Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
  
لحظة واحدة تمحو كل شيء:
التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين

محتويات التقرير :-
  • ملخص
  • التوصيات
    الفصل الرابع
  • المعايير القانونية
  • الانتقام وأعمال الردع
  • هوامش الفصل الرابع
    الفصل السابع
  • دور السلطة الفلسطينية
  • مدفوعات السلطة الفلسطينية للمسلحين
  • خلاصة
  • ملحق
  • هوامش الفصل السابع

    يتضمن الجزء المترجم للعربية من هذا التقرير , الملخص والتوصيات والفصل الرابع والفصل السابع مع هوامش كل منهما "حيث تعتبر مكملة لهما" و هذه الاجزاء مقسمة على النحو الوارد اعلاه

    اقرأ ايضا
  • مركز العاصفة:
    دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
  • الأمم المتحدة: تقرير "معيب" عن الأحداث في جنين
  • لا بد من التحقيق في جرائم الحرب في جنين

  • الفصل الرابع
    المعايير القانونية


    في أي نزاع مسلح لا يكون حق الأطراف في اختيار طرق الحرب وأساليبها مطلقا غير مقيد، بل تخضع هذه الاختيارات لتنظيم صارم تفرضه الأعراف والنصوص القانونية المتعلقة بالنزاع المسلح، والتي نشير إليها هنا بالقانون الإنساني الدولي،1 الذي ينظم أيضا حالات الاحتلال العسكري الكامل أو الجزئي، كما في حالة الأراضي الفلسطينية. وفي ظل هذه الخلفية، فإن بعض حلقات العنف التي تصل إلى مستوى النزاع المسلح تصبح محكومة بالمبادئ العامة لقوانين الحرب. وتشكل بعض قواعد القانون الإنساني الدولي جزءا من القانون العرفي الدولي، وتعد ملزمة لجميع الدول والأطراف غير الدول - والمقصود بها هنا الجماعات الفلسطينية المسلحة.2

    وقد تم تقنين الكثير من قواعد القانون الإنساني الدولي في المعاهدات الدولية مثل اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين الملحقين بها. وقد حازت اتفاقيات جنيف قبولا واسع النطاق باعتبارها معايير مرجعية لسلوك الأطراف في حالات النزاع المسلح، وتمت المصادقة عليها من جانب أكثر من 190 دولة.3 وتم التفاوض على البروتوكولين الإضافيين الصادرين عام 1977 كملحقين لاتفاقيات جنيف في مؤتمر دبلوماسي حضره ممثلون عن الجماعات المسلحة غير الدول وهي الجماعات التي تناضل من أجل حق تقرير المصير الوطني، ومنها منظمة التحرير الفلسطينية.4 وكثير من هذه النصوص معترف بها في إطار القانون العرفي الدولي.

    التزامات السلطة الفلسطينية والجماعات الفلسطينية المسلحة

    تتميز قواعد القانون الإنساني الدولي والالتزامات المترتبة عليه بأنها أوضح ما تكون عندما تطبق على النزاع بين دولتين ذواتي سيادة. وقد تختلف مسؤوليات الجهات غير الدول عن مسؤوليات الدول ذات السيادة، لكن الجهات غير الدول أيضا عليها مسؤوليات واضحة بموجب القانون الإنساني الدولي. وتنطبق الكثير من القواعد العرفية في القانون الإنساني الدولي على كافة أطراف النزاع، ومنها الجهات غير الدول، بشرط أن تكون المواجهة قد بلغت درجة من الحدة تجعلها تتجاوز حدود القلاقل.5
    وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة، فإن عليها التزامات أمنية وقانونية صريحة منصوص عليها في "اتفاقات أوسلو"، وهو المصطلح الجامع لسلسلة من الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية فيما بين عامي 1993 و1996. وقد وردت التزامات السلطة الفلسطينية بالحفاظ على الأمن والنظام العام في المواد من الثانية عشر إلى الخامسة عشر في الاتفاق المؤقت المبرم عام 1995 بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة.6 ويأتي تفصيل هذه المسؤوليات بمزيد من الوضوح في الملحق الأول بالاتفاق المؤقت، الذي ينص على أن السلطة الفلسطينية عليها أن تقدم للعدالة المتهمين بارتكاب هجمات على المدنيين الإسرائيليين. وطبقا للمادة 3(ج) من الملحق، فعلى السلطة الفلسطينية أن "تلقي القبض على المرتكبين وكل الأفراد الآخرين الضالعين بشكل مباشر أو غير مباشر في أعمال الإرهاب والعنف والتحريض، وعليها أن تحقق معهم وتحرك الدعوى القضائية ضدهم".7

