Israel, the Occupied West Bank, and Gaza Strip, and Palestinian Authority Territories


اسرائيل والسلطة الفلسطينية Israel,  and Palestinian Authority
  
لحظة واحدة تمحو كل شيء:
التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين

محتويات التقرير :-
  • ملخص
  • التوصيات
    الفصل الرابع
  • المعايير القانونية
  • الانتقام وأعمال الردع
  • هوامش الفصل الرابع
    الفصل السابع
  • دور السلطة الفلسطينية
  • مدفوعات السلطة الفلسطينية للمسلحين
  • خلاصة
  • ملحق
  • هوامش الفصل السابع

    يتضمن الجزء المترجم للعربية من هذا التقرير , الملخص والتوصيات والفصل الرابع والفصل السابع مع هوامش كل منهما "حيث تعتبر مكملة لهما" و هذه الاجزاء مقسمة على النحو الوارد اعلاه
    البيان الصحفي
    منفذو عمليات التفجير الانتحارية يقترفون جرائم ضد الإنسانية
    اقرأ ايضا
  • مركز العاصفة:
    دراسة حالة لانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الخليل
  • الأمم المتحدة: تقرير "معيب" عن الأحداث في جنين
  • لا بد من التحقيق في جرائم الحرب في جنين
  • 1. ملخص


    قتل أكثر من 415 من المدنيين الإسرائيليين وغيرهم، وأصيب أكثر من ألفين آخرين، نتيجة للاعتداءات التي قام بها فلسطينيون مسلحون فيما بين 30 سبتمبر/أيلول 2000 و31 أغسطس/آب 2002. ونجمت معظم هذه الوفيات والإصابات عن ما يسمى بالتفجيرات الانتحارية التي نفذها فلسطينيون. وفي العادة كان المفجرون، الذي ضحوا بأرواحهم في هذه العملية، يحاولون تفجير عبواتهم الناسفة في الأماكن التي يتجمع فيه المدنيون، كالمطاعم وأماكن الترفيه - أي الأهداف "السهلة" التي يتوقع أن تتسبب في أكبر عدد من الإصابات والخسائر في الأرواح. ومن المعتاد أيضاً أن يقوم المفجرون بحشو العبوات الناسفة بالمسامير والقطع المعدنية لزيادة تأثيرها المميت. وإلى جانب أعداد القتلى والجرحى أدت التفجيرات إلى بث الخوف على نطاق واسع بين السكان المدنيين - وهو أمر مقصود من القيام بهذه التفجيرات.

    وكانت منظمة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهما جماعتان فلسطينيتان إسلاميتان، قد قامتا فيما سبق بتفجيرات انتحارية ضد أهداف إسرائيلية في منتصف التسعينيات في إطار معارضتهما لاتفاقات أوسلو، وأحياناً في إطار معارضتهما للسلطة الفلسطينية. وفي ذلك الوقت انقضت السلطة الفلسطينية عليهما وألقت القبض على حوالي 1200 من القياديين والناشطين بالتنظيمين فتوقفت التفجيرات. وظل بعض المحتجزين رهن الاعتقال لفترات طويلة بدون اتهام أو محاكمة. وفي أعقاب اندلاع الانتفاضة الحالية - التي تعرف على نطاق واسع باسم انتفاضة الأقصى - في سبتمبر/أيلول 2000 سارعت السلطة الفلسطينية إلى إطلاق سراح بقية المعتقلين. وفي غضون عدة أشهر، وبعد تصاعد سريع للعنف من كلا الجانبين لجأت حماس مرة أخرى إلى التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين عندما فجر انتحاري نفسه في الأول من يناير/كانون الثاني 2001 في محطة حافلات مزدحمة في مدينة نتانيا، مما أدى إلى جرح ما لا يقل عن 20 مدنياً. واستأنفت حركة الجهاد الإسلامي الهجمات الانتحارية ضد المدنيين عقب ذلك بفترة قصيرة.

