بمعزل عنه.
    كانوا جابوا القتلة. وبعدين قالوا، تعالوا نضرب عصفورين بحجر: تعالوا نخلى الخمسة دول ونوجه لهم تهمه. الضابط الكبير قال لي كده...قال لي " يا كس أنا ح أعمل لك قضية. بقى أنا و المخبرين بتوعي نسهر كل الليالي دي على ما فيش؟ لأ يا كس أمك، أنت ح تروح السجن وأنا ه اخذ نيشان".[196]
خص اثنان من الضباط الخمسة متهمين بالتعذيب من جديد بشكل أشد.
    كانوا عايزيني أعترف إني "جاي" و أقول لهم على ناس تانية أنهم كده. حرق بالسجاير على دراعاتي. لسه معلمة فيه. و الكهرباء: السلك بتاع التيلفون كان يتلف حوالين ذراعاتي وحوالين العضو بتاعي. في القسم كانوا بيعذونا كل ثالث يوم – يعني يعدي يومين و الثالث نتعذب فيه. كان يبقى فيه ربع ساعة كهرباء. اخذوا سلك التيلفون ولفوه حوالين صوابع أيدي وصوابع رجلي و وداني و بتاعي. كان متوصل بحاجه زى التيلفون بمنافله (أي ذراع) كانوا يلفوها علشان تطلع صدمات. ده كان زي الموت.
    وكان فيه ضرب، أحيانا قبل كده وأحيانا بعد كده. كانوا يخلوا أيديك متكلبشة ورا ظهرك ورجليك مربوطة أو متسلسلة. كانوا ينزلوا بنطلونك ويعروك من فوق ويضربوك بعصيان بلاستيك.
    ده كان بيحصل لكل واحد لوحده، علشان يعذبوا الناس التانيه في الأيام اللي ما كانوش بيعذبوني أنا. الأول كان تلطيش بالأقلام كتير، لما كنت ما باديش أسامي. بعد التلطيش بدأوا يكهربوني بسلك التيلفون. بعدين نص ساعة في الزنزانة. بعدين يجوا يجيبوني تاني. يقولوا: يعني لسه مش عايز تدينا أسامي و عناوين؟ " بعدين تيجي السجاير. كان هو ده الروتين العادي".[197]
يوم القبض على جمال اصطحبه أحد الضباط إلى شقته (أي شقة جمال):
    نهبوني. مهما وصفت مش حأعرف أوصف تهبوني إزاي. اخذوا الفيديو بتاعى. اخذوا الموبايل والدش و الريسيفير و الو وكمان. كل شرايطي الكاسيت،كان عندي مجموعة كبيرة، خذوها...حتى الصابون. و هدوم طليقتي خدوها! أي حاجة ممكن تتاخذ سرقوها. و لما سألتهم" انتوا بتاخدوها ليه؟" رد الضابط:" علشان نتمتع بيها. أنت رايح السجن؛ الحاجة دي حتقعد لمين؟ وعلشان أحافظ لك على لي فاضل، حاشمع لك الشقة بالشمع الأحمر". و لما طلعت براءة قعدت 3 شهور مش عارف ادخل الشقة علشان كانت متشمعة".[198]
قال جمال انه لم يعرض على النيابة إلا بعد القبض عليه " بحوالي 15 يوم":[199]
    و إحنا في النيابة واحد من وكلاء النيابة أخدنا في أوضة و لم كل وكلاء النيابة التانيين في نفس الأوضة. رفع رجليه على المكتب و كان عايزنا إحنا الخمسة نقول بصوت واحد "إحنا خولات، إحنا شراميط، بنحب نتناك". وكلاء النيابة التانيين كانوا بتفرجوا علينا و بيضحكوا. ما رضيتش أقول كده، قام وكيل النيابة و هاتك يا تلطيش بالأقلام فينا كلنا.[200]
في يوم 17 يناير/كانون الثاني، أمرت النيابة بعرض جميع المتهمين على الطبيب الشرعي للكشف على الشرج. قال جمال "في الطب الشرعي ما حدش أدى اى اهتمام لما كلمتهم في التعذيب. وريت الدكتور الجروح اللي في جسمي وحروق السجاير؛ وكان فيه حروق من أثر الكهرباء لسه باينة. قام الدكتور قال انه صلاحايته لا تسمح له الا انه يبص على حاجة محدده".[201]