    كما أن زعماء السلطة الفلسطينية ومنهم الرئيس عرفات تعهدوا مرارا في لقاءاتهم بمنظمات حقوق الإنسان الدولية وفي المقابلات الإذاعية، بالإضافة إلى اتفاقات أوسلو، بأن السلطة الفلسطينية تعتزم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليا.8 وفي مواقف الصدامات التي تبلغ حد النزاع المسلح ينبغي على قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وغيرها من الفصائل المنظمة التي تشترك في الأعمال المسلحة أن تلتزم بالمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي. وعليها أن تلتزم أيضا بضمان احترام هذه المبادئ من جانب الجماعات المسلحة التي تنطلق من أراض تقع تحت سيطرتها الفعلية.

    ويلاحظ أن السلطة الفلسطينية قائمة بصفة مستقلة عن منظمة التحرير الفلسطينية. وفيما بين عامي 1974 و1977 كانت منظمة التحرير الفلسطينية واحدة من عدة حركات للتحرر الوطني "التي تعترف بها المنظمات الحكومية الإقليمية" والتي اشتركت في المفاوضات الدبلوماسية حول نصوص البروتوكولين الإضافيين الملحقين باتفاقيات جنيف.9 وبموجب المادة 96 من البروتوكول الأول، يجوز للجهات غير الدول أن تتعهد في ظروف معينة ومحددة بأن تطبق الاتفاقيات والبروتوكول إذا أعلنت للحكومة السويسرية عن استعدادها للقيام بذلك. وجدير بالذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تصدر أي إعلان في إطار المادة 96، وأن إسرائيل ليست طرفا في البروتوكول الأول. ونتيجة لذلك فإن البروتوكول الأول لا ينطبق على الصدامات الحالية، عدا نصوص البروتوكول الأول التي تدخل في نطاق القانون العرفي الدولي.

    وقد كتبت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الإدارة الفيدرالية السويسرية للشؤون الخارجية في يونيو/حزيران 1989 تخطرها بأنها نظرا لكونها "مكلفة بمهام حكومة دولة فلسطين بقرار المجلس الوطني الفلسطيني" فقد قررت في الرابع من مايو/أيار 1989 أن تلتزم باتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين الملحقين بها.10 ونظرا "لعد تيقن المجتمع الدولي من مسألة وجود دولة فلسطين أو عدم وجودها"، فقد أخطرت الحكومة السويسرية الدول بأنها لا تستطيع أن تقرر ما إذا كان خطاب منظمة التحرير الفلسطينية يمثل صكا سليما يعتد به للانضمام إلى الاتفاقيات. ونتيجة لهذا لإعلان الذي جاء من طرف واحد، فقد تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل التي تتكون منها بما يعد - على أقل تقدير - التزاما معنويا قويا بتأييد أهم المعايير الأساسية المتضمنة في اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول.
    ويلاحظ أن السلطة الفلسطينية قائمة بصفة مستقلة عن منظمة التحرير الفلسطينية. وفيما بين عامي 1974 و1977 كانت منظمة التحرير الفلسطينية واحدة من عدة حركات للتحرر الوطني "التي تعترف بها المنظمات الحكومية الإقليمية" والتي اشتركت في المفاوضات الدبلوماسية حول نصوص البروتوكولين الإضافيين الملحقين باتفاقيات جنيف.9 وبموجب المادة 96 من البروتوكول الأول، يجوز للجهات غير الدول أن تتعهد في ظروف معينة ومحددة بأن تطبق الاتفاقيات والبروتوكول إذا أعلنت للحكومة السويسرية عن استعدادها للقيام بذلك. وجدير بالذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تصدر أي إعلان في إطار المادة 96، وأن إسرائيل ليست طرفا في البروتوكول الأول. ونتيجة لذلك فإن البروتوكول الأول لا ينطبق على الصدامات الحالية، عدا نصوص البروتوكول الأول التي تدخل في نطاق القانون العرفي الدولي.

    الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية

    إن نطاق الهجمات الموجهة ضد المدنيين وطبيعتها المنهجية كما يتناولها هذا الفصل تتفق مع تعريف الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية. فقد أعلنت حماس والجهاد الإسلامي مسؤوليتهما عن هجمات بالتفجيرات الانتحارية على المدنيين منذ عام 1994، ومن الواضح أن هذه الهجمات تمثل سياسة تنتهجها هاتان المنظمتان على أعلى المستويات. ومنذ يناير/كانون الثاني 2002، أعلنت كتائب شهداء الأقصى والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أيضا مسؤوليتهما عن تنظيم مثل هذه الهجمات وتنفيذها.

    ويشير مفهوم "الجرائم ضد الإنسانية" إلى أعمال تروع ضمير الإنسانية بسبب مداها أو طبيعتها. وقد قننت الجرائم ضد الإنسانية لأول مرة في ميثاق محاكمات نورمبرغ عام 1945، ومنذ ذلك الحين أدرج المفهوم في عدد من المعاهدات الدولية، منها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بروما. وعلى الرغم من أن تعريفات الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تختلف قليلا من اتفاقية إلى أخرى، فإن جميع التعريفات تنص على أن قتل المدنيين بصورة متعمدة أو واسعة النطاق أو منهجية على يد منظمة أو حكومة يعتبر جريمة ضد الإنسانية.11 وعلى العكس من جرائم الحرب، فإن الجرائم ضد الإنسانية يمكن أن ترتكب في أوقات السلم، أو في فترات القلاقل التي لا تصل إلى مستوى النزاع المسلح.

    وأحدث تعريف للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هو التعريف المتضمن في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من يوليو/تموز 2002. إذ يعرف النظام الأساسي الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية بأنها "اشتراك في هجوم واسع النطاق أو منهجي على السكان المدنيين والعلم به"، وبأنه "الارتكاب المتكرر [لهذه الأفعال] ... ضد مجموعة من السكان المدنيين، عملا بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم أو تعزيزا لهذه السياسة". وتُعرِّف مقدمة النظام الأساسي "سياسة ارتكاب مثل هذا الهجوم" بأنها تعني أن الدولة أو المنظمة عززت أو شجعت فعلا هذه الهجمات على السكان المدنيين. وتتطلب أركان "جريمة القتل ضد الإنسانية" (1) "أن يكون المرتكب قد قتل شخصا أو أكثر"، (2) وأن يكون السلوك قد "ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين"، (3) و"أن يعرف المرتكب أو يقصد أن يكون السلوك في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين".12

    إن من يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، مثل جرائم الحرب، يعتبرون مسؤولين مسؤولية جنائية فردية عن أفعالهم. وتندرج الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية تحت طائلة الولاية القضائية العالمية، ولا يجوز فيها الدفع بأنها ارتكبت تنفيذا لأوامر عليا، ولا يستفيد مرتكبوها من إمكانية سقوط الدعوى بالتقادم. وقد عزز الفقه القضائي الدولي وعملية وضع المعايير الدولية على مدى السنوات العشر الماضية من الرأي القائل بأن أولئك المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان لا يجب منحهم أي عفو.13 وكما في حالة جرائم الحرب، تعد كل الدول مسؤولة عن تقديم مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية إلى العدالة.

    ومن الواضح أن نمط الهجمات بالتفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين الذي ظهر في عام 2001 واشتد في أثناء عام 2002 يتفق مع معايير الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية.

    جرائم الحرب: تحريم استهداف المدنيين

    من القواعد الأساسية في القانون الإنساني الدولي أن المدنيين يجب أن يتمتعوا بالحماية العامة من الخطر الناجم عن العمليات العسكرية. وتعد قاعدة الحصانة المدنية من "أقدم المسلمات الأساسية" في القانون العرفي الدولي، الأمر الذي يعني أنها ملزمة لكافة أطراف النزاع، بغض النظر عما إذا كان النزاع ذا طبيعة دولية أو غير دولية.14 كما أن أطراف النزاع غير الدولة ملتزمة أيضا باحترام معايير القانون العرفي الدولي. وفي جميع الأوقات يحرم توجيه أي هجمات ضد المدنيين، بل إن مهاجمة المدنيين عمدا مع العلم بوضعهم المدني يعتبر جريمة من جرائم الحرب. ولذلك فمن الواجب بالضرورة على المهاجم أن يحدد ويميز بين المقاتلين وغير المقاتلين في كل موقف من المواقف.