    وطوال عام 2001 كانت هناك موجة من هذه الاعتداءات التي بلغت ذروتها في مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول. فحملت إسرائيل الرئيس ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية المسؤولية عنها لتقاعسها عن كبح جماح الجماعات الإسلامية. وفي يونيو/حزيران، ثم في ديسمبر/كانون الأول 2001، واستجابة للضغوط الدولية المتصاعدة، توصلت السلطة الفلسطينية إلى إيقاف التفجيرات الانتحارية (وإن لم يكن الاعتداءات كلها) ضد المدنيين؛ فظلت هذه متوقفة لنحو ستة أسابيع من مطلع يونيو/حزيران، وعلى مدى حوالي أربعة أسابيع من منتصف ديسمبر/كانون الأول. وفي 14 يناير/كانون الثاني 2002 قتلت القوات الإسرائيلية أحد زعماء كتائب شهداء الأقصى المحليين في الضفة الغربية، وهو التنظيم الذي كان قد تشكل في بداية المصادمات الحالية ويرتبط بمنظمة فتح التي يترأسها عرفات. فقامت كتائب شهداء الأقصى بتنفيذ أول عملية تفجير انتحاري لها بعد ذلك بأسبوعين - وكانت هذه هي أول عملية تقوم بها امرأة. وأدى التفجير إلى قتل مدني واحد وإصابة 100 آخرين. كما قامت منظمة رابعة، هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بتنفيذ تفجيرات انتحارية في عام 2002.
    وشن كل من هذه الجماعات الأربع هجمات متكررة على المدنيين؛ ويلاحظ أن مدى هذه الهجمات وطبيعتها المنهجية خلال عامي 2001 و2002 يتفق مع تعريف الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وأنها في إطار الصراع المسلح الدائر حالياً تعد أيضاً جرائم حرب؛ ومن ثم فإن منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" تدين هذه الفظائع دون أي تحفظ.
    وتُعدُّ ثلاث من هذه الجماعات الأربع مناوئة لعرفات والسلطة الفلسطينية، وهي: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أما الجماعة الرابعة، وهي كتائب شهداء الأقصى، فتعلن عن تأييدها لعرفات والسلطة الفلسطينية؛ ولذلك كان حتماً أن تثير الهجمات التي تنفذها كتائب شهداء الأقصى أكثر التساؤلات، مع اشتداد التكهنات حول ما إذا كانت تتم بموافقة عرفات أو بأمر منه؛ وهذه إحدى المسائل التي يفحصها هذا التقرير.
    وحيث أن السلطة الفلسطينية ليست دولة، فإنها ليست طرفاً في المعاهدات الرئيسية الخاصة بالقانون الإنسان الدولي، لكنها أشارت في مناسبات عديدة إلى استعدادها للالتزام بهذه المعايير. ويقضي القانون الإنسان الدولي، من خلال المبدأ الراسخ بشأن المسؤولية القيادية، بعدم إفلات من هم في موقع السلطة من المحاسبة عن جرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها أي شخص تحت إمرتهم، في حالة توجيههم الأمر لمرؤوسيهم بارتكاب مثل هذه الجرائم، أو تقاعسهم عن اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة، أو عن معاقبة الجناة. ويتصل هذا المبدأ على وجه الخصوص بمن في التسلسل القيادي العسكري، ولكنه يمتد أيضاً إلى القادة السياسيين وغيرهم بقدر ما يتمتعون به من "المسؤولية والسيطرة الفعليتين" على الأطراف الفاعلة المعنية.1 ويبدو أن قادة حماس والجهاد الإسلامي على وجه التحديد مجرمون جنائيون بمقتضى هذا المبدأ، فالكثيرون منهم قد تبنوا الهجمات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين أو شجعوا عليها أو أيدوها صراحة، ويبدو أن لديهم القدرة على إحداث التفجيرات أو إيقافها حسب إرادتهم. ويبدو أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات السيارات المفخخة إلى جانب العديد من التفجيرات الانتحارية التي استهدفت المدنيين، تتمتع بقدر مماثل من التماسك الداخلي والسلطة المركزية مما يجعل قيادتها مسؤولة جنائياً هي الأخرى.

    وقد سعت منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" على وجه الخصوص إلى الحصول على معلومات تسمح لها بتقييم دور السلطة الفلسطينية ومسؤوليتها، باعتبارها الكيان المكلف بالحفاظ على الأمن في مناطق مختارة من الضفة الغربية وقطاع غزة. والخلاصة التي انتهينا إليها، على أساس المعلومات العلنية المتاحة، هي أن هناك خطوات هامة كان بمقدور عرفات والسلطة الفلسطينية، بل ومن واجبهما، اتخاذها لمنع أو درء التفجيرات الانتحارية الموجهة ضد المدنيين؛ وعدم اتخاذ هذه الخطوات يوحي بدرجة كبيرة من المسؤولية عما حدث. وقد استفاد بعض الأفراد الأعضاء في كتائب شهداء الأقصى من المبالغ التي وافق عليها عرفات شخصياً في الوقت الذي كان يعرف فيه، أو كان ينبغي أن يعرف، أن هؤلاء الأفراد زُعم أنهم ضالعون في التخطيط للاعتداءات على المدنيين أو في تنفيذها.
    وتُعدُّ ثلاث من هذه الجماعات الأربع مناوئة لعرفات والسلطة الفلسطينية، وهي: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أما الجماعة الرابعة، وهي كتائب شهداء الأقصى، فتعلن عن تأييدها لعرفات والسلطة الفلسطينية؛ ولذلك كان حتماً أن تثير الهجمات التي تنفذها كتائب شهداء الأقصى أكثر التساؤلات، مع اشتداد التكهنات حول ما إذا كانت تتم بموافقة عرفات أو بأمر منه؛ وهذه إحدى المسائل التي يفحصها هذا التقرير.