جددت النيابة حبس المتهمين في جلسات متتالية، و اخيرا امرت بترحيلهم لسجن دمنهور. "أول ما وصلنا اضربنا بوحشية من حوالي ثمان عساكر. قلعونا عريانين و ضربونا بايديهم لغاية ما كنا شبه فاقدين الوعي. وجريوا ورانا بالعصيان".
وقال جمال:"كان فيه واحد من عساكر السجن كان اكثر واحد مؤذي فيهم".[202]
    كان بيضربنا بالعصاية البلاستيك.كان بيملأ حاجة زي الطشت بالميه المثلجة ويرمينا فيها أو يرميها علينا. كان بيخلينا احنا نكنس و نمسح سلالم السجن. و طبعا طول الوقت شتيمه. كان بيعاملنا اسوء من بقية المساجين؟ اه طبعا. كان فيه ناس تانية دول حثالة السجن، كانوا بينضربوا ويتشتموا، لكن احنا بقى كان بيعاملنا على اننا الخدامين بتوع حثالة السجن. كنا اوطى من اوطى بنى ادم في السجن.ما تقدرش تتخيل البؤس الى كنا عايشين فيه. كان يخش علينا زنزانتا بالليل وينزل تلطيش فينا. كان معايا شوية كتيبات دينيه صغيرة كنت باصبر نفسي بيها. قال انت الى في نجاستك ما يستاهلش يبقى معاه حاجة زي دي،وخدها قطعها. كان الضرب كل يوم، وحمامات الميه المتلجة تقريبا كل يوم،و الحكاية دي استمرت كام اسبوع. الحروق اللى في ذراعي عملوها في القسم، لكن في السجن هو اللى عمل لى الحروق دي فى رجلي.[203]
سمح جمال لهيومان رايتس ووتش بتصوير رجله، بعد انقضاء سنه منذ التعذيب، كانت لاتزال مغطاه باثار حروق السجائر.
    كما قال جمال ان الحارس "اخدني كتير للزنزانة رقم 7، ودي اللى فيها اخطر المجرمين اللى عليهم أطول احكام، و قال لهم " اهوه خول خدوه اتمتعوا بيه". "بتاع خمسة وعشرين واحد اغتصبوني. احيانا كان كل واحد ينكيني يجي ثلاث اربع مرات وهم بيضربوا ويلطشوا في". [204]
    بطلت اكل و اشرب. مش اضراب عن الطعام. انا كنت بس عايز اموت نفسي ماكانش في اى حاجة ازاز في الزنزانة، اقطع بيها شراينني و لااذبح نفسي. ما كانش عندي أي وسيلة تانية... بعد كام يوم اغمى عليه و ماعرفوش يفوقوني. خدونى ع المستشفى لما رجعت السجن كانت الادارة اتدخلت، و المعاملة بدأت تبقى احسن شوية، الضرب قل وحمامات ( الماء المثلج) اتوقفت.[205]
جرت محاكمة الرجال الخمسة فى 11 مارس / اذار، بينما ظل الرجال رهن الحبس. حكم القاضي محمد مختار على الخمسة كلهم ثلاث سنوات حبس يليها ثلاث سنوات مراقبة. قال جمال " انا وقعت من طولى في المحكمة لما سمعت الحكم".[206]

جاء الافراج عن الخمسة اخيرا بعدها بشهر، بعد أن قضوا فترة تزيد على ثلاثة اشهر في الحبس. و الغى القاضي هاني كمال جبريل الادانة فى حكمه الذي انتقد اجراءات الشرطة و النيابة بشدة و قال "لا يمكن الدفع باية جريمة او تهمة ضد المتهمين"، كما قال معاتبا:" يجب ان نضع حماية الحريات فوق البحث عن المجد و الشهرة".[207] قال جمال لهيومان رايتس ووتش:
    انا خسرت شقتي. اصحاب الملك طردوني. اهلى رفضوا يكلموني. علاقتي مع والدى ووالدتي بدات تتحسن،رغم انهم ما بقوش يحبوا حد يشوفهم معايا. بس اخواتى البنات الاتنين مقاطعيني. قالوا ان انا بالنسبة لهم ميت. انا سبت المدينة كلها و رحت مدينة تانية. يا ريتنى كنت اقدر اسيب البلد.[208]

د: " أنا انكسرت": شقة في طنطا

في الخامس من مايو / ايار 2002، نشرت إحدى صحف غرب الدلتا عن اكتشاف و احباط جماعة للمثليين في مدينة طنطا:
    تجرد مدرس من جميع مبادئه واتبع غرائزه الشاذة، حيث ارتدى ملابس النساء ووضع المساحيق على وجهه لإغواء امثاله من الرجال الشواذ من راغبي المتعة المحرمة، والذين يمارسون الجنس في شقته. وجاءت المعلومات للمقدم أحمد عبد الوهاب رئيس وحدة آداب الغربية …[209]
نشر المقال الحروف الاولى من أسماء المتهمين و أعمارهم وأماكن عملهم، مما أتاح التعرف على هوياتهم بسهولة.
كانت الاعتقالات قد جرت فى الواقع قبل ذلك بستة اسابيع. واتهم محضر الشرطة الخاص بالقضية رئيس "الجماعة" بتكوين جماعة " لعبادة الشيطان".[210] كان المقدم عبد الوهاب قد حصل على اذن بالقبض على خمس اشخاص يُفترَض انهم اعضاء فى"الجماعة"؛ لكن لم يجر اعتقال او اتهام سوى واحد من الواردين فى الاذن، وهو صاحب الشقة. والواقع ان الشرطة استغلت مرشدا لكي يجتذب عددا من الرجال الى الشقة بشكل عشوائي – و بعد ذلك عذبتهم لكي يعترفوا بانهم مارسوا الجنس.[211]