    وبالإضافة إلى كون مبدأ الحصانة المدنية قانونا عرفيا ثابتا، فقد تم تقنين ذلك المبدأ في العديد من المعاهدات. ومن أوضح النماذج المعبرة عن هذا المبدأ ما ورد في المادة 51(2) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والذي ينص على ما يلي:

    لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم. وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلي بث الذعر بين السكان المدنيين.15

    ومن الواضح أن استهداف المدنيين عمدا عن طريق التفجيرات الانتحارية ينتهك هذه القاعدة الجوهرية في قوانين الحرب. ويلاحظ أن تحريم استهداف المدنيين يسري على كل الظروف، ومنها الظروف التي يقوم فيها طرف من الأطراف بهذه الهجمات انتقاما من هجمات وقعت على المدنيين المنتمين له (كما سيأتي فيما يلي).16
    إن مبدأ التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية مكفول في المادة 48 من البروتوكول الأول:
    تعمل أطراف النزاع علي التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية.17
    وتعرَّف الأهداف العسكرية بأنها "تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أو بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها"18، وفي ظل القانون الإنساني الدولي تعتبر الهجمات غير الموجهة إلى الأهداف العسكرية، أو التي لا يمكن توجيهها إلى أهداف عسكرية نتيجة لأسلوب الهجوم، هجمات "عشوائية"، وتعد محرمة في ظل البروتوكول الأول وتمثل جريمة من جرائم الحرب في ظل هذه الاتفاقية.19 وتعتبر نصوص البروتوكول التي تحرم الحرب العشوائية من معايير القانون العرفي الدولي، وتعتبر ملزمة لكل أطراف النزاع بصرف النظر عما إذا كان نزاعا مسلحا دوليا أو داخليا.20 أي أنها ملزمة لكل الأطراف في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، حتى ولو كانت إسرائيل لم تصادق على البروتوكول الأول.

    القتل العمد وأعمال القتل المتعمدة

    في جميع مواقف النزاع المسلح يمثل قتل المدنيين عمدا جريمة من جرائم الحرب، وتحرم المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949 "الاعتداء علي الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،" في حالة ارتكابها ضد الأشخاص "الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية". وكما لاحظنا من قبل، فقد صادقت إسرائيل على اتفاقيات جنيف الصادرة عام 1949. ويعتبر الالتزام المتضمن في المادة الثالثة المشتركة التزاما مطلقا، إذ إنه ينطبق بصرف النظر عما إذا كان طرف النزاع دولة أو غير ذلك.21 وجدير بالذكر أن هناك اتجاها متصاعدا نحو اعتبار الانتهاكات الخطيرة للمادة الثالثة المشتركة بمنزلة جرائم حرب، وقد تم تعريف هذه الانتهاكات بأنها جرائم حرب في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والمحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا.22

    ويعتبر القتل العمد، أي التسبب عمدا في وفاة المدنيين، و"تعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة" في حالة جرح الضحايا، جريمة من جرائم الحرب.23 ويعتبر الأشخاص الذين يرتكبون جرائم الحرب أو يأمرون بها أو يتغاضون عنها مسؤولين بصفة فردية في ظل القانون الإنساني الدولي عن جرائمهم.

    التبريرات التي تسوقها الجماعات الفلسطينية المسلحة

    كثيرا ما يعترف ممثلو الجماعات الفلسطينية المسلحة بأنهم مدركون أن الهجمات الانتحارية على المدنيين تمثل خرقا للمعايير الأساسية للقانون الإنساني الدولي، لكنهم كثيرا ما يطرحون حججا عديدة في محاولة لتبرير الهجمات الانتحارية. وأول هذه الحجج أن هذه الهجمات لا تستهدف المدنيين. والثانية أن القانون الإنساني الدولي لا ينظم مسلك الجماعات الفلسطينية المسلحة. والثالثة أن المستهدفين من هجمات التفجيرات الانتحارية ليسوا مستحقين للوضع المدني إلى حد ما. والرابعة أن هجمات التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين مشروعة لأنه لا توجد وسيلة أخرى لتعويض عدم التوازن في الوسائل المتاحة لدى الجماعات الفلسطينية في مقابل قوات الأمن الإسرائيلية. ولكن كل هذه الحجج باطلة.