    أما أكبر فشل للرئيس عرفات وقيادة السلطة الفلسطينية - وهو فشل يتحملون عنه مسؤولية كبيرة - فهو عدم استعدادهم لتطبيق نظام العدالة الجنائية بحزم لإيقاف التفجيرات الانتحارية، خصوصاً في عام 2001، عندما كانت السلطة الفلسطينية قادرة أكثر من أي وقت آخر على ذلك. كما لم يتخذ الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية أي إجراءات قوية لضمان ألا يصبح الجو السياسي شديد الاستقطاب مبرراً لهذه الاعتداءات. وثمة إجراءات إسرائيلية معينة، مثل تدمير منشآت الشرطة والأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، أدت تدريجياً إلى تقويض قدرة السلطة الفلسطينية على التحرك. ولكن حتى عندما كانت قدرتها على الفعل سليمة، فلم يتخذ عرفات والسلطة الفلسطينية أي إجراء فعال لمحاكمة أعضاء حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكتائب شهداء الأقصى المسؤولين عن التحريض على التفجيرات وغيرها من الاعتداءات على المدنيين الإسرائيليين أو تخطيطها أو المساعدة فيها أو تنفيذها. وبدلاً من ذلك انتهج عرفات والسلطة الفلسطينية سياسة جعلت المشتبه فيهم لا يتم التحقيق معهم أو مقاضاتهم عند اعتقالهم، ولكنهم عادة ما كان يطلق سراحهم سريعاً ليعودوا للشارع مرة أخرى. بل يبدو أن قيادة السلطة الفلسطينية تتعامل مع واجبها في مقاضاة القتلة وكأنه أمر قابل للتفاوض ومتوقف على امتثال إسرائيل لتعهداتها بموجب اتفاقات أوسلو، وليس باعتباره التزاماً غير مشروط.
    وقد سعت السلطة الفلسطينية إلى تفسير إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص بالإشارة إلى الخطر الذي يحدق بالمعتقلين بسبب قيام القوات الإسرائيلية بقصف منشآت الاعتقال. لكن السلطة الفلسطينية لم توضح لماذا لم يتم قط التحقيق مع المشتبه فيهم أو توجيه تهم إليهم أو محاكمتهم - وهي الخطوات التي كان بالإمكان اتخاذها دون تعريض السلامة البدنية للمشتبه فيهم لأي خطر ذي بال. وبالإضافة إلى هذا، فلئن كان عرفات قد أدان مراراً وعلناً التفجيرات الانتحارية وغيرها من الاعتداءات على المدنيين الإسرائيليين، فإنه لم يكد يفعل شيئاً على الإطلاق لمواجهة أو تصحيح الصورة الإيجابية التي يحظى بها منفذو التفجيرات في المجتمع الفلسطيني حيث يُعتبرون في عداد "الشهداء"؛ بل إن العديد من مسؤولي السلطة الفلسطينية أشادوا بالاعتداءات على المدنيين؛ وهنا أيضاً كان بالإمكان اتخاذ خطوات لنزع المشروعية عن الهجمات الموجهة ضد المدنيين على الرغم من قيام إسرائيل بتقويض الجهاز الأمني والإداري التابع للسلطة الفلسطينية. وأخيراً لم يتخذ عرفات والسلطة الفلسطينية الخطوات الإدارية المتاحة لضمان عدم صرف حوافز مالية لتنفيذ الهجمات على المدنيين؛ ففي بعض الحالات سمح الرئيس عرفات بصرف مبالغ مالية متواضعة لأناس كان يعرف، أو ينبغي أن يعرف، أنهم اعتدوا على المدنيين. والأكثر من ذلك شيوعاً أن الرئيس عرفات والسلطة الفلسطينية لم يتخذا الخطوات الكافية، باعتبارهما السلطة القائمة في المنطقة، لمنع تقديم المبالغ الخاصة من السلطة الفلسطينية أو غيرها إلى هؤلاء المرتكبين وأسرهم. وأدى هذا التقاعس إلى تعزيز مناخ يسمح للجماعات الفلسطينية المسلحة بأن تعتقد أن بمقدورها الاعتداء على المدنيين دون أن يمسها أي عقاب.