تحدثت هيومان رايتس ووتش مع اثنين من المتهمين في القضية. أحدهما هو صابر [اسم مستعار]، عامل فى الثلاثينات من عمره، و قد قص علينا مترددا قصة اعتقاله:
    كريم [اسم مستعار] صاحب الشقة كنت اعرفه من حوالى تلاتاشر سنة. أنا قابلت الولد ده فى بيت كريم. كان جسمه قليل كده و ما كانش حد بيحبه اوي ولا بيطمئنله. قعدت بتاع 3 شهور ما باروحش عند كريم. بعدين والدتي قالت لي: "فيه واحد اتصل بيك اسمه توفيق عايز يقابلك". توفيق، اللى هو الولد ده، قال لى "انا مستنيك"،و فهمت ان قصده نتقابل في شقة كريم. فرُحت انا بقى هناك... اللى ما كنتش اعرفة ان توفيق ده كان مرشد. كان فاكر انه يقدريخلينى امارس[الجنس] مع كريم.[212]
    ذهب صابر إلى الشقة حيث قابل كل من كريم و صديق آخر يدعى اشرف [اسم مستعار]. "وكانوا حاطين شوية بانجو على الترابيزة قدامهم فقلت يبقى دي قعدة دخان [أي لقاء لتعاطى المخدرات] ".[213]
    توفيق كان عمال يطلع ويرجع و كل مرة بحجة شكل... كان لازم نعرف ان فيه حاجة غلط. كنا قاعدين على الارض على شلت كبيرة – كريم عنده كده قعده عربي – و بنتفرج على التلفزيون. توفيق كان عمال يصب لنا فى خمور. ...
    اللى عرفته بعد كده، و انا فى الحبس مع كريم و اشرف، انه كان معاه موبايل عمال يرن وهو معانا. و هو ما معاهوش موبايل فى العادي و هم حتى استغربوا الحكاية دي. و كان يقوم يجري على المطبخ وبعدين يرجع. شكله كان فيه اتفاق انه الضابط تقريبا كان بيدي له رنه... و كان توفيق يروح ويبعت لهم رسالة "لأ" ان لسة الحكاية مش جاهزة.
و فجأه خرج توفيق لآخر مرة.
    قعدنا ما فيش دقايق بنتفرج على التلفزيون، و بعدين سمعنا خربشة على الباب. كريم قام علشان يبص من العين السحرية. و فجأة الباب قام طاير في وشه، اتخلع من الحلق خالص. و كريم طار مع الباب لاخر الأوضة.
    كان ضباط و عساكر كتير، حوالي 15 على بعض. ..كانوا عمالين يقولوا "خولات، خولات". انا كنت فى حالة رعب... كريم ده مطلق، و كان فيه لسة هدوم قديمة بتاعة مراته فى أوضة النوم. دخل الضابط أوضة النوم و بدأ يفتش فى الادراج و الحاجات و سحب له شوية قمصان نوم و شوية من ملابسها الداخلية و شوية ماكياج....
    ياريتها كانت قضية مخدرات، ده كان بقى احسن لنا قدام العالم.... و لا جابوا سيرة اى تهمة مخدرات. الضابط - كان اسمه احمد عبد الوهاب - قال "قمصان نوم فى الدولاب". راح عليها على طول، هي دي نوعية الحاجات اللى عايزها.
قال كريم صاحب الشقة، و هو مدرس فى الاربعينيات من عمره:
    الجيران هم السبب - بلغوا البوليس ان فيه ناس رايحة و جاية على الشقة عندي.[الشرطة] قيدوا ايدينا بالحبال. قيدوني زي الحرامي. ايه ذنبي؟ ما اعرفش. قلبوا الشقة تفتيش. قعدوا يضربوا فيا ويدوني على قفايا جوه الشقة و احنا نازلين. يا ساتر...كانت معاملة كلاب، اوحش من الكلاب. جَرَّسوني وفرَّجوا الناس عليّا. كانوا بيخبطوا على الجيران و فرجوا العمارة كلها علينا و احنا نازلين، و قعدوا يقولوا للجيران: "اهه ريّحناكم من الخول". [214]
قال صابر:
    رحنا مديرية الامن. اللى طلعنى الدور الفوقاني رئيس بوليس الاداب بنفسه، احمد عبد الوهاب. و ضربوني هم و ضابط اسمه محمد جمعة لغاية ما مضيت على اللى كانوا كاتبينه لى... كانوا بياخدونا بالدور و هم بيكتبوا المحاضر. لما جيت امضى، كانت ايدي بتترعش لدرجة ان الإمضاء نفسها طلعت مهزوزة.
    ما شفتش انا كنت بامضى على ايه، ما شفتش اللى كان مكتوب. كان فيه جزء بيقول انى كنت بامارس مع كريم جوه الأوضة، و ان اشرف كان قاعد بره مستني دوره.[215] بس و حياتك لو كان ايه: لو كنت حامضى على عقد جواز واللى باتجوزها دي تبقى أمى، كنت مضيت، من الضرب اللي انا اتضربته. كان الضرب بشريط كاوتش، عباره عن عجلة بيسكِلٍتّه [أي دراجة] مقصوصة من النص علشان تبقى زى شريط طويل. كان الضرب على كتافي من فوق القميص علشان ما يسبش علامات جامدة تبان فى النيابة. ما ضربونيش فى وشي. لما طلعت بره، الإتنين اللى معايا قعدوا يقولوا لى:"ايه اللى خلاك تمضى؟" قلت لهم "دي ما فيش حاجة، دي حتة امضاء".
    بعد كده قعدوا يضربوا في كريم لغاية ما كانوا ح يموتوه. طلع لنا مش قادر يقف و سألناه: "طيب انت بقى ايه اللى خلاك تمضى؟"[216]
و من المحتمل ان كريم - و هو الذى اعتبرته السلطات الرجل السلبي بين الثلاثة- قد تلقى أسوأ معاملة. قال لنا كريم: "فى المديرية ابتدوا يضربونى و يعذبوني. ضربوني بالشوم وضربوني على قفايا وادونى بالشلاليت".
    قلّعوني هدومى بالعافية. كان احمد عبد الوهاب اللى امر رجالته يعملوا كده وهو بيتفرج. [الضابط] محمد جمعه من قسم طنطا كان موجود و ضربنى بالشوم. مش قادر اقول على اللي اتعمل فيا. مش قادر.
    قلعوني عريان – حتى اللى تحت [أى الملابس الداخلية] قلعوه لى. قالوا لى احنا ح نبيّن انك خول، و خللوني اوطي على السجادة، ناس بتضربنى و منهم بيباعد بين الفلقتين – و فتحوا – فتحوا عندي من ورا بايديهم. مش مستحمل افكر فى اللى حصل.
    قالوا انهم بيشوفوا علشان يتاكدوا لو انا خول و لا لأ. و دخلوا الناس عليا علشان يفرجوهم عليا و انا كده موطي. قالوا لهم تعالوا شوفوا الخول".[217]
و انهمرت دموع كريم دون توقف و قال باكيا:"انا مش قادر اتكلم فى ده، ليه عايزين تخلونى افتكر؟ ليه مش قادر انسى؟ كانت حاجة فظيعة، فظيعة. انا تعبان قوي. كانوا فظاع، فظاع".