    فعلى الرغم من وجود دلائل قوية تثبت العكس، فإن أعضاء الجماعات الفلسطينية المسلحة كثيرا ما ينكرون أن عملياتها تستهدف المدنيين. فعندما أجريت مقابلة مع أحد الأعضاء المؤسسين لكتائب شهداء الأقصى، وهو محمود التيتي، في 8 مارس/آذار 2002 بخصوص حادث إطلاق النار في أحد مطاعم تل أبيب قبل المقابلة بثلاثة أيام، قال - دون اقتناع كبير على ما يبدو - إنه كان قد أعطى تعليمات لمرتكب الحادث باستهداف الجنود أو الشرطة، وقال "أعتقد أنه رأى جنودا أو حراسا بجانب المطعم، أو لعله لم ير جنودا أو شرطة فهاجم أقرب هدف إليه".24 وقبيل اغتياله يوم 22 مايو/أيار 2002، حاول التيتي علنا أن ينأى بنفسه عن سلسلة الهجمات التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى ضد المدنيين، عندما قال "أريد أن أقاتل أي شخص مسؤول عن الحكم في إسرائيل، لا المدنيين. إننا نرسل الرسالة الخاطئة للعالم".25
    ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2000، نفذت حماس 17 هجمة انتحارية على المدنيين، أي أكثر من أي جماعة أخرى. وفي حديث نشر على الإنترنت، سئل صلاح شحادة زعيم الجناح العسكري في حماس السؤال التالي: "هناك مزاعم ضد حماس تقول إنها تستهدف المدنيين خلال العمليات الاستشهادية. فما قولك في ذلك؟" فأجاب شحادة إجابة اعترف فيها ضمنا بأن بعض فئات المدنيين كانت مستهدفة فعلا: موقفنا هو عدم استهداف الأطفال أو كبار السن أو دور العبادة، على الرغم من أنها تحرض على قتل المسلمين. وحتى الآن لم نستهدف المدارس ولا المستشفيات على الرغم من أنها هدف سهل؛ لأننا نعمل وفقا لمبادئ معينة... إننا لا نحارب اليهود لأنهم يهود، ولكن لأنهم يحتلون أرضنا. لذلك إذا قتل أطفال، فهذا ليس في أيدينا.26

    الحروب ضد الاحتلال الأجنبي أو لممارسة حق تقرير المصير

    تزعم الجماعات الفلسطينية والناطقون باسم الفلسطينيين أن ممارسة استهداف المدنيين معفية إلى حد ما من الإدانة التي توجه إلى جرائم الحرب أو الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية نظرا للطبيعة الاستثنائية لكفاحهم من أجل "التحرر الوطني". ومن الأمثلة المعبرة بدقة عن هذا الرأي تصريح حسن سلامة، عضو حركة حماس بمدينة غزة والمسجون الآن مدى الحياة بسبب دوره في التفجيرات الانتحارية التي تمت في عام 1996، الذي قال فيه "إنني لست قاتلاً... وحتى لو قتل المدنيون فليس ذلك لأننا نريد قتلهم أو لأننا متعطشون للدماء. إنها حقيقة واقعة في كفاح أي شعب ضد المحتل الأجنبي. العمليات الاستشهادية هي أعلى مستويات الجهاد وتعبر عن عمق إيماننا".27

    لكن المادة 1(4) من البروتوكول الإضافي الأول التي قصد منها صراحة أن تغطي حروب التحرر الوطني تنص على أن البروتوكول وكل مبادئه ونصوصه تغطي "المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية. وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير".28 وكما ذكرنا فيما تقدم فإن منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل المعترف به للشعب الفلسطيني، كانت قد شاركت في التفاوض على البروتوكول الإضافي الأول فيما بين عامي 1974 و1977، وأن إسرائيل لم تصادق على البروتوكول الأول، وأن هذا النص على وجه التحديد لا يعتبر من نصوص القانون الدولي العرفي. ولكن نظراً لاتساع حجم المصادقة على البروتوكول الأول، فإن المادة 1(4) تمثل اتجاها هاما نحو التأكيد على أن القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني تنطبق حتى على حروب التحرر الوطني.29

    وتحرم لغة البروتوكول الأول صراحة الهجمات الموجهة ضد المدنيين كما ناقشنا فيما تقدم. إذ تنص المادة 51(2) من البروتوكول الإضافي الأول بما لا يدع مجالاً للبس على أنه "لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم. وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلي بث الذعر بين السكان المدنيين".30