    وعلى أساس ما كان متاحاً من معلومات علنية في نهاية سبتمبر/أيلول 2000، لم تجد منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" دليلاً على أن عرفات والسلطة الفلسطينية خططوا للتفجيرات الانتحارية أو غيرها من الاعتداءات على المدنيين الإسرائيليين، أو أمروا بها أو قاموا بتنفيذها. وعلى الرغم من الصلات التي تربط بين منظمة فتح التي يتزعمها الرئيس عرفات وكتائب شهداء الأقصى، فلم نجد دليلاً على أن كتائب شهداء الأقصى، في تخطيطها أو تنفيذها للتفجيرات الانتحارية أو غيرها من الاعتداءات على المدنيين، تلقت أوامر من عرفات أو من غيره من كبار قيادات فتح أو السلطة الفلسطينية أو سعت للحصول على موافقتهم. بل يبدون أن كتائب شهداء الأقصى تعمل بقدر كبير من حرية التصرف والتقدير على المستوى المحلي وأنها لا تحتفظ إلا بعلاقة واهية مع عرفات وكبار قيادات فتح؛ وهذه العلاقة لا تستوفي المعايير المطلوبة لإثبات أن عرفات وكبار مسؤولي السلطة الفلسطينية يتحملون مسؤولية قيادية - أي تقع عليهم مسؤولية جنائية - عن الهجمات التي تنفذها كتائب شهداء الأقصى ضد المدنيين. وبالمثل فإن عدم ممارسة السلطة الفلسطينية الصلاحيات الإدارية والصلاحيات الخاصة بالعدالة الجنائية لكبح جماع العناصر المستقلة لا يثبت المسؤولية القيادية في ظل الوضع الحالي للقانون الدولي. لكن انتفاء المسؤولية القيادية لا يقلل بأي حال من الأحوال من المسؤولية السياسية الكبيرة التي يتحملها عرفات والسلطة الفلسطينية عن قتل المدنيين بصورة متعمدة ومتكررة.

    وقد سعت الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى تبرير التفجيرات الانتحارية على المدنيين بالإشارة إلى الإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين في أثناء الاشتباكات الحالية، إلى جانب استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجزء كبير من قطاع غزة. إلا أن هذه الأعذار لا يعتد بها مطلقاً، فالقانون الإنساني الدولي لا يدع مجالاً للشك على الإطلاق في أن الاعتداءات التي تستهدف المدنيين تمثل جرائم حرب عندما ترتكب في حالات الصراع المسلح، وأنها تتجاوز الحد الفاصل بين جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية عندما تتم بصورة منهجية، سواء في وقت السلم أو الحرب. وكما يشير المصطلح الأخير، فإن هذه الجرائم من أسوأ الجرائم التي يمكن ارتكابها على الإطلاق، وتندرج ضمن الجرائم المشمولة بالولاية القضائية العالمية التي يعتبر المجتمع الدولي بأسره ملزماً بمعاقبة مرتكبيها ومنعها.

    ويحرم القانون الإنساني الدولي الذي يحكم حالات الصراع المسلح حتى الاعتداءات على المدنيين التي يقال إنها وقعت انتقاماً من الاعتداء على السكان المدنيين. ويرد هذا المبدأ في كل من اتفاقية جنيف الرابعة وفي البروتوكول الإضافي الأول الملحق بها. بل حتى بصرف النظر عن هذه المعاهدات، فقد ظهر اتجاه قوي في القانون العرفي الدولي على مدى العقدين الماضيين لتحريم الانتقام من المدنيين. ولا يتوقف حظر الأعمال الانتقامية على الامتثال المتبادل من جانب القوى المتخاصمة؛ فحتى في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي، فإن الجماعات الفلسطينية المسلحة من واجبها الامتناع عن الأعمال الانتقامية ضد المدنيين.