فى حوالى الثامنة و النصف صباحا، انتقل المتهمون الى قسم ثان بطنطا[218] و يتذكر كريم: "هناك جه لى نزيف من الضرب اللى انضربته. كنت بارجّع دم. قالوا لى "و لا يهمنا، إلاهي تموت هنا". و فى الامسية التالية، انتقل المتهمون الى النيابة حيث استجوبتهم على انفراد. قال صابر: وكيل النيابة بدا يطلع ملابس داخلية كانت معاه فى صندوق ويوريها لى وهو بيسأل "دي بقى الحاجات اللى كان كريم بيلبسها لك؟"
قبل ما نمشي، رئيس النيابة دخل علينا. و سأل وكيل النيابة "هو إيه اللى حاصل؟ مين ده؟ النيّيك ولا اللي بيتناك؟ و كيل النيابة قال له "ده النييك". ورئيس النيابة قال:" انا زهقت من القضايا دي. انت لو بصيت في طنطا حتلاقى ثلاثة ارباع رجالتها خولات".
    عمر النيابة ما سألتني عن اى مخدرات. سألت الضابط هو انت ليهسايب الويسكى و المخدرات ومش عايز تكلمني غير عن الممارسة [الجنسية] اللى اصلا ما حصلتش؟ هز لى راسه كده و خلاص. قلت له انه كان فيه تمانية مخبرين بيضربوني لغاية ما مضيت. و قلعت القميص ووريته ظهري شكله ايه. ما كتبش وكيل النيابةاى حاجة. اشرف برضه ورّى له اللي فى جسمه ووكيل النيابةما كتبش اى حاجة.[219]
ورد فى تقرير النيابة الصادر بتاريخ 25 مارس/اذار اتهام كل من الثلاثة بموجب المادة 9 (ج) من القانون 10 لسنة 1961. كريم لم يمثله محام، وقال: "اصحابى حاولوا يجيبوا لى محامى و رفض يطلع لى فوق علشان المخبرين اللى قاعدين تحت قعدوا يقولوا بصوت عالى "بصوا شوفوا المحامي الى جاي يدافع عن الخول".[220]
بعد ذلك نقل المتهمين من النيابة الى سجن طنطا. و قال صابر فى وصف الايام التى قضوها هناك: "كل المساجين كانوا عارفين حكايتنا. العساكر لما كانوا يفتحوا لنا ندخل ونطلع من الزنزانة على طول شغالين "تعالى ياخول. روح يا خول، ياللى بتاخذه فى طيزك".[221] قال كريم لهيومان رايتس ووتش باكيا: "كانوا بيدخلوا لنا الاكل زي الكلاب، يزقوا الطبق كده تحت الباب. صعب اوي عليا احكي على اللى كان بيحصل جوه. مش قادر. مش قادر. ناس جوه بتحاول تعمل [جنس] معايا بالعافية. ياخول. ياخول".[222]

و فى جلسة بتاريخ 11 ابريل/نيسان، افرج عن المتهمين بكفالة. و طالت المحاكمة فامتدت لمدة تزيد على عام. وفى 25 يوم 26 مايو/ايار 2003، صدر الحكم غيابيا على الثلاثة بالإدانة. حكمت المحكمة على كريم بالحبس ثلاث سنوات وعلى الاثنين الاخرين بالحبس سنة.[223] واختبأ الجميع حتى الان.
قال كريم عن حالته بعد الافراج عنه لاول مرة:" كنت فى حالة انهيار عصبي. ما كنتش اتخيل ابدا ان حاجة زي دي ممكن تحصل لى". و انخرط فى البكاء من جديد:
    اترفدت من شغلى. امى ماتت من حسرتها على الموضوع ده، بجد ماتت من القهرة... كل يوم في نور النهار باحاول انسى الى حصل، كل الحاجات الى حصلت، و باحاول بس اعيش حياتى. طول ما فيه نور فى السماء باقدر. بس كل ما بييجي الليل بافتكر. مش باستحمل لما اجى افتكر. الضلمة بتقتلني. كان عندي حياتى ودلوقتي مش فاضل أى حاجة. نفسي اموت وارتاح. يارب خذني بقى. [224]
وقال صابر ببساطة: " الحكاية دي كسرتني. انا انكسرت".[225]

هـ. حفل آخر لحافظ: إثنا عشرة رجلا بالعجوزة

في يوم 23 اغسطس/آب 2002، نشرت صحيفة الوفد خبر "القبض على اثنى عشر شابا من بينهم ستة طلبة جامعيين". زعم الخبر ان "المتهم الاول" صاحب الشقة التى كانوا يلتقون بها، كان يغريهم على ممارسة الفجور عن طريق الأفلام الإباحية وعن طريق الإنترنت".[226]

فى الواقع، قبض على الرجال فى منطقة العجوزة بمحافظة الجيزة، فى ليلة 19 اغسطس/آب. و نرى من محضر قضيتهم نفس السيناريو، وهو تكرار لاسلوب الكتابة الوارد فى قضيتى الهرم و بولاق الدكرور. كما نرى نفس الضابط من آداب الجيزة يبنى قصة مألوفة، يكشف فيها "مصدر سري موثوق" ان "أحد الشواذ السلبيين يدعى حافظ.. يدير [شقة] للأفعال الماجنة. وهو يجتذب الشواذ السلبيين لتلك الشقة فيتصيدون راغبي المتعة من الشواذ الإيجابيين، ويمارسون الشذوذ في الشقة".[227] أما " المتهم الاول" الذي أشارت اليه الصحيفة فهو شخصية مألوفة: حافظ المرشد.
طبقا لملف القضية، نزلت الشرطة على الشقة و ضبطت الاثني عشر متهما، و كان اثنان منهما متلبسين بممارسة الجنس والاخرين فى ظروف مشبوهة و كان بعضهم متجردين من بعض ملابسهم.[228]
وطبقا للملف، لم يكن حافظ بينهم. ومن السجلات نتبين ان احد الإثنى عشر الذين قبضوا عليهم كان عمره 17 عاما؛ اما الباقون فتراوح سنهم بين 19 و 25 عاما.[229]

تمكنت هيومان رايتس ووتش من إجراء مقابلة سريعة مع اثنين منهما فى السجن الذى يقضيان فيه مدة عقوبتهما. تحدثا بشكل سريع وكان كل منهما يكمل جمل الاخر، واختلفت قصتهما عما قالته الشرطة تمام الاختلاف:
    و احنا بنتمشى على الكورنيش واحد مننا جاله تليفون من حافظ "مشمشة"، و كان عارفه معرفه بسيطة من قبل كده. رحنا عند حافظ ليلتها فى بيته علشان نشرب. و فى آخر السهرة حافظ قال لنا انه عنده حفله ثاني يوم وطلب مننا نبات عنده و نساعده يحضر لها، وعملنا كده.
    الليلة الى بعدها كنا 14 في الشقة بِحافظ. البوليس دخل في وسط الحفلة. ما كانش فيه حد نايم مع حد. اتاخدنا على مديرية أمن الجيزة. هناك سابوا حافظ وواحد صاحبه اسمه جورج. احنا ال12 بس الى قعدنا. واحد عسكري اسمه محمد ضربنا كلنا بالعصاية. عرفنا بعدها ان حافظ هو هو " مشمشة" اللى جاب الناس فى الهرم السنة الى فاتت. دي مش أول مرة له إنه يساعد البوليس يجيب"الجاي".[230]
جرى نقل المتهمين لنيابة العجوزة في صباح ما بعد الاعتقال، حيث فصلتهم النيابة الى مجموعتين، و قام اثنان من وكلاء النيابة باستجوابهم.[231] اتبع أحد المحققين، و هو ياسر خليفة، النمط الذى وضعته الشرطة، حيث اجبر المتهمين على تصنيف انفسهم اما "سلبى" أو "ايجابي". وعندما قال الكثيرون انهم سلبيون وايجابيون فى آن واحد، تملكه الغضب[232]، وقال المسجونون الذين تحدثوا مع هيومان رايتس ووتش إن "ياسر خليفة ضرب ثلاثة مننا بالقلم".[233]