    كما تذهب الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى القول بأنها تخوض "حرب تحرير" ضد الاحتلال الإسرائيلي المتواصل، ومن ثم فإنها في حل نوعاً ما من الالتزام باحترام القانون الإنساني الدولي؛ لكن هذا الزعم بالإعفاء من الالتزام باطل هو الآخر، فالبروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، الذي تحكم بنوده حروب تقرير المصير الوطني، ينص على أنه "لا يجوز أنا يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلاً للهجوم"، وينص على حظر "أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين". أي أن المعاهدة الأولى التي تعترف بالحرب من أجل التحرر الوطني تعيد التأكيد أيضاً على تحريم الاعتداء على المدنيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المبادئ الجوهرية لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها هي جزء من القانون العرفي الدولي، الأمر الذي يشير إلى أنها حققت أعلى درجة من اتفاق الآراء على المستوى الدولي بصرف النظر عمن صادق على المعاهدة. ومن هذه المبادئ المبدأ الذي يطالب القوات المهاجمة بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ومبدأ منح المدنيين الحصانة من الاعتداء المتعمد، وتحريم استهداف المدنيين. وتعد كل أطراف الصراع ملزمة بدون قيد أو شرط باحترام هذه المبادئ.

    وأخيراً فإن الجماعات الفلسطينية تقول إن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية ليسوا مدنيين بسبب وجودهم في أرض محتلة، وإنه نظراً لكون الكثيرين من الإسرائيليين البالغين أعضاء في الاحتياط العسكري فإنهم أيضاً يُعَدُّون أهدافاً عسكرية مشروعة. وهذه المزاعم أيضاً تتعارض مع القانون الإنساني الدولي؛ فعلى الرغم من أن سياسة إسرائيل في إبقاء وتوسيع المستوطنات المدنية في الضفة الغربية وقطاع غزة غير مشروعة في ظل القانون الإنساني الدولي، فإن الشخص المقيم في مستوطنة غير مشروعة يظل مدنياً ما لم يشارك مباشرة في الأعمال القتالية. وباستثناء ظروف الاشتراك المباشر في الصراع المسلح، فإن هؤلاء المقيمين يحق لهم التمتع بالحماية الكاملة باعتبارهم مدنيين. وبالمثل، فإن القانون الإنساني الدولي لا يدع مجالاً للشك في أن أعضاء الاحتياط بالقوات العسكرية أو الأمنية عندما لا يكونون في الخدمة العاملة لا يعتبرون مقاتلين، ومن ثم يستفيدون من الحماية كمدنيين.

    إن الحجج التي تساق لتبرير التفجيرات الانتحارية وغيرها من الاعتداءات الفلسطينية على المدنيين أو الاعتذار عنها لا تستند إلى أي أساس؛ ومن يسوقون هذه الحجج إما أنهم لا يفهمون التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي وإما أنهم قرروا تجاهلها. فلا شك في أن هذه الاعتداءات جرائم خطيرة، وأنها في معظم الحالات، إن لم يكن كلها، جرائم ضد الإنسانية. والقانون الدولي يعرف مرتكبي هذه الفظائع بأنهم مجرمون، وكذلك من يحرض أو يخطط أو يساعد في هذه الأعمال؛ ويجب تقديمهم للعدالة.
    وفي هذا التقرير تفحص منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" طبيعة التفجيرات الانتحارية وغيرها من الاعتداءات على المدنيين وعواقبها - من حيث الخسائر البشرية - وتستعرض المعايير ذات الصلة بهذا الموضوع الواردة في القانون الإنساني الدولي والالتزامات التي تفرضها هذه المعايير، وتصف طبيعة الجماعات الفلسطينية المسلحة التي نفذت هذه الاعتداءات وبنيتها وأهدافها. وكما أشرنا فسوف نفحص أيضاً دور السلطة الفلسطينية، بما في ذلك دور ياسر عرفات.

    ويتضمن التقرير توصيات محددة بشأن الخطوات الواجب اتخاذها دون إبطاء أو مراوغة لوضع حد للاعتداءات على المدنيين. وندعو فيه السلطة الفلسطينية والجماعات الفلسطينية المسلحة إلى وضع حد للتفجيرات الانتحارية ضد المدنيين والالتزام بمبادئ قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. كما نحث إسرائيل على ضمان التوفيق بين جميع الإجراءات المتبعة لمنع الهجمات الانتحارية أو غيرها من الهجمات ضد المدنيين أو التصدي لها وبين القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي. وندعو الجهات الدولية المؤيدة لكل من الطرفين على حدة إلى تأييد هذه التوصيات ومحاولة تطبيقها للمساعدة على وضع حد للهجمات التي أدت إلى إزهاق أرواح المدنيين بقسوة وإلى حالة الإفلات من العقوبة التي تسمح باستمرار هذه الهجمات.