امرت النيابة بتحويلهم للطب الشرعي و أجرى طبيب واحد الكشف الطبي عليهم كلهم، وجدتهم النتيجة "مستعملين فى اللواط منذ فترة طويلة". أمرت النيابة بتجديد حبسهم عدة مرات على التوالى، بينما سرب المسئولون ما سمى "باعترفات" المتهمين لمجلة "روز اليوسف"، فظهرت فيها عناوين عن" تنظيم جديد للشواذ جنسيا" [234] في سبتمبر/ايلول.
و في الثاني من أكتوبر/تشرين الاول، حولتهم النيابة جميعهم للمحاكمة ووجهت اليهم التهمة بموجب القانون 10 لعام 1961. و كان حافظ ضمن المحولين للمحاكمة بموجب المادة 9 (ج)، ووجهت اليه تهمة اضافية هى ادارة بيت للفجور بموجب المادة 9(ب).
و في الثاني عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2002، صدر الحكم على الثلاثة عشرة متهما جميعهم بالسجن

لمدة ثلاث سنوات يليها ثلاث سنوات من المراقبة.[235] و أيد الاستئناف، الذي جرى في 2003، الاحكام ضد 12 من المتهمين ( بما في ذلك حافظ، لكن ذلك الاخير لا يزال طليقا).[236] لا يزال "مشمشة" طليقا. و يقضي بقية البالغين عقوبتهم معا. قال اثنان منهما لهيومان رايتس ووتش:
بيخللونا مع بعض في زنزانة غير الزنازين التانية. ..المشكلة انهم مش بيخلونا نختلط خالص بالسجناء التانيين. ما بيطلعوناش من الزنزانة غير ساعة في اليوم علشان نتمشى في حوش السجن. وبيِِخْلوا الحوش من السجناء التانيين قبل ما يطلعونا. ... المساجين بيشوفنا من طاقة الباب (اى شباك صغير فى باب الزنزانة) ويقولوا علينا "النسوان". العساكر الى بيقفوا علينا على طول مسميينا "النسوان"، و طلّعوا على زنزانتنا (اى اطلقوا عليها اسم) "سجن النساء".[237]
كتب رجل منهم فى خطاب لاحد النشطاء المصريين:
    عايزك توصل صوتي للامم المتحدة. قول لهم عايز اخرج من السجن ده. قول لهم ان مكاني مش هنا... هم بيحرموني من حقي في الحياة و حقي فى الحرية هنا في بلدي. [238]

و. "اعتقدوا انها حرية شخصية": مراقبة تليفونية بالجيزة

فى مارس/ اذار 2003 علا صوت الصحافة مرة اخرى بانباء "القبض على شبكة للشواذ".[239] اطلقت عليهم عناوين الصحف التي امتدت بعرض الصفحة صفة " الشواذ". و حكت المقالات عن المراقبات التليفونية التي سجلت اقوالهم وقضت عليهم، كما نشرت الصحف اسماء معظم الرجال علاوة على أعمارهم، وجهات عملهم او دراستهم.[240]

وجاء اتهامهم هذه المرة من شرطة السياحة و ليس شرطة الآداب. و يبدو ان القضية جاءتهم عن طريق الخطأ، لكن بمجرد دخول ضباطها في القضية، سعوا بكل الهمة والنشاط اقتداءً بممارسات زملائهم فى شرطة الاداب.

كان لدى وائل [اسم مستعار] المتهم الاول شقة في الجيزة، وقال أحد ضيوفه: "كنا بنقضي وقت لطيف عنده، حفله، نشرب شوية، نرقص شويه...اللى كان بيجمعنا ان احنا "جاي" و كنا بنحس بالامان". [241] و قال ضيف آخر من ضيوفه اصبح متهما فيما بعد: "رحت عنده الشقة مرتين. ...وائل كان طبيعي جدا. شربت لى كاسين و مشيت. الكلام عن الحفلات اللى فيها جنس و الكلام ده مالوش دعوه باللى سمعته عن المكان"[242]

قدم شخص ما شكوى.[243] قال ضيف كان يتردد على البيت احيانا ان" كتير من سكان الحته وكل الناس اللى في العمارة كانوا عارفين انه" جاي" وده ما كانش عاجبهم. كان بواب العمارة يشتمنا واحنا داخلين:" ملعون ابوكو يا خولات". [244] و لما كان المكتب الرئيسي لشرطة السياحة فى المنيل، على الضفة الاخرى من النيل امام محافظة الجيزة و فى مواجهة الشقة مباشرة، يبدو ان المرشد عبر الجسر و توجه الى اقرب نقطة شرطة.

حولت شرطة السياحة الامر الى وحدة مراقبة الآداب العامة و هي تعمل عمل شرطة الآداب داخليا. وفى التاسع عشر من يناير/ كانون التاني 2003، اعطاهم قاضى لمنطقة الجيزة إذنا بمراقبة هاتف شقة وائل لمدة ثلاثين يوما، و تجدد الاذن فى فى السادس من فبراير. لكن الشرطة كانت قد حصلت بالفعل على كل ما يلزمها من معلومات. وفيما بعد، قال رئيس وحدة مراقبة الآداب العامة مخاطبا وكلاء النيابة ان المتهمين "مارسوا الفجور...لدرجة انهم ظنوا انها حرية شخصية". [245] و فى السابع عشر من فبراير، حصلت شرطة السياحة على اذن بالقبض على وائل، ومعه "رجال يمارسون الفجور و الشذوذ الجنسي تصادف وجودهم بالشقة وهؤلاء الذين لهم محادثات تليفونية مُجَرَّمة". [246]

قبض على وائل في شقته. وأخذت الشرطة تسعة آخرين من منازلهم، ومن ضمنهم طلبة جامعيين و عامل بفندق و ممثل و بعض العاملين بالمتاجر. في رواية الشرطة، اعترف الجميع بممارسة العلاقات الجنسية مع الرجال[247].
و في جلسة من جلسات المحكمة فى السابع و العشرين من مارس/اذار، روى اقارب وائل لهيومان رايتس ووتش انه حاول الانتحار فور القبض عليه، ويؤيد هذا محضر الضبط.[248]
وفي الايام التالية بحثت الشرطة عن المزيد من الرجال، وبلغت قائمة المطلوبين لديهم سته عشر رجلا، و يظهر ان الشرطة كونت هذه القائمة بناء على المراقبة الهاتفية. اجبرت الشرطة أحد المتهمين على اللقاء باثتين من أصدقائه بمقهى فى منطقة المهندسين، حيث القى القبض عليهم. كما ذهب رجال الشرطة للقبض على رجل اخر متورط فى القضية من مدينة الاسماعيلية بالسويس. و اخيرا ظل ثلاثة من الستة عشر طلقاء، وحوكموا غيابيا.[249]

تمكنت هيومان رايتس ووتش من التحدث مع يحيى، البالغ من العمر تسعة عشر عاما، الذي كان متهما فى القضية و برأته المحكمة:
    اخدونى على مكتب شرطة السياحة فى المنيل. بعدين سابوني هناك يوم. ما كنتش عارف فيه ايه. كل ما اسأل، كانوا يقولوا:" بس ح نسألك كام سؤال وتمشي على طول". فضلت واقف على رجليا الاربعة وعشرين ساعة. كل ما عيني تغفّل[اى ابدأ فى النوم] يدونى بالقلم او يزغدوني علشان اصحى تاني. و كان العسكري يضربني و يقول لي مش حتشوف امك تاني. كنت اعيط.
    ما كانوش لسه حطوني مع الناس التانيه، فما كانش عندي أي فكرة ايه الى بيحصل. ما سألونيش عن أي حاجة فى القسم. مضوني بالعافية على ورقة بيضاء. ما كانش مكتوب فيها أي حاجة. قعدوا يضربوا فيا علشان يخلوني امضى. اتنين ضباط ضربوني وواحد طلع مطواه قدام وشى و هددني بيها. ما بطلتش عياط.
    و بالليل خدوني فى عربية الترحيلات على النيابة. ربطوا لى ايديو حطوا جردل ميه فوق منى، فكل ما كانت العربية تضرب فرامل تقوم المية نازلة عليا- منه بهدله، و منه يخللونى ما اروحش فى النوم. فى النيابة قبل ما اخش على طول الضباط بدأوا يتتريأوا عليا...قالوا لى انت بقى لك قد ايه عبدة شيطان وشاذ. كنت لابس عقد فضة عادي خالص فيه دلاية عليها اسمي، قالوا دي حاجة شيطانية.
    وكيل النيابة قال لى: " لو ما قلتش الى بنقول لك عليه و ما مضيتش اللى نقول لك تمضيه، حنعلمك درس ماتنساهوش". كان بيهددني و خلاني اعيط تاني. كان عمال يسألنى انا كام مرة شفت وائل لابس باروكة وحاطط مكياج. قلت له "عمري ما شفت حاجة زي دي". قال "شفت وحتقول انك شفت".
    وكيل النيابة كان عمال يشخط و يزعق فيا. قال أن حاديك 15 يوم،و لو ما اعترفتش مش هتروح بيتك تاني. مش حتشوف أهلك تاني. حتروح ورا الشمس. لو أنكرت إنك خول، حنبعتك لكشف الطب الشرعي وهم حيلاقوا الدليل".[250]
    نزلوني تحت للحجز فى البدروم. طول السكة العساكر عمالة تلطش فيا. كان الحجز تحت الارض. لما دخلت لقيت ال12 اللى معايا في القضية تحت. كانوا متكلبشين في بعض. كانوا مضروبين. كانوا كلهم غرقانين في دم وجسمهم أزرق. وائل كان قميصه مفتوح وكان فيه كدمات كبيرة زرقا على صدره. كانوا مغميين عينيه بشرابات العساكر الوسخة. كلهم كانوا اتضربوا بالشلاليت و بالأقلام و اللكاكيم. مش عارف ليه ما غموش عيني، فكنت قادر أشوف".[251]
وفي الوقت نفسه، أنكر ستة متهمين من ال13 جميعالتهم أمام النيابة. و لكن بعض الاخرين اجبروا على الاعتراف و على توريط غيرهم في القضية.
انتقل المتهمين الى قسم الجيزة وظلوا محجوزين هناك طوال فترةمحاكمتهم. ورغم ذيوع الانباء الا ان السلطات وضعت قيودا محكمة على الاتصال بالمتهمين، بل ان الاسر والمحامين لم يتمكنوا من الاتصال بالمتهمين قبل بدء المحاكمة.[252] وفي قسم الشرطة – كما روى يحيى لهيومان رايتس ووتش:
    كانت الوردية بتتغير ثلاث مرات فى اليوم. في كل مرة كان العساكريخشوا يضربونا. واحد مننا ضربوه في وشه لغاية مناخيره ما نزلمنها دم – متهيأ لي انها حصل فيها كسر. كانوا يخللونا ننام على بطنناعلى الأرض ويمشوا على ظهرنا. كان ظابط واتنين حراس. كانوا دايما يضربونا على قفانا بالشلاليت. احنا ال12 كنا وضع خاص. الاول كنامعزولين حوالي 15 يوم. فضوا أوضة في حجز الحريم وحطونا فيهاعلشان قالوا اننا حريم واننا مش رجاله...
    كانوا برضوه بيضربونا بسعف النخل وبالخرزانه. فيكل مرة تتغير فيها الوردية! كانوا بيضربونا في الزنزانة ووشنا في الحيط. قبلما يدخلوا علينا يقولوا:"وشكوا في الحيط يا خولات!" أو "ناموا على الأرض ووشوشكو تحت" علشان مانشوفش مين الى بيضرب.
    في مرة – دي حاجة بجد صعب تتصدق – دخلوا علينافصل ولاد صغيرين، عندهم ستة أو سبع سنين حوالي30 ولد. نيمونا على بطننا ووشنا فى الأرض، وفرجواالعيال على العساكر وهم بيمشوا على ظهرنا. بعدينالعيال مشيت فوقنا. عملوا كده علشان يعرفوا الولاد انالرجالة اللى بينيكوا بعض بيحصل فيهم كده. و قالوهاللعيال".دي نهاية الخولات".كانت عاملة زي رحلة المدرسة!
    بعد ما دخلوا علينا الأطفال بفترة قصيرة، طلعونا منالعزل وحطونا مع المساجين التانيين في زنزانةواحدة... كان فيه تهديد بالاغتصاب. المساجين قالوالي "يا متناكة" و "يالبوة"...
    المساجين التانيين كانوا بيخشوا علينا ويشتموناأو يحاولوا يمسكونا ويعملوا معانا واحنا بنحاول نعمل حمام.[253]
صدر الحكم في السابع عشر من ابريل/نيسان، ببراءة اثنين فقط من المتهمين، اما الاخرين فتراوحت احكامهم ما بين ثلاث سنوات ونصف سنة (بالنسبة لوائل) و سنة، وحكم على معظمهم بالحبس سنتين.[254]
قال يحيى:
    لما خدت البراءة رحت مديرية أمن الجيزة علشان أخلص ورقي. هناك ضربوني بالحزام و الكرباج. قالو لى:"انت خول، انتم بتنيكوا بعض، انتوا طلعتوا بوسايط بس حتدفعوا الثمن". واحد من الضباط طلع طبنجة وحطها فى رأسي. قال "لو دي دولة اسلامية كنت قتلتك، بس يا خسارة، لأنها مش كده مش حاقدر اقتلك".
وفى التاسع عشر من يوليو/ تموز 2003، ألغت محكمة الاستئناف الأحكام الصادرة ضد الأحد عشر رجلا الباقين في السجن. قال القاضي مؤزر المرصفي:"انتم تثيرون الإشمئزاز، انتم أذى للعين. انتم ارتكبتم ذنب عظيم، لكن مع كل أسف القضية بها أخطاء من حيث الإجراءات و المحكمة مضطرة لتبرئتكم كلكم".[255]
<< السابق    الفهرس    التالي